صفقات ترامب في الشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١١/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
صفقات ترامب في الشرق الأوسط

علي ناجي الرعوي

تتحضر منطقة الشرق الأوسط لأول زيارة خارجية سيقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي حرص أن تكون بوابتها من العاصمة السعودية الرياض رغم أنه لم يسبق لأي رئيس أمريكي من جورج واشنطن وحتى باراك أوباما أن تكون عاصمة عربية أو إسلامية محطته الخارجية الأولى ولذلك دلالته الكبيرة بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية التي من المعلوم أنها من تضع أهمية كبيرة للشراكة مع المملكة العربية السعودية سيما وأن هناك اهتماما من قبل الدولتين على تدشين مسار أكثر التصاقا بمصالحهما في المنطقة بأسرها ويتعزز هذا التوجه في ظل إدارة الرئيس ترامب الذي ينظر للرياض كحليف يمكن الاعتماد عليه في الخليج والعالم العربي والإسلامي وكذا في دوره المحوري على نطاق دعم الجهود الخاصة بمكافحة التطرف والإرهاب وهو ما قدمت له الرياض ومهدت له بتبنيها لفكرة تشكيل تحالف إسلامي يتكون من أربعين دولة لمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب والتنظيمات الجهادية المرتبطة بها وتحديدا تنظيم داعش الذي يتوغل في كل من سوريا والعراق، وهي الخطوة التي باركتها الولايات المتحدة التي تتزعم الحرب الدولية على الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر العام 2001.

هذه الصورة لا تختصر كامل المشهد وتحديدا إذا ما عدنا إلى العناوين العريضة التي سيحملها ترامب معه في أول رحلاته الخارجية وهي عناوين ربما يكون بعضها أقل واقعية وأكثر إثارة، وذلك متوقع فالرجل الذي جاء إلى البيت الأبيض من عالم التجارة والمال والاستثمار ينطلق في عمله السياسي من شخصيته التجارية القائمة على الربح والخسارة الأمر الذي يجعله مندفعا إلى استثمار الخدمات التي قدمتها وتقدمها بلاده لأي أحد في هذا العالم، ومن هذا الميول فإنه يتطلع إلى إنجاز العديد من الصفقات في الرياض قبل أن يتوجه إلى إسرائيل والأرضي العربية المحتلة لإنجاز ما يسميه بـ(الصفقة الكبرى) بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية.

سيسعى الرئيس ترامب في هذه الزيارة إلى التأكيد على أن أمريكا في عهده باتت تمتلك استراتيجية حازمة في المنطقة وأنها من بدأت تنفيذ هذه الاستراتيجية بإعادة التموضع في منطقة الشرق الأوسط وتوسيع فضاءات المصالح مع أهم الشركاء فيها وبما يؤدي إلى حماية هؤلاء الشركاء من كل الأخطار المحدقة بهم وأكثر من ذلك سيعمد ترامب إلى إقناع كل الأطراف التي سيلتقي بها في الرياض في إطار ثلاث دوائر من الاجتماعات ستبدأ مع المملكة ثم مع قادة مجلس التعاون ثم تنتهي بقمة مع نخبة من زعماء الدول العربية والإسلامية بأهمية الاعتماد على دور الولايات المتحدة ودعمها وبما يسهل أمامه فرصة الوصول إلى عقد الصفقات مع تلك الأطراف التي ستجد نفسها مضطرة للتكيف مع هذا النهج والتسليم من أن ترامب لن يحمي أحدا بالمجان كما جاء في شعارات حملته الانتخابية.
الشيء المرجح أن ترامب في الدائرة الأولى سيرمي بكل ثقله من أجل تحقيق نقاط اقتصادية ثمينة حينما يجلس للتباحث مع القيادة هذا إن لم يلجأ إلى تذكير السعوديين بما سبق وأن صرح به بشأن الخدمات التي قدمتها الولايات المتحدة لهم لكنها التي لم تحصل على الثمن العادل على تلك الخدمات بحسب قوله، وتحت هذا النوع فإنه قد يتمكن من بلوغ غاياته بالتوقيع على مجموعة من الاتفاقات والعقود بعشرات البلايين من الدولارات ومن ذلك صفقات الأسلحة، إذ تعد المملكة المستورد الأكبر للأسلحة الأمريكية على مستوى العالم بالإضافة إلى أن الرئيس ترامب سيحرص خلال تلك المباحثات مع القيادة السعودية على الخروج بتصور واضح لنتائج اللقاء الذي جمعه بالأمير محمد بن سلمان قبل نحو شهرين في البيت الأبيض والذي جرى فيه الإعلان عن استثمارات سعودية في أمريكا خلال السنوات الأربع المقبلة بقيمة تصل إلى أكثر من 200 بليون دولار، ولما من شأنه تحويل ذلك الاتفاق إلى خطة عمل تنعكس واقعا على الأرض.
أما على صعيد الدائرة الثانية فإن ترامب وخلال لقائه بقادة مجلس التعاون سيعيد معهم الحديث عن خطر إيران (المارقة)على دولهم وأنها التي لن تتوقف عن تدخلاتها في شؤون المنطقة وزعزعة الاستقرار في بلدانهم وزرع الفتن والقلاقل فيها من قبل الجماعات والمليشيات الطائفية التي تدين بالولاء لإيران ولمواجهة هذا الخطر فإن على الدول الخليجية العمل مجتمعة مع الولايات المتحدة والركون إلى ما ستعده من خطط لإيقاف التمدد الإيراني وضرب كل من يقع تحت قيادة طهران من المليشيات والتنظيمات كالحشد الشعبي وحزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله وغيرها وبما يفضى إلى إنهاء الفوضى في المنطقة إلا أن نجاح مثل هذا الدور سيبقى من وجهة نظر ترامب مرهونا بتحديد أطراف هذه الصفقة والثمن الذي سيدفعه كل طرف لإتمامها.

لا شك أن خطاب الرئيس الأمريكي لن يتغير كثيرا في الدائرة الثالثة التي ستجمعه بالقادة العرب والمسلمين والذين سيتحدث إليهم بشكل واضح لا لبس فيه عن خطته لمحاربة التطرف والإرهاب والتي تقوم أصلا على أن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة مزيدا من أعباء موجهة الإرهاب والتطرف وكذا الجماعات التي اندمجت تحت فكر الجهاد العالمي الذي يسعى لإقامة خلافة إسلامية عابرة للحدود والفواصل الجغرافية وتأجيج الصراع على نطاق دولي، ولا نظن أن الرئيس ترامب سيخفى عن أولئك القادة العرب والمسلمين حقيقة أن الولايات المتحدة هي بصدد التراجع عن التزاماتها في هذه الحرب وأنها من تتطلع إلى قيام التحالف الإسلامي بمسؤولية التصدي للجماعات الإرهابية على اعتبار أن معظم التهديدات الإرهابية الخطيرة هي في الأغلب قادمة من منطقة الشرق الأوسط.

وعلى ذات المنهاج سيحاول الرئيس ترامب بالحصول على موافقة الجميع في الرياض وتأييدهم لصفقة القرن التي لا تشمل حلا نهائيا للصراع العربي الإسرائيلي وإنما تشمل إلزام الفلسطينيين بمبادرة سلام مبسترة تفضى إلى دولة فلسطينية غير قابلة للحياة حتى يتسنى له وضع الفلسطينيين في زاوية ضيقة لا مجال للهرب منها تنتهي بهم للرضوخ لمشروع دولة شكلية يخنقها الاستيطان والتوسع والتماشي مع مصطلح (صفقة القرن) والذي يعد الأكثر ملاءمة لما يفكر فيه الرئيس ترامب ذو العقلية التجارية.

والذي لا يجيد سوى لغته ولغة الصفقات التي يعد لإبرامها مع دول المنطقة بما تمثله تلك الصفقات الملغومة من كارثة قومية وإسلامية.

كاتب يمني