عدوى المال السهل

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٣٣ م
عدوى المال السهل

كارمن راينهارت

عندما ننظر في الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية الرئيسية في العالم الشهر الماضي فإن هذا يستدعي سؤالا أساسيا: متى ــ وأين ــ ينتهي كل هذا التيسير النقدي؟
في نهاية يوليو، أعلن بنك اليابان أنه سيُبقي على أسعار الفائدة السلبية الحالية وبرامج شراء السندات. وفي الوقت نفسه، تعهد بنك اليابان بأنه سيضاعف تقريبا مشترياته السنوية من الصناديق المتداولة، من 3.3 تريليون ين (32.9 بليون دولار أميركي) إلى 6 تريليون ين. ومع هذا فإن هذا الإعلان عن حزمة السياسات النقدية، التي كانت لتعتبر في حقبة مختلفة مُلائمة إلى حد لا يصدق، أصاب الأسواق المالية فعليا بخيبة الأمل. وما أصاب صناع السياسات في اليابان بالهم والغم هو أن قوة الين تعززت في مقابل العملات الرئيسية.
ثم في أوائل أغسطس، خفض بنك إنجلترا تكاليف الاقتراض، وعزز برنامج التيسير الكمي، وخصص 100 بليون جنيه إسترليني (131 بليون دولار أميركي) لتشجيع البنوك على الإقراض. وفي الاستجابة لانخفاض قيمة الجنية الإسترليني بشكل كبير مقابل الدولار الأميركي وغيره من العملات في أعقاب تصويت المملكة المتحدة في يونيو على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أشار بنك إنجلترا إلى أن ذلك التحرك كان خطوة استباقية لتخفيف الأثر الركودي الناجم عن خروج بريطانيا. وفي الاستجابة للتحفيز النقدي الجديد، سجلت بورصة لندن ارتفاعا كبيرا وانخفض الجنية الإسترليني إلى مستويات أدنى.
في نفس الأسبوع، خفض بنك الاحتياطي الأسترالي سعر الفائدة إلى مستوى غير مسبوق لكي يصبح 1.5%. ويشير محضر ذلك الاجتماع إلى أن الخفض كان يستهدف في المقام الأول تجنب ارتفاع قيمة العملة تحسبا للمزيد من خفض أسعار الفائدة وبرامج التيسير الكمي في مختلف أنحاء العالم. واستشهد الأعضاء بما اعتُبِر "احتمالا معقولا للمزيد من التحفيز من قِبَل عدد من البنوك المركزية الرئيسية".
الواقع أن العالم مَر بمثل هذا من قبل، ولكن الأسماء فقط هي التي تغيرت. في كتابه الكلاسيكي الذي نُشِر عام 1944 بعنوان خبرة العملات الدولية، زعم راجنار نوركس أن سياسات مقاومة الانكماش في أعقاب انهيار معيار الذهب في عشرينيات القرن العشرين عملت عن طريق خفض قيمة الصرف الأجنبي للعملات، مع تسبب خفض قيمة الجنيه البريطاني عام 1931 في إطلاق العنان لموجة من التخفيضات التنافسية في مختلف أنحاء العالم.
وفي حين يُعتَقَد عادة أن خفض قيمة العملات كان المقصود منه "إفقار الجار"، فقد أشار نوركس إلى أنه كان مصحوبا بسياسة نقدية توسعية غالبا، وهو ما استفادت منه التجارة العالمية. وكان المنطق وراء تفضيل العملات الضعيفة هو أن سعر الصرف التنافسي من شأنه أن يمنع المزيد من تقلص الناتج المحلي والأسعار المحلية (الانكماش). وكان الهدف استبدال الطلب الخارجي، في هيئة تحسن في صافي الصادرات، بالطلب المحلي الناقص.
بيد أننا لم نعد نعيش في عالَم تهيمن عليه، كما كان عالَم نوركس، أسعار صرف ثابتة. ومصطلح "الخفض" ليس مناسبا عندما نصف تقلبات العملة في إطار نظام أسعار الصرف العائمة. ومع ذلك، تشير الموجة الأخيرة من إجراءات البنوك المركزية وتوقيتاتها (على الرغم من التنوع الكبير في الظروف الاقتصادية المحلية) إلى أن تخفيضات أسعار الفائدة وأشكال التيسير غير التقليدية مُعدية بكل تأكيد، وأن لم تكن تنافسية.
ولكن الطبيعة المعدية لخفض أسعار الفائدة تطرح بالفعل التساؤل حول ما إذا كانت السياسات النقدية المحلية أصبحت مرة أخرى أكثر ترابطا واعتمادا على بعضها بعضا. وقد يبدو الأمر وكأن أي بنك بين البنوك المركزية الأكبر على مستوى العالَم غير راغب في أن يكون هو من يملك العملة القوية. وهذا على الأقل يذكرنا بعهد نوركس.
ولكن أين يترك هذا البنوك المركزية الرئيسية الأخرى؟ بدأ كبار المسؤولين الصينيين مؤخرا في مطالبة بنك الشعب الصيني بخفض أسعار الفائدة ومتطلبات الاحتياطي.
رغم أن الصِلات بين الأسس الاقتصادية وتحركات العملة غير واضحة، فيبدو من المعقول أن نتوقع أن يترتب على اتباع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمسار أكثر تشددا ضرورة التعايش مع دولار أميركي أكثر قوة. ولكن هل يفعل البنك ذلك؟
لقد اقتطع تدهور صافي صادرات الولايات المتحدة بالفعل نحو 0.8 من النقطة المئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2016 (على حساب التصنيع إلى حد كبير). وبالفعل، عاد عجز الحساب الجاري الأميركي إلى الارتفاع مرة أخرى تماما كما من المتوقع أن يسجل فائض الحساب الجاري الألماني ارتفاعا بنحو 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام (نحو ثلاثة أمثال نسبة الصين).
كل هذا، جنبا إلى جنب مع موجة التيسير في البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم (واحتمالات المزيد من الشيء نفسه)، ربما يبدو وكأنه يرجح كفة الميزان نحو تبني بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نهجا أكثر تدرجا في تفكيك برنامج التيسير الكمي. بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالتيسير النقدي العالمي، فقد لا تتوقف المسؤولية عند بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وفي ظل كل هذا القدر من خفض القيمة في مختلف أنحاء العالَم، فما الذي قد يجعل الولايات المتحدة راغبة في نيل الشرف الملتبس المريب المتمثل في الدولار القوي؟
كارمن راينهارت أستاذة النظام المالي الدولي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد.