علي بن راشد المطاعني
من الجوانب المهمة التي تحتاج إلى ترتيب في البلاد تنظيم إغلاق المطاعم والمقاهي ومحلات التسوق كالبقالات ومحلات الهايبر وكافة محال البيع بالتجزئة بعد ساعات محددة من الليل، تراعي طبيعة نشاط كل فئة لإحداث تغيرات في عادات المجتمع في التسوق، وضبط الفوضى التي تصاحب هذا الجانب اجتماعيا وأمنيا و سلوكيا، حيث أصبحت تشكل قلقا على العديد من الأصعدة والمستويات نتيجة للمتغيرات الحياتية اليومية التي تفرزها فتح هذه الأنشطة على مدار الساعة أو إلى الساعات الأولى من الصباح ما ينتج عنها ممارسات مقلقة للراحة للفرد والمجتمع وظواهر قلبت الليل نهارا، وغاب فيها سكون الليل على الأسر، وافتقدت فيها العائلات الالتئام مع بعضها البعض، وقلّتْ الإنتاجية وضعفَ التعلم والتعليم، وزادت معدلات الغياب والتأخير في العمل، فهل يمكن ضبط إيقاع فتح المحلات والمقاهي والمطاعم أم نترك الأمور تمضي بدون أدنى مسؤولية ويتحمل الوطن الأثمان باهضة إزاء كل ذلك، تساؤلات تطرح نفسها بين مؤيد ومعارض لمثل هذه القرارات.
فبلا شك إن تغيير فلسفة مواعيد التسوق والأكل في المطاعم والمقاهي من شأنه إحداث تغيرات هيكلية في سلوكيات فئات عديدة من المجتمع، تعيد صياغة توجهات تنظيم الوقت بين العمل والتسوق والتنزه.
ولعل أهم إيجابيات تنظيم التسوق في المحلات والسوبر ماركت والهايبر على سبيل المثال زيادة فرص العمل لدى الشباب العماني وخاصة الفتيات لا سيما أن أكبر عقبة أمام الكوادر الوطنية هي العمل لساعات متأخرة من الليل، كما أن ضبط مواعيد العمل سيساهم في رفد التعمين في قطاع التجزئة والإقبال عليه كأحد القطاعات التي يمكن أن تستوعب كوادر وطنية كثيرة، فلا ينبغي أن نخلط بين المصالح الخاصة في إتاحة التسوق في كل الأوقات وبين المنافع العامة التي قد تستفيد منها شرائح واسعة من الباحثين عن عمل. وأما على الصعيد الاقتصادي فسوف يؤدي هذا التنظيم إلى زيادة الطلب على وظائف قطاع البيع بالتجزئة من قبل المواطنين، ويعتبر طول فترة العمل بها خلال اليوم هو أحد العوائق الرئيسية لعدم الإقبال عليها .
إن قضاء الليل في التسوق والسهر في المطاعم يسهم في تحويل المجتمع العماني إلى مجتمع غير منتج ومتكل على غيره، ويعوّد أفراد المجتمع على الانتظام في المواعيد الخاصة بالتسوق والسهر، وإغلاق منافذها سوف يسهم بالطبع في تغيير تفكير المجتمع نحو كيفية تنظيم الوقت بين العمل والتسوق والترفيه، والاستمتاع بهذه الأوقات، لأن الخلط بينهما بشكل غير منظم يربك الحياة الاجتماعية، بينما تنظيم مثل هذه المواعيد يجعل الأسر العمانية أكثر تماسكا مع بعضها البعض، ويمنحها فرصة للالتئام مع أفرادها بعد ساعات من العمل والتسوق.
وتنظيم التسوق في المحلات والمطاعم يكون بغلق البقالات والسوبر ماركت وكل ما يمت للتسوق الساعة العاشرة والمطاعم الحادية عشرة كحد أقصى وضبط الجوانب الأمنية، وما يعتري ذلك من ممارسات خاطئة تكون الأجهزة الأمنية وخاصة الشرطة في حالة أشبه بالاستنفار لضبط سلوكيات قائدي مركبات يحوّلون الشوارع إلى حلبات مصارعة بسياراتهم ويزعجون السكان بالأبواق، في حين أن هذه الجهود يمكن أن توجّه إلى جوانب أخرى أكثر أهمية وضرورة للبلاد والعباد.
هناك من سيجادل في الانعكاسات السلبية لمثل هذه القرارات كركود الحركة الاقتصادية وضعفها كما قد يسوغ له، إلا أنه يمكن الرد على ذلك بأنه قد يحدث وسوف تتأثر المحلات في فترة زمنية مؤقتة إلى أن يتكيف الناس مع القرار كهذا، فمن الطبيعي بعدها أن تعود حركة الأسواق إلى طبيعتها لاحقا، لأن احتياجات السكان تبقي كما هي لن تنخفض بتقليل ساعات العمل في المطاعم والمحلات، بعد أن يتعودوا مع المواعيد الجديدة وضبط إيقاع حركتها مع التطورات الجديدة.
هناك العديد من الدول وخاصة الأوروبية تنظم إغلاق المحلات والمطاعم في أوقات محددة بدقة متناهية لا يمكن تجاوزها وتفرض غرامات على المخالفين لمثل هذه القرارات، وتجد السكان قد تعودوا على هذه المواعيد، جاءت هذه القرارات بالطبع بعد تجارب كثيرة ارتأت هذه الحكومات أن هذا التنظيم أسلم للمجتمعات. ويمكن أن يستثنى من هذا القرار المقترح بعض الأماكن مثل الصيدليات ومحطات تعبئة الوقود، ومراكز التموين التي تغذي الهايبر ماركت، وغيرها مما لها صفة مستعجلة.
بالطبع قرار هكذا سوف يثير الكثير من الجدل بين مؤيدين ومعارضين وفق اهتمامات متباينة، بعضهم يرغب ويرى أنه ينبغي إحداث تغييرات واسعة في الكثير من العادات المجتمعية غير الإيجابية التي تؤثر على مسار الحياة العامة، والبعض الآخر معارض وهم من المنتفعين من فتْح الباب على مصراعيه دون هوادة، لا يهتمون بالتأثيرات السلبية وانعكاساتها على كافة الأجهزة فضلا عن التأثيرات الاجتماعية والأمنية وضعف الأداء والإنتاجية.
نأمل أن يدرس تطبيق مثل هذه القرارات من مجلس الشورى والجهات المختصة من كافة الأبعاد ووضع مصلحة البلاد والعباد في الاعتبار، فإلى متى سنظل بهذه الدوامة لا نعرف ليلنا من نهارنا وما يشوبهما من أخطاء مسّت كل نواحي حياتنا وأنهكت قوانا وبدّدت طاقاتنا.