
أولي هانسن
لا يزال قطاع السلع يشهد اتساع الفجوة بين الطلب الاستثماري القوي والأداء الضعيف نسبياً للأسعار. ويسجل ’مؤشر بلومبيرج للسلع‘، الذي يقيس أداء مجموعة من السلع الرئيسية، مستوى تداول شبه مستقر خلال العام. وخلال هذا الوقت، شهدنا وصول مراكز التداول طويلة الأمد لأكثر من 22 سلعة رئيسية إلى مستويات شبه قياسية. وكان الإيمان القوي بقدرة منظمة ’أوبك‘ على خفض إنتاج النفط وإعادة التوازن إلى السوق بمثابة المحرك الرئيسي لارتفاع الأسعار، مع تسجيل خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت لمستويات طلب قوية. واستعادت المعادن الثمينة خسائرها جراء تراجع الأسعار في أواخر العام 2016 على خلفية تنامي الشكوك حيال الأثر الاقتصادي والجيوسياسي لإعلانات السياسات المالية الخاصة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في حين حظيت المعادن الصناعية كالنحاس بدعم تمثّل بمخاوف انقطاع الإمدادات بسبب الإضرابات. وتحافظ صناديق التحوط في الوقت الحالي على مركز تداول طويل الأمد من 2.3 مليون من العقود الآجلة وعقود الخيارات ضمن 22 سلعة رئيسية. وتعود معظم هذه العقود إلى قطاع الطاقة (57%) مع حلول القطاع الزراعي في المركز الثاني بنسبة 32% واستحواذ المعادن الثمينة والنحاس على نسبة 11% فقط.
ولعب الاتجاه المستقبلي للدولار الأمريكي دوره على نحو متزايد. وأصبح الاعتقاد العالمي بازدياد قوة الدولار الأمريكي خلال العام 2017 موضعاً للشك. واتضح هذا الأمر بعد الانتقادات التي وجهتها الإدارة الأمريكية الجديدة للصين وأوروبا واليابان واتهامها بانتهاج سياسات عملات ضعيفة. وكنتيجة لهذه التصريحات، شهدنا هبوط الدولار بنسبة تقارب 2% أمام سلة من العملات الرئيسية منذ بداية العام. ولا يزال تداول النفط الخام محصوراً بنطاق ضيق مع عمليات خفض الإنتاج التي تنتهجها منظمة ’أوبك‘ والمخاوف الجيوسياسية ذات الصلة بالموقف المتشدد الذي تتخذه الولايات المتحدة تجاه إيران ومقابلته نوعاً ما برفع سوية الإنتاج الأمريكي والليبي. وتراجع أداء الغاز الطبيعي على خلفية استمرار التصفية الطويلة مع اقتراب فصل الشتاء من نهايته، وبالتالي انخفاض الطلب على الغاز لأغراض التدفئة.
وسجلت المعادن الثمينة ارتفاعاً على خلفية ضعف الدولار وبعض الاستثمارات الآمنة التي جاءت استجابةً لحالة عدم الاستقرار المحيطة بتسلم ترامب سدة الحكم في البيت الأبيض. وبعد الوصول إلى أعلى مستوى له خلال 11 شهراً، تراجع الذهب عن بعض مكاسبه قبل صدور تقرير الوظائف الأمريكية الشهري يوم الجمعة، والذي لم يقدم الكثير من التوجيهات ذات الصلة بالاتجاه على المدى القصير.
وكانت أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت محصورةً ضمن نطاق ضيّق نسبياً خلال الأشهر القليلة الفائتة. وكانت الأسعار مدعومةً بزيادة الطلب على المضاربة في إطار الاستجابة للنجاح المحتمل في تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج من قبل الدول المنتجة للنفط من الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة ’أوبك‘. وفي مقابل هذا الأمر، ساهمت احتمالات حدوث انتعاش قوي في الإنتاج الأمريكي وزيادة الإنتاج في ليبيا المثقلة بالاضطرابات في الحفاظ على الاتجاه التصاعدي في ذروته. وخلال الأسبوع الفائت، قوبل تقرير المخزون الأمريكي الثالث على التوالي الذي يسجل هبوطاً في المخزونات بإمكانية فرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران بعد إجراء الأخيرة لتجربة إطلاق صاروخ باليستي. وفي حين قد لا تحمل هذه العقوبات أي أثر على قدرة إيران على إنتاج وتصدير النفط الخام، لا يزال من الممكن أن تؤدي إلى إضافة علاوة مخاطر جيوسياسية طفيفة على أسعار النفط. ومن شأن هذا الأمر أن يقدم المزيد من الدعم لقطاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي وجهوده الرامية لزيادة الإنتاج.
ونواصل في هذه المرحلة رؤية اتجاه صعودي محدود للنفط الخام مع مخاطر هبوط مدفوعة في المقام الأول بمخاطر الخفض غير المنضبط لرهان تفاؤلي متصاعد حول إنتاج نفطي يقارب المليار برميل. وسيواصل التعداد الأسبوعي لعدد حفارات النفط والمخزونات الأمريكية جنباً إلى جنب مع الأنباء القادمة من البيت الأبيض والتقدم المحرز فيما يتعلق بعملية خفض الإنتاج الجارية تحديد جدول الأعمال خلال شهر فبراير. يواجه خام برنت نطاق مقاومة بين 57.50 و58.50 دولار للبرميل مع دعم عند مستوى 55 دولار للبرميل قبل بلوغ مستوى 53.60 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى سجل خلال شهر يناير.
كان الذهب قريباً من استرداد 50% مما خسره خلال حالة التراجع التي شهدها بعيد صدمة انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في انتخابات شهر نوفمبر. وساعدت جوانب كالاجتماع المعتدل للجنة السوق المفتوحة الاتحادية وضعف الدولار وحالة عدم الارتياح العامة في السوق والمتصلة بالأنباء القادمة من البيت الأبيض في تقديم الدعم للسوق.
وكانت الصين منشغلة خلال معظم أيام الأسبوع باحتفالات رأس السنة القمرية الجديدة، وساعدت استجابتها المحدودة على مسألة عودة أسعار الذهب للارتفاع في إطلاق بعض عمليات جني الأرباح. وقدم تقرير الوظائف الأمريكية الشهري الصادر يوم الجمعة القليل من المعلومات المتعلقة بتحديد اتجاه السوق. وقوبل النمو القوي للوظائف بتخفيف ضغط الأجور، الأمر الذي من شأنه أن يمنع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية من زيادة أسعار الفائدة. ويستمر اتجاه الدولار بلعب دور أهم المحركات وراء الانتعاش الذي شهدناه خلال منتصف شهر ديسمبر. وتعد المعركة الجارية بين سعر فائدة داعم وتفاضلي بالنسبة للعملات الرئيسية مثل اليورو والين الياباني من جهة، وتصريحات البيت الأبيض من جهة أخرى، ضد الدولار القوي بمثابة أحد العوامل الرئيسية التي يجدر متابعتها. واستعاد الذهب ما يقارب نصف ما خسره بعد انتخاب ترامب، وإذا ما تمكن من تعزيز الأسعار فوق مستوى 1.219 دولار للأونصة سيكون طريقه مفتوحاً للوصول إلى مستوى 1.249 دولار للأونصة.
رئيس استراتيجية السلع لدى ’ساكسو بنك‘