تعمين الوظائف العليا.. مسؤولية مَن؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/يناير/٢٠١٧ ١٢:١٩ م
تعمين الوظائف العليا.. مسؤولية مَن؟

عيسى المسعودي

دائمًا ما تشهد جلسات معالي الشيخ وزير القوى العاملة في مجلس الشورى، ردوداً ومناقشات واستفسارات في غاية الأهمية سواء من قِبل أعضاء المجلس أو من قِبل معالي الوزير، فالجميع له قناعات معيّنة وسياسات ومطالب ورؤية معيّنة يدافع عنها أو يتحدث عنها ويشرح أهدافها، وهذا ما حدث مؤخراً في الجلسة الأخيرة لمعاليه والتي استضافها مجلس الشورى، وهذا المشهد يتكرر مع كل وزير مسؤول عن مؤسسات مهمة تقدم خدمات وتسهيلات للجمهور، ولا يختلف اثنان على أن الجميع يجتهد ويحاول من أجل التطوير والرقي بالخدمات وبالعمل في هذا القطاع المهم والحيوي، والذي يهم شريحة كبيرة من المجتمع سواء كانوا مواطنين أو شركات أو مؤسسات أو رجال أعمال، وأيضًا يهم القوى العاملة الوافدة خاصة فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات وسياسات الحكومة في هذا القطاع، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى استمرار ارتفاع القوى العاملة الوافدة بشكل سنوي في القطاع الخاص وبالتالي هيمنتها على مختلف المناصب والوظائف العليا في هذا القطاع، ورغم أن معالي الوزير وأعضاء مجلس الشورى أبدوا انزعاجهم وحسرتهم على ارتفاع هذه النسبة وسيطرتها على القطاع الخاص إلا أنهم أمام واقع عليهم التعامل معه، فبعد مرور هذه السنوات ووجود الخريجين والكوادر العمانية المؤهلة والخبرات في كافة المجالات والتخصصات، إلا أنه وللأسف الشديد لم نحقق ما نطمح إليه في تعزيز وجود الكوادر الوطنية في المناصب القيادية.

مجموعة من المواضيع التي تمت مناقشتها مؤخراً في جلسة مجلس الشورى مع وزير القوى العاملة، ومعظمها مناقشات واقتراحات وتصورات ومرئيات مهمة خرج منها هذا اللقاء نتمنى الاستفادة منها، كذلك أظهرت الجلسة وجود تحديات وصعوبات عديدة في هذا القطاع وعلى الجميع التكاتف من أجل الوصول إلى حلول لها وخاصة فيما يتعلق بموضوع الباحثين عن عمل وسياسات وقوانين وتشريعات وزارة القوى العاملة، بحيث تساعد هذه القوانين في تنظيم سوق العمل بشكل أفضل مما هو عليه الآن وإيجاد حلول وسياسات ورؤية واضحة تساهم في تعزيز بيئة العمل الاستثمارية في مختلف القطاعات؛ وذلك من خلال الاستماع إلى مختلف وجهات النظر والاقتراحات وتعزيز التعاون مع المؤسسات والجهات المعنية مثل غرفة التجارة ومجلس الشورى واللجان المتخصصة، لعلنا نستطيع أن نحقق مزيداً من النجاحات والإنجازات، فموضوع تنظيم سوق العمل يحتاج إلى مزيد من التخطيط والجهد والتعاون بين مختلف المؤسسات، فالواقع الحالي وكما يشير إليه أعضاء مجلس الشورى أو رجال الأعمال، يحتاج إلى وقفة وإلى تغيير كبير في السياسات العمالية الحالية حتى نستطيع تحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات في المرحلة المقبلة، وهذا التغيير أو الدور ليس مسؤولية وزارة القوى العاملة فقط وإنما هي مسؤولية مشتركة وعلى الجميع المشاركة والتعاون في تحقيق هذا التغيير.

كما قلت جلسة مجلس الشورى الأخيرة ناقشت العديد من المواضيع المهمة ولا يمكن مناقشتها أو الحديث عنها بشكل شامل، ولكن دعونا نعود للإحصائيات والمؤشرات حول موضوع استمرار هيمنة القوى العاملة الوافدة في المناصب العليا وارتفاع نسبتها بمؤسسات القطاع الخاص وأيضا في المؤسسات التي تساهم فيها الحكومة والتي قد تصل إلى أكثر من 70%، فهل يعقل بعد هذه السنوات أن نفشل في تحقيق تقدم في هذا الموضوع؟ ونكتفي بالتركيز فقط على توفير الوظائف ذات المستويات المتدنية ونفرح بنسب التعمين الإجمالية في بعض الشركات دون أن نجد حلولاً وخططاً لتحقيق إنجازات في مجال التعمين في الوظائف العليا. من وجهة نظري إنها مسؤولية مشتركة بين وزارة القوى العاملة ومجالس إدارات الشركات الحكومية والخاصة، الذين وللأسف ليس لديهم خطط واضحة في هذا المجال، وبكل صراحة فهم يخافون من التغيير، وبصراحة وبوضوح أكثر أن بعض مجالس الشركات لا تزال مترددة في إعطاء الثقة للكادر الوطني رغم النجاحات التي يحققها العماني، والذي أثبت نجاحات كبيرة ويقود حالياً مؤسسات كبيرة وعملاقة في مختلف المجالات والقطاعات ويتقلد مناصب قوية كرئيس مجلس إدارة أو رئيس تنفيذي أو مدير عام أو غيرها من المناصب والمسؤوليات الكبيرة في الإدارة التنفيذية، فهذا التهاون والخوف من التغيير يجعلنا لا نحقق تقدماً أو نعطي فرصة للشباب العماني لتولي مناصب عليا في الإدارات التنفيذية، وبالتالي فإن مجالس الشركات ومن خلفهم الحكومة متمثلة في وزارة القوى العاملة، السبب الحقيقي وراء هذا التأخير في هذا الجانب، فالإرادة غير متوفرة حتى نحقق نتائج إيجابية، لذلك نجد الوافدين ورغم احترامنا وتقديرنا لهم، لا يزالون مسيطرين ومهيمنين على أغلبية الوظائف والمناصب العليا في مؤسساتنا الحكومية والخاصة، لذلك على مجالس إدارات الشركات أن تواجه نفسها بهذا الوضع، وعلى أعضاء مجلس الشورى أو المؤسسات المعنية أن توجه أصابع الاتهام إلى هذه المجالس أولاً؛ لأنهم المسؤولون المباشرون عن هذه الإحصائيات والمؤشرات الخطيرة، وعلى وزارة القوى العاملة أن يكون لها دور حقيقي وإرادة قوية مبنية على خطط مدروسة لتحقيق التغيير المنشود وإحلال العماني مكان الوافد في المناصب القيادية في شركات ومؤسسات القطاع الحكومي والخاص، وذلك من خلال التواصل المباشر مع مجالس هذه الشركات وطرح خطط ومبادرات في هذا الجانب حتى نحقق التقدم، فالعماني لا تنقصه الخبرة أو الدراسة أو المعرفة في تحمّل المسؤولية أو الوظيفة القيادية، ولدينا أمثلة عديدة وناجحة في هذا المجال، خاصة أن الجميع لديه قناعة تامة بأن القوى العاملة الوافدة التي تسيطر وتهيمن حالياً على الوظائف العليا في الشركات أغلبها لا تملك الخبرة أو المعرفة، وهي كوادر غير مؤهلة، والعديد من الوافدين الذين تم توظيفهم في وظائف عليا أثبتوا فشلهم في تحمّل المسؤولية، والبعض منهم كبدوا خسائر فادحة للشركات التي عملوا فيها، والبعض منهم هربوا بعد أن تسببوا في خسائر كبيرة. لذلك لا بد أن تكون لمجالس الشركات إرادة قوية للتغيير وإعطاء العماني الفرصة كاملة كما أعطي الوافد، وتوفير كل عناصر النجاح للكوادر الوطنية ولعل أهمها الثقة، وهذا لن يتحقق إلا بدور أكبر وإرادة قوية أيضاً من قِبل المؤسسات والجهات الحكومية المعنية وفي مقدمتها وزارة القوى العاملة من خلال تحديد نسب معيّنة تستهدف الوظائف العليا في الشركات، وأن يتم تقييم هذه النسب بشكل سنوي ورفعها حسب النجاحات والتقدم الذي تحققه هذه الشركات، وعلينا تحفيز هذه الشركات لتحقيق هذه الأهداف الوطنية التي ستعود بالمنفعة على الشركات أولاً وعلى سياسات التعمين، وتوفير الوظائف للكوادر الوطنية وعدم ترك الأمور حسب رغبات وقرارات مجلس إدارات الشركات.