موسى الفرعي يكتب للشبيبة : مرايا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أبريل/٢٠٢٥ ١٠:٥٣ ص
موسى الفرعي يكتب للشبيبة : مرايا
موسى الفرعي - اعلامي ومحاضر زائر في جامعة كامبردج

افتتاحية...

في هذا الزمن المفتوح على أسئلة كثيرة، زمن تهتز فيه القناعات وتضيع الجهات، يبقى الشباب هم الحقيقة، والإجابة التي تضيء كل الأسئلة، هم المعنى الكبير لتراب الوطن، وذاكرته، وصوته، وقلقه الجميل الذي يقود إلى غد أفضل، لأن هذا القلق ليس ارتباكا بل وعي حاد بتحديات الآتي، ويقين كلي بانتماء لا يهتز في ظل تحديات الراهن.

وقد أثبتت التجربة أن الشباب العماني لا يُعرف بضجيج الشعارات وعلو الصوت الفارغ، بل بوعيه وقدرته الكبرى على التمييز بين الحق والباطل وبين الخطأ والصواب، ومن هنا جاءت فكرة الكتابة عبر هذه الصحيفة "الشبيبة" بشكل خاص لأن هذا الاسم يحمل أبعادا فلسفية ووطنية.

فالشبيبة ليست فئة عمرية بل رمز للحركة والتجدد والبحث الذي يقود إلى التطور، ومن دلالاتها الإمكانات التي تشكل الذات، إنها تعطينا إحساسا بالزمن المتاح والحلم الممكن مع كل مرور لاسم الصحيفة، وهي بذلك أيضا تربط الشباب العماني بكل تلك الدلالات.

عمان التي تعرف دائما بهدوء الواثق والحوار العاقل كان وما زال رهانها على الشباب القادر على احترام إرثه وعدم الانفصال عن جذوره، الرهان على وعيه الذي لا يؤخذ بالسراب، وعلى انتماء وولاء خالص غير مشروط، شباب لا يحجم عن اجتراح فضاءات جديدة للمعرفة والإبداع، لذلك نجده دائما في المتن رافضاً الهوامش والأطراف، إن هذه السلسلة التي أتشرف أن أضعها بين يدي القارئ ليست تأريخا لما هو كائن لكنها إضاءة على هذه الطاقات الوطنية التي ينبغي ألا تهدر وأن تعي أيضا أن مساحات الراهن اتسعت أكثر.

فقد ارتبط واقع الشباب العماني بصاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق وصاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم بن طارق، وقبلهما حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم الذي أولى الشباب بعدا خاصا وأولوية لأنه يرى ملامح الغد في وجوههم وأصواتهم حين تسكن عمان أفعالهم وأقوالهم، كما أن الكتابة هنا لن تكون استدعاء للأحداث فقط، إلا بصفتها فعل انتماء يجَري فيه ماء الحياة من تاريخ منور وحاضر مزهر، ويتدفق إلى مستقبل مصان، ذلك لأننا لا يمكن أن نعيد تشكيل وعينا بمعزل عن القيم التي صاغت ملامح الأرض والإنسان.

ولا أريد أيضا لهذه السلسلة أن تكون سردا وتحليلا للأشياء بقدر ما أرجو لها أن تكون ارتباطا وجدانيا تتداخل فيه التفاصيل التاريخية والاجتماعية مع جغرافية المكان وصوت الإنسان، ارتباط يجعل من كل حرف خيطا في نسيج الذاكرة الجمعية.

وقد آثرت أن تعنون هذه السلسة بـ "مرايا" لأن دلالتها تتجاوز كونها أداة تعكس الصورة بل توغل في معنى أعمق وهو الوعي والتأمل والانكشاف، فيكون الوقوف إزاء هذه الأداة إثارة للسؤال وليس للتجمل الفائض، ختاما علينا أن نرى عمان دائما تلك الممتدة في الروح لا التي تصورها الكلمات فقط