مرايا :
مسقط التي لم تغب عنها شمس السلام يومًا، تجتذب أنظار العالم مرةً أخرى في جولة ثالثة من المحادثات الإيرانية الأمريكية؛ لتؤكد القدرة العُمانية على تليين المواقف الجامدة، وإقناع الأطراف المتحاورة بأن بنود التقارب أصبحت أقرب من مسافات الاختلاف، وأن توالي اللقاءات كفيلٌ بردم الهوّة، وتقريب الأفكار، وبناء ثقةٍ ستكون هي الفيصل في التصافح باليد أمام الشاشات الرسمية، وبالحبر على أوراق الاتفاق بإذن الله.
ثلاثة لقاءات يعقبها رابع موعود "رفيع المستوى" في 3 مايو المقبل – ربما تستضيفه روما لأسباب لوجستية برعاية عُمانية- تعزز السعي العُماني إلى تبديد مخاوف كل طرف من الآخر، وتأكيد أن "الجنح بالسلم" أسلم للمنطقة وللعالم من حرب لا تُعرَف أين ستصل شرارتها الأولى، وهو أمرٌ تُدركه الإدارتان الأمريكية والإيرانية جيدًا؛ فالحسابات تغيّرت، والمصالح بين الدول اختلفت، ومن كان مستعدًا لدفع فاتورة الحرب سابقًا أصبح يعي خطورتها عليه وعلى غيره أكثر من ذي قبل. كما أن بؤر الحروب أصبحت مشتعلة في بقاع أخرى من العالم، فانشغلت بها بعض الدول "المعنية" بالخلاف الإيراني الأمريكي.
وفي نفق المفاوضات الذي تكثر التكهنات والأقاويل حوله نجد بقعة ضوء انصبّت على الموضوع الأكثر حساسية لدى الطرفين، وهو البرنامج النووي الذي ترى فيه إيران أحقيتها لامتلاكه للأغراض السلمية، بينما يُبدي الجانب الأمريكي تخوّفه من تحويل ذلك إلى إنتاج سلاح نووي يُخالف الأعراف والقوانين الدولية، والرهان على الجولة القادمة في مسقط التي ربما سيشارك فيها خبراء من وكالة الطاقة الدولية؛ ما سيفسح المجال لقبول إيراني للتفتيش وتخفيض نسبة اليورانيوم في برنامجها النووي.
إذًا؛ مشوار المحادثات ليس سهلًا ومفروشًا بالورود، لكن مسقط تتعامل معه -كعادتها- بهدوءٍ تام، كهدوء شواطئها على بحر عُمان، وبتقريب وجهات النظر كموقعها الإستراتيجي الذي يربط بين الشرق والغرب، واستطاعت حتى الآن أن "تكسر الجليد" المتراكم منذ سنوات، فحيّدت الملفات الجانبية، ووجّهت أنظار المتحاورين إلى ملف واحد، ثم عملت على بناء ثقتهم حوله، وعندما ابتدأ جدار الثقة في العلو أقنعتهم بأهمية "فاسأل به خبيرًا"؛ فأعين الخبراء ربما تغض الطرف عن حسابات السياسيين، وتكون لها "كلمة الفصل" في صياغة اتفاق رأته عُمان بعين المتفائل "قريبًا" وأقنعت به العالم بأنه هو "الأصلح والأفضل".
وللحديث بقية..