عجز ترامب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
عجز ترامب

كينيث روجوف

إنها أسطورة تعود إلى فترة ما بعد الأزمة المالية تلك التي تزعم أن الحكومات المحافظة تفضل دائماً الحصافة المالية، في حين تنظر الحكومات التقدمية المتوجهة نحو إعادة التوزيع إلى العجز الضخم باعتباره وجبة الغداء المجانية الأكبر في العالم. الواقع أن هذا المنظور التبسيطي يفوته بشدة، ربما برغم احتوائه على ذرة من الحقيقة، أن ينتبه إلى الاقتصاد السياسي الأساسي الحقيقي وراء قضية العجز.

الحقيقة هي أنه كلما فَرَض حزب واحد سيطرته الصارمة على الحكومة، ينشأ لديه حافز قوي للاقتراض لتمويل أولوياته، وهو يعلم أنه لن يكون الطرف الذي يتوجب عليه تحمل الفاتورة بالضرورة. وعلى هذا فمن المتوقع أن تلجأ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، سواء كانت محافظة أو لم تكن، إلى الاستفادة بشكل عدواني من عجز الموازنة لتمويل أولوياتها للضرائب والإنفاق.

في أواخر الثمانينيات، اقترح باحثان إيطاليان، ألبرتو أليسينا وجويدو تابيليني، في نفس الوقت تقريبا مع باحثين سويديين، تورستن بيرسون ولارس سفينسون، الإطار الأكثر دقة للتفكير في عجز ميزانيات الحكومات في الدول الديمقراطية. ورغم أن أساليبهم اختلفت قليلاً في التفاصيل، فإن الفكرة الأساسية هي ذاتها: أن تعطي المال لأصدقائك ما دام هذا بإمكانك. وإذا أصبح المال المتاح أقل من أن يكفي الجميع في وقت لاحق، عندما يتولى الحزب المعارض دوره في السلطة، فإن هذا يصبح أمرا بالغ السوء.
وما علينا إلا أن نتذكر التاريخ الاقتصادي الأمريكي الحديث لكي نؤكد على الرؤية الراجحة التي اتسم بها النموذج الإيطالي السويدي ولكي ندرك مدى عبثية المزاعم بأن الجمهوريين يسعون دائماً إلى ضبط الموازنة في حين يحاول الديمقراطيون دائماً الإنفاق بما يتجاوز إمكانات البلاد. في ثمانينيات القرن الفائت، كان بطل المحافظين رونالد ريجان على استعداد للتسامح مع عجز هائل لتمويل خططه الطموحة لخفض الضرائب، وقد فعل هذا في عصر عندما لم يكن الاقتراض رخيصاً.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اتبع الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش كتيب إرشادات ريجان، فخفض الضرائب مرة أخرى ودفع العجز إلى الارتفاع إلى عنان السماء. وفي العام 2012، في أوج المواجهة بين الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون والرئيس الديمقراطي باراك أوباما حول العجز والدين الوطني، عَرَض المرشح الرئاسي الجمهوري مِت رومني خطة اقتصادية اشتملت على عجز هائل لتمويل التخفيضات الضريبية وزيادة الإنفاق العسكري.
على الجانب الآخر من الطيف، نجح الرئيس الديمقراطي بِل كلينتون، خلال ما اعتبره أغلب الاقتصاديين الأكاديميين رئاسة ناجحة للغاية، في تحقيق فائض في ميزانية الحكومة. والواقع أن بعض الباحثين تساءلوا في أواخر التسعينيات كيف قد تعمل الأسواق الدولية إذا نجحت حكومة الولايات المتحدة في سداد كل ديونها تدريجيا. ثم جاءت تخفيضات بوش الضريبية والحروب التي خاضها لكي تضمن أن هذا الاحتمال لن يتحقق أبدا.
ما الذي يمنع العجز إذن من التصاعد مع تناوب الأحزاب على السلطة واقتراضها لكي تساعد أنصارها؟ تتمتع الديمقراطيات الناجحة مثل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة بالقدر الكافي من الذاكرة الجمعية للمشاكل الناجمة عن ارتفاع الديون بما يجعلها تسمح ببعض الدعم للخفض الدوري لنسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ولكن حتى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا يأتي العجز في أشكال معقمة ومحايدة من التحفيز الاقتصادي، كما هي الحال في نموذج جون ماينارد كينز الأكاديمي. بل يأتي العجز في كل الأحوال تقريبا كنتاج لاقتتال سياسي داخلي شرس حول الأولويات المالية.

كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي
وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد