ترامب وجداره الافتراضي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
ترامب وجداره الافتراضي

كينيث روجوف

في كثير من النواح، تشكل خطة الحزب الجمهوري لفرض «ضريبة ضبط الحدود» في الولايات المتحدة تكملة افتراضية للجدار المادي الذي يخطط الرئيس دونالد ترامب لإقامته على الحدود الأمريكية المكسيكية. ورغم أن ضريبة ضبط الحدود لم تتسرب إلى الوعي العام على نفس النحو الذي تسرب به جداره المادي، فربما يكون تأثيرها على المواطن الأمريكي المتوسط أشد كثيرا ــ ولن يكون هذا التأثير إيجابيا بالضرورة.على السطح، تتلخص الفكرة الأساسية في فرض ضريبة بنحو 20% على الواردات، وتقديم إعفاءات ضريبية بمقدار مماثل للصادرات. وأول ما يتبادر إلى أذهان أغلب الشعبويين هو أن هذه الفكرة رائعة بكل تأكيد في تعزيز فرص العمل في الولايات المتحدة، لأنها تثبط الواردات وتشجع الصادرات، ولكن من المؤسف، كما أشار كثيرون، أن هذا المنطق مختل، لأن الولايات المتحدة تدير سِعر صرف محرر بالكامل.وارتفاع قيمة الدولار ــ وهي النتيجة المحتملة لفرض ضريبة ضبط الحدود ــ يجعل من الأرخص بالنسبة للأميركيين شراء السلع المستوردة (لأن الدولار يشتري المزيد من العملة الأجنبية)؛ وفي المقابل، يجعل ارتفاع قيمة الدولار الصادرات الأمريكية أكثر تكلفة للأجانب. وتتلخص النتيجة وفقا للكتب الدراسية الأساسية في واقع الأمر في إهدار كل الحصيلة الضريبية بفِعل التأثير الناجم عن سعر الصرف، وهو ما من شأنه أن يترك الميزان التجاري بلا تغيير. وإذا خَطَر لك أن اقتراح الجمهوريين يبدو أشبه بالدجل والخزعبلات، فربما تكون محقا، ولكن دعونا نحتفظ بهذه الفكرة لبعض الوقت.

الواقع أن العديد من الأكاديميين البارزين يستحسنون فكرة ضبط الحدود، ولكن لأسباب مختلفة تماماً. فهم يؤمنون بأن سعر الصرف سوف يرتفع في حقيقة الأمر بالقدر الكافي لتحييد التأثيرات التجارية المترتبة على ضريبة ضبط الحدود. ولكن الفكرة تروق لهم على أية حال.

فأولا، تستورد الولايات المتحدة بكميات أكبر كثيراً مما تصدر، وهذا يعني أنها تدير عجزا تجاريا ضخما، في حين يعادل المقياس الأوسع «الحساب الجاري» نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن هذا يُعَد تحسنا شاسعا بعد عجز بلغ 6% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي قبل عشر سنوات، فإن واردات الولايات المتحدة تظل أكبر كثيرا من صادراتها، وهذا يعني أن الحكومة تستطيع تحصيل عائدات أكبر من ضريبة بمعدل 20% على الواردات مقارنة بما قد تقدمه في هيئة إعفاءات ضريبية على الصادرات.
ما العيب الذي قد يشوب هذه الفكرة السليمة تكنوقراطيا إذن؟ أولا، تعتمد هذه الفكرة على بعض افتراضات ملحمية ــ على سبيل المثال، أن الناس لا يستطيعون بسهولة ملاعبة نظام أشبه بالمتاهة، وأن الحكومات الأجنبية سوف تمارس ضبط النفس في الانتقام. وثانيا، تتجاهل هذه الفكرة مجموعة من المشاكل الانتقالية العصيبة.بادئ ذي بدء، تُسَعَّر الغالبية العظمى من واردات الولايات المتحدة بالدولار، وليس أي عملة أجنبية. ولهذا فحتى لو أصبحت العملات الأجنبية أرخص، فإن هذا قد لا يساعد المستوردين حبيسي العقود المقومة بالدولار. وسوف تكون التكاليف أعلى بنحو 20% بسبب ضريبة الواردات. وعلى الرغم من الإعانة الضريبية، فقد تخسر بعض الصادرات لأنها تعتمد على السلع الوسيطة المستوردة في إنتاج منتجاتها.
تتلخص مشكلة أخرى في حقيقة مفادها أن الدولار الأكثر قوة يعني خسارة ثروات هائلة بين الأمريكيين، لأن قيمة العديد من الأصول الأجنبية سوف تنخفض.
صحيح أن ضريبة الحدود المرتفعة ربما تعزز الوظائف في الولايات المتحدة. إذ يتطلب المخطط زيادة ضخمة في عدد موظفي الجمارك، وسوف تُفضي الضريبة في الأرجح إلى توسع كبير في الاقتصاد السري مع سعي الناس إلى التهرب من الضرائب. ولكن هل هذا هو حقا النوع من الوظائف الذي يفكر فيه أنصار ضريبة الحدود؟

كينيث روجوف كبير خبراء الاقتصاد

الأسبق لدى صندوق النقد الدولي