في جامع.. يشكو الفراغ

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٨ ص
في جامع.. يشكو الفراغ

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

قال لي أحد الإخوة إنهم يعتزمون بناء مسجد في حارتهم، وبما يصبح حالة مستشرية يكون الحديث عن عقبات من قبل وزارة الأوقاف، وإجراءات تطول، وأوراق تطلب لعلها تجد الملف الذي يتم البحث عنه بين موظف وآخر، لعله لا يكون «تائها»، أو «ضائعا».

تفاعل أهل الخير مع مشروع المسجد، وكما هو الحال أمام الجوامع والمساجد تتكاثر الصناديق، والجميع يريد المشاركة لأن أجر المساهمة في بناء بيت من بيوت الله بيت في الجنة، وما أجمله من فعل وما أعظمه من جزاء.
وفي كل مرحلة هناك حملة طلب تبرعات، حيث المنازل المحيطة به يسعون من هنا وهناك بعد أن ضعفت حيلتهم المادية عن بلوغ ما يتطلبه المسجد من ميزانية تحتاج إلى المزيد والمزيد مع كل مرحلة، وصولا إلى توفير أجهزة التكييف و(الفرشة).
وشاءت الظروف أن أدخل المشروع الجديد بعد اكتماله، مسجد أكبر من الجامع المقام في المنطقة، ولا يبعده إلا مسافة بسيطة جدا يمكن قطعها مشيا في دقائق، وفي الجامع فإن الصلوات اليومية لا يبلغ عدد المصلين فيها أكثر من صفّين.. دخلت المسجد الجديد باتساعه الكبير جدا، أجهزة التكييف وعددها يقارب الخمسين كما عددتها كلها تعمل بجهد لجعل المكان باردا، أكثر مما ينبغي، عدا مئات المصابيح المضاءة، كان الوقت قريبا من صلاة العشاء، وانتظرت المصلين يتوافدون في كل هذا الفضاء الإيماني المهيب اتساعا، حتى إذا أقام الإمام الصلاة كنا أقل من عشرة أشخاص، ومع ذلك فإن الواقف أمامنا يقرأ كان يستخدم مكبر الصوت، كأنما يتحسّب امتلاء الصفوف الفارغة وراءنا.
من المهم، أو الضرورة الإشارة أولا إلى رغبة الناس في فعل الخير، والمساهمة في إقامة بيوت الله، بخاصة في المناطق السكنية الجديدة، وهي بحاجة إلى مساجد، لا ريب في ذلك ولا جدال..
لكن، هل المساجد هي كل ما نحتاجه في هذا المجتمعات، وهي تشكو من أزمات كثيرة تحتاج إلى مراكز تنويرية أخرى تعمل بجوار المسجد، بخاصة مع تراجع عدد المصلين، إلا في رمضان، وغياب دور المجتمع حيث الكل «مشغول»، الأب والأم في صراع لقمة العيش حيث الوظيفة تستهلك جانبا مهما من الوقت والتفكير.
ذات مرة، وفي اجتماع شهري داخل مسجد، كان الحديث عن أراض مخصصة لمساجد في مخطط سكني يعدّ من المناطق الحديثة. كان الحديث جريئا حول التوسع في إقامة المساجد ومساحاتها بينما المكان يحتاج إلى مركز ثقافي يضم مكتبة يجتمع إليها شباب وأطفال الحي، وحضانة تدار بوعي اجتماعي يراعي الهوية بدلا من ترك أجيال الغد بين أيدي عاملات المنازل وما في ذلك من مخاطر ليست الجسدية أسوأها، أمكنة ترفيه تجمع إليها طاقات الشباب بإشراف يراعي طبيعة المجتمع بدلا من التسكع في الشوارع والعبث بالممتلكات العامة، وغيرها من السلوكيات التي لا يمكن إغفالها..
دور المسجد يأتي أساسيا، لكننا أمام جيل يحتاج إلى أدوار موازية، حتى المجالس العامة أصبحت تفتح أبوابها لعقد قران أو عزاء، بينما تبقى مغلقة طوال أيام السنة..
فكروا قليلا، إقامة المساجد لها منافع إيمانية عظيمة، لكن هناك احتياجات للمجتمع راهنة لها فوائدها الحياتية.. العظيمة أيضا.