لميس ضيف تكتب: لماذا يحتاج المعلم لمثل هذه الإجازة الطويلة ؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/يوليو/٢٠٢٥ ١٢:١٣ م
لميس ضيف تكتب: لماذا يحتاج المعلم لمثل هذه الإجازة الطويلة ؟

كلما اقترب الصيف، أسمع العبارات نفسها تتكرّر: "المعلمون محظوظون، إجازاتهم طويلة!" وكأن المعلم آلة تُغلق بعد آخر جرس في يونيو وتُعاد برمجتها في سبتمبر. لا أحد يسأل: لماذا لا نستثمر هذه القامة المعرفية في غير موسم الدوام ؟ لماذا يُسمح لنهرٍ من الخبرة أن يُحاصر في جدول زمني ضيق ثم يُترك ليجف طوال الصيف ؟

المعلم ليس موظفًا تقليديًّا ينتهي أثره بانتهاء الحصة، بل هو صانع رأسمال بشري، محمّل بخبرة تراكمية، ومهارات في التوجيه، والإدارة الصفية، والتفكير النقدي، والوساطة الاجتماعية. ومع ذلك، لا تزال معظم وزارات التعليم في عالمنا العربي تعامل المعلم كعنصر «دوام رسمي»، محصور في دوام صباحي قصير نسبيا ، لا كأصل استراتيجي متحرّك.

في فنلندا – التي تُصنف مرارًا بين أفضل نظم التعليم – يُشجَّع المعلمون خلال الإجازات على الانضمام إلى مشاريع بحثية تربط التعليم بسوق العمل، وتُتاح لهم منح صغيرة لتجريب طرق تدريس مبتكرة. وفي سنغافورة، يُحفَّز المعلمون على الانخراط في ورش القيادة التربوية أو تأليف وحدات دراسية تصدّر لاحقًا لبقية المدارس. أما كوريا الجنوبية، فتُموَّل معسكرات صيفية يقودها المعلمون، تستهدف تعزيز مهارات التفكير المنطقي والريادة لدى الطلبة، ويُمنح المعلم فيها شهادة تطوير مهني. لا تُرى الإجازة هناك كفرصة للراحة فقط، بل كـموسم تطوير موازي.

في المقابل، يختفي المعلم العربي – بفعل النظام لا الإرادة – عن المشهد العام في عطلة طويلة ممتدة قاحلة . لا يستشار في التخطيط المجتمعي، ولا يُكلَّف بتصميم محتوى معرفي، ولا يُستفاد منه في تدريب الطلبة المتفوقين، أو تأهيل المعلمين الجدد، أو حتى حملات التوعية الوطنية.

فماذا يمكن أن نفعل؟

• إطلاق برامج وطنية صيفية يقودها المعلمون، في المهارات الحياتية، والمواطنة، والتحصين الفكري.

• منح المعلمين فرصًا ممولة لتصميم محتوى رقمي (فيديوهات تعليمية – مناهج تكميلية).

• إنشاء وحدات تطوعية مدفوعة تعمل مع الجمعيات الأهلية والمكتبات والمدارس الخاصة.

• تحويل الإجازة الصيفية إلى رصيد تطوير مهني اختياري تُضاف نقاطه في التقييم السنوي.

• فتح باب التعاون بين الجامعات والمعلمين في مشاريع بحثية وتطبيقية خلال العطلة.

• تشجيع المعلمين على الكتابة والنشر، أو حتى التدوين، لتوسيع أثرهم خارج الصف.

فالمعلم ليس موسميًا. والخسارة ليست في جلوسه في البيت، بل في أن تجلس أفكاره، ورؤاه، ومهاراته دون استخدام. إذا كنا نُؤمن بأن التعليم قضية أمن وطني، فالمعلم يجب أن يكون جنديًا حاضرا على مدار السنة… لا فقط في زمن الطابور الصباحي فحسب