النصر العسكري يبتعد عن أمريكا

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٠/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٢٧ م
النصر العسكري يبتعد عن أمريكا

دافيد إغناتيوس

قد تحتل المعركة ضد تنظيم داعش عناوين الصحف، ولكن التهديدات العسكرية القادمة من روسيا والصين هي مصدر القلق الأكبر لكبار المسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية – وهي تثير سباق تسلح جديد لردع هؤلاء المنافسين على مكانة القوة العظمى.
إن موضوع كيفية التعامل مع التطورات العسكرية الروسية والصينية لم يحظ بأي اهتمام تقريبا في حملة الانتخابات الرئاسية 2016. ولكنه موضوع يستحق نظرة فاحصة. إن البرامج التي تم بدؤها في الأيام الأخيرة من إدارة أوباما من المحتمل أن تغير وجه الحرب، لصالح الولايات المتحدة، ولكنها ستتطلب دعما سياسيا وإنفاقا جديدا من الرئيس المقبل.
قد تبدو الحملة لبناء إصدارات غريبة من الأسلحة التقليدية حملة مجنونة في عالم يعاني سلفا من صراعات عسكرية كبيرة. ولكن المناصرين لهذه الفكرة يجادلون بأن تعزيز القوات الأمريكية التقليدية قد يكون هو السبيل الوحيد لتجنب تصعيد الأسلحة النووية إذا بدأت الحرب مع موسكو أو بكين.
لقد جادل نائب وزير الدفاع روبرت ورك لصالح استراتيجية الردع الجديدة في عرض تقديمي هذا الشهر أمام مجموعة استراتيجية أسبن، مؤكدا على تصريحات كان قد أدلى لي بها في مقابلة معه في شهر فبراير الفائت. وهذا المنهج الجديد، الذي يطلق عليه برعونة اسم "استراتيجية التوازن الثالثة"، من شأنه أن يستفيد من التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة من خلال إنتاج أسلحة يمكنها أن تصعّب التخطيط للهجوم من قبل أي عدو.
والافتراض هو أنه بما أن كلا من روسيا والصين تقومان بتحديث جيوشهما، فإنه يتعين على الولايات المتحدة استغلال تقدمها في مجال تكنولوجيا الحرب الفائقة. وفي العالم الذي يتصوره المخططون في البنتاغون، تستطيع الولايات المتحدة إطلاق مجموعة من طائرات بدون طيار في السماء، وغواصات بدون غواصين تحت البحار، وأنظمة متقدمة على الأرض يمكنها الهيمنة على شبكات إدارة المعركة للعدو. ومثل عمليتي "التوازن" السابقتين، أي الأسلحة النووية في ميدان المعركة في خمسينيات القرن الفائت والأسلحة التقليدية الدقيقة في السبعينيات، فإن هذا التوازن سيسعى إلى استعادة الهيمنة العسكرية الأمريكية المفقودة.
في جلسة استماع أمام الكونجرس في يوليو عام 2015، استعرض الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، المخاوف التي تدفع إلى تلك تبني هذه الاستراتيجية الجديدة قائلا: "إن كنتم ترغبون في الحديث عن أمة يمكن أن تمثل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة، فإنه يتعين عليّ أن أشير إلى روسيا. وإذا نظرتم إلى سلوكها، فإنه ليس به شيء لا يدعو إلى القلق".
والصين تقلق بعض المسؤولين في البنتاجون أكثر من روسيا. فقد حذرت دراسة جديدة أجرتها مؤسسة راند تحت عنوان "الحرب مع الصين: التفكير من خلال ما لا يمكن تصوره"، قائلة: "إن التحسنات في القدرات العسكرية الصينية تعني أن الحرب لن تسير بالضرورة بالأسلوب الذي يخطط له مخططو الحرب الأمريكيون. ففي حين أن انتصار الولايات المتحدة كان في يوم من الأيام أمرا محتملا، فمن المرجح على نحو متزايد أن الصراع يمكن أن ينطوي على قتال غير حاسم مع خسائر كبيرة على كلا الجانبين".
يقول المسؤولون في البنتاجون إنه بسبب التقدم الروسي والصيني، فقد تضاءل التفوق العسكري الأمريكي، ولم يعد بوسع المخططين ضمان مجددا ضمان أن الولايات المتحدة يمكن أن تهيمن في الأيام الأولى لصراع تقليدي؛ وهم يخشون أن الولايات المتحدة يمكن أن تخسر "الهيمنة التصعيدية" – أي القدرة على القرار وامتلاك زمام المبادرة – في أي مواجهة مستقبلية.
وقد حث ورك الحلفاء الأوروبيين في خطاب ألقاه في بروكسل في أبريل قائلا: "لقد حان الوقت لصحوة أخرى مذهبية ومفاهيمية". وقد جادل بأنه من أجل التعامل مع "ساحة معركة حديثة فتاكة بشكل هائل"، يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على "هامش صحي من التفوق التكنولوجي، لأن التآكل ... قد يؤدي في النهاية إلى تقويض ردعنا التقليدي، ويساهم في عدم استقرار الأزمة، ويزيد بشكل كبير من التكلفة المحتملة لأي عملية عسكرية أمريكية مستقبلية".
لقد جاءت لمحة عما يمكن أن يكون منتظرنا في المستقبل، إذا ما استمر الرئيس المقبل في نفس المشروعات التي بدأها البنتاجون تحت إدارة أوباما، في دراسة استفزازية عام 2014 بعنوان "نحو استراتيجية توازن جديدة"، أجراها روبرت مارتيناج من مركز التقييمات الاستراتيجية وتقييمات الموازنة. حيث أوصى مارتيناج بإنشاء ترسانة جديدة مذهلة تشمل أسطولا من غواصات بدون غواصين ومجموعة من أجهزة الاستشعار تحت سطح البحر ومنصات في قاع البحر يمكن أن تخفي طائرات بدون طيار تحت الماء إلى وقت الحاجة إليها في الصراع؛ وبنادق ذات دوائر كهرومغناطيسية وأسلحة ذات طاقة موجهة؛ وأشعة ليزر عالية الطاقة تستطيع أن تعمي أجهزة استشعار العدو؛ ومجموعة من التقنيات الحديثة الأخرى.
كتب مارتيناج: "هذه المبادرات من شأنها أن تساهم في إحداث استراتيجية توازن فعال من خلال استعادة قدرة الولايات المتحدة على التوقع وتعزيز قوة الردع التقليدية ... وفرض تكاليف على الخصوم المحتملين".
يقول مسؤولو البنتاغون إنهم قرروا خلال العام الفائت الكشف عن بعض برامج الأسلحة التي كانت محاطة بالسرية التامة سابقا، لأن الكشف عنها من شأنه أن يعقّد التخطيط الروسي والصيني. لكنهم يقولون إنهم قد أخفوا برامج أخرى للحفاظ على الفعالية القتالية في أي صراع مستقبلي.
ويؤكد المسؤولون الأمريكيون إن هذه الخطوة لموازنة المكاسب الروسية والصينية سيكون لها أثر في تحقيق الاستقرار في العلاقات بين القوى العظمى، وليس زعزعة الاستقرار. ولكن في عالم غير مستقر، فإن هذه القضية تستحق نقاشا موسعا خلال حملة الانتخابات الرئاسية.

* كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست