موسى الفرعي يكتب للشبيبة: عبور من ذاكرة الوطن إلى مستقبله

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٦/مايو/٢٠٢٥ ١٣:١٧ م
موسى الفرعي يكتب للشبيبة: عبور من ذاكرة الوطن إلى مستقبله
موسى الفرعي
مرايا


عمان قيمة تتعدى ظاهرها وتتجاوز كونها رقعة في خرائط السياسة وكتب الجغرافيا، إنها فكرة تنبض في الوعي، ويجسدها إنسان عابر بها من فكرة الحياة لوجه الحياة فقط إلى مقام الرسالة التي لابد أن تؤدى، ويعيشها بصفتها مستقبلا يبنى وفكرة تستنهض الأجيال، والمتأمل في صيرورة عمان يدرك ألا انتصار إلا وكان نتيجة وعي جمعي تشكل عبر التجربة، وكتب بالتضحية والإيمان، وأن الاستدعاء التاريخي ليس إقامة في الماضي بل تثبيت للجذور في وقت المتغيرات وإضاعة الملامح، وبهذا لا يكون الوطن مجرد إرث تتناقله الأجيال، بل وعي يولد معنا ويدخل في تشكيل المنظومة الأخلاقية والبناء النفسي.
وفي هذا السياق يمكن أن نفهم كيف استطاعت عمان أن تدخل الحداثة وتحقق طفرة حضارية دون أن تغادر جذورها، وكيف استطاع شبابها أن يكونوا فكرة وطنية متجددة وليس امتدادا بيولوجيا، إنهم سر التحول المستمر، وجسر أخضر يمتد بين ما كان وما سيكون، والتجسيد الحي لصياغة الواقع الجديد، شباب حملوا إرثا وطنيا ولم يتعلقوا بحبال الانتظار، مؤمنين أن الوطن في جوهره ليس استهلاكا عاطفيا بل هو وفاء يترجم إلى قيم وسلوك معاش، إنه قدر كريم ومستقبل يصنع بالمواقف الصادقة، ونقاء الأفعال، وليس من الصعب تتبع تجليات وتطور وعي الشباب العماني وإدراكهم في هذا الأفق، وعي يبني ويصون، وروح مؤمنة بالمصير المشترك مهما تبدلت الأزمنة وتغيرت متطلبات العصور، وذلك هو المعيار الأصدق والحجة الأقوى في مواجهة تسارع العالم وتشظي الهويات الذي يعاش في هذا الزمن، صحيح أن التغير من طبائع الأمور ولكن علينا ألا نتخلى عن ثوابتنا في ظل هذه التحولات، وهذا ما أدركه العمانيون منذ زمن، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تساورنا الشكوك تجاهه، فالهوية هي أرض التوازن بعد أن فتحت عمان الأبواب كلها أمام العقول فأبصرنا الحق وآمنا به، وإزاء القلوب فانتمينا إلى هذا الوطن المعظم انتماء خالصا.