الشبيبة - العمانية
تمثل المتاحف والمواقع الأثرية في محافظة ظفار رافدًا أساسيًّا للسياحة الثقافية خلال موسم الخريف، يُسهم في استقطاب الزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها، ويعكس غنى المقومات الثقافية والأثرية التي تتميز بها المحافظة.
وأكد عدد من المعنيين بقطاعي التراث والسياحة، إلى جانب مستثمرين في المواقع الأثرية، لوكالة الأنباء العُمانية، أن موسم خريف ظفار يُعدّ فرصة سانحة لتعزيز السياحة الثقافية في المحافظة، نظرًا لما تشهده من إقبال واسع من الزوار المهتمين بالتاريخ والهوية الثقافية العُمانية.
وقال علي بن سالم الكثيري، مدير دائرة مواقع أرض اللبان بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار: إن مدينتي سمهرم والبليد الأثريتين تمثلان نموذجًا فريدًا لمدن الموانئ القديمة التي ازدهرت على الساحل الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وأسهمت بدور فاعل في شبكة التجارة البحرية، لا سيما تجارة اللبان.
وأضاف أن المصادر التاريخية ونتائج أعمال التنقيب في هذين الموقعين كشفت عن تعاقب حضارات متعددة، ما يعكس ثراء الإرث الحضاري لجنوب سلطنة عُمان، مشيرًا إلى أن الموقعين مُدرجان ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2000.
وبيّن أن عدد زوار مواقع أرض اللبان ومتحف أرض اللبان خلال موسم الخريف الماضي بلغ 54,569 زائرًا، مع توقعات بارتفاع العدد خلال الموسم الحالي في ضوء جهود الترويج التي تنفذها وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع الشركاء في القطاعين العام والخاص.
وأوضح أن تقييم تجربة الزوار يتم عبر استبانات ميدانية منتظمة ودراسات بحثية تنفذها مؤسسات علمية مختصة، إلى جانب منصة "تجاوب" الوطنية التي تستقبل ملاحظات ومقترحات الجمهور، مما يسهم في تحسين الخدمات وتعزيز تفاعل المجتمع مع هذه المواقع.
وأضاف أن الجهود تشمل استخدام وسائل عرض تفاعلية وتعليمية، وتوفير الإرشاد المتخصص، وتنظيم حلقات عمل وأنشطة وفعاليات تثقيفية للزوار والطلبة، إلى جانب إشراك المجتمع المحلي في المبادرات المتحفية، بما يعزز الوعي بالتراث الثقافي والهوية الوطنية.
من جانبه، أوضح محمد بن أحمد صواخرون، المشرف والمستثمر في موقعي برج العسكر وحصن طاقة، أن المشروعين يشكلان وجهتين تراثيتين وسياحيتين متكاملتين في ولاية طاقة، وتم تطويرهما بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية، بهدف تعزيز تجربة الزوار، وتمكين الشباب العُماني من الدخول في مشروعات ذات طابع مستدام.
وأشار إلى أن موقع برج العسكر حظي بدعم من مكتب محافظ ظفار، إذ أُدرج ضمن برنامج الزيارات الرسمية، إلى جانب بلدية ظفار التي قامت بتمهيد الطريق المؤدي إلى قمة البرج وتوفير الخدمات الأساسية، بينما أسهمت هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في اختيار الموقع لإقامة القرية الحرفية ضمن فعاليات خريف 2023، وتنفيذ عدد من الفعاليات خلال الموسم الشتوي.
وبيّن أن البرج يضم مطعمًا ومقهى تراثيًّا، ومرافق ترفيهية خارجية، إلى جانب مدرّجات زراعية تحيط بالموقع، ما يتيح تجربة تمزج بين التراث والطبيعة، مضيفًا أن الاستثمار الجديد في حصن طاقة يهدف إلى ربط الموقعين في مسار سياحي موحد عبر عربات مخصصة لنقل الزوار بين البرج والحصن، مع تنظيم جولات ثقافية داخل مدينة طاقة القديمة لإحياء موروثها الشعبي والتاريخي.
من جهته، قال حارث بن محمد الغساني، عضو مجلس إدارة متحف ظفار، إنّ المتحف يُعد نافذة على تاريخ الإنسان العُماني منذ فترات الاستيطان الأولى، ويقع وسط الحيّ القديم بمدينة صلالة، ويمتاز بتصميمه التراثي ومحتوياته التي تتجاوز 1000 مقتنى جمعها مؤسس المتحف منذ خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب المواد التعريفية المترجمة والخدمات المتكاملة.
وأشار إلى أن المتحف يشهد إقبالًا من الباحثين والمهتمين والسياح، لما يوفره من تجربة معرفية تحكي سيرة الإنسان العُماني وبيئته وتواصله الحضاري.
بدوره، قال سالم بن أحمد العمري، صاحب متحف تواصل الأجيال بولاية طاقة، إن المتحف يُعد أول متحف خاص مرخّص في محافظة ظفار من قبل وزارة التراث والسياحة، ويهدف إلى نقل الموروث العُماني الأصيل من الأجيال السابقة إلى القادمة، مؤكدًا أن الحفاظ على الذاكرة الثقافية مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات.
وأضاف أن فكرة المتحف انطلقت من حلم والدته الراحلة طفول بنت رمضان بامخالف منذ خمسينيات القرن الماضي، وتحقق بعد وفاتها، بافتتاح المتحف في فبراير 2023م داخل منزل العائلة بالحي القديم في طاقة، ليكون امتدادًا حيًّا لذاكرة المكان والناس.
وأوضح أن المتحف يضم أربع قاعات: قاعة الاستقبال والمكتبة، وقاعة "أم سالم" التي تجسّد البيئة الحضرية التقليدية، وقاعة الصناعات والحرف التي توثق صناعات الفضة والفخار والسعفيات والجلود والعطور، بالإضافة إلى "قاعة ديرهم" التي تعرض عملات تاريخية نادرة ونماذج لمسارات تداولها عبر الموانئ، فضلًا عن ساحة خارجية تحوي أبوابًا ونوافذ تقليدية وأشجارًا محلية.
وفي السياق ذاته، شارك عدد من الزوار وكالة الأنباء العُمانية تجاربهم الخاصة بالسياحة الثقافية، إذ أوضحت فايزة بنت سويلم الكلبانية أن زياراتها المتكررة لمحافظة ظفار خلال موسم الخريف تتزامن عادة مع مهام عمل تتعلق بالمؤتمرات والأنشطة الإعلامية، إلا أنها تحرص دائمًا على استقطاع وقت لزيارة المواقع الأثرية والتاريخية.
وأضافت أنها بدأت زيارتها في متحف أرض اللبان، ثم انتقلت إلى موقع البليد الأثري المدرج ضمن قائمة التراث العالمي، وتعرفت على تاريخ تجارة اللبان، ثم واصلت جولتها في مدينة سمهرم الأثرية وميناء خور روري التاريخي، مرورًا بحصن طاقة وثم حصن مرباط، إضافة إلى عدد من المواقع الطبيعية كساحل المغسيل وكهف المرنيف وحصن سدح.
وأكدت أن هذه التجربة أضافت بعدًا معرفيًّا وثقافيًّا لزيارتها المهنية، ما جعل رحلتها إلى محافظة ظفار تمزج بين العمل والتاريخ والترفيه.
من جانبه، قال ناصر بن سيف المعمري إنه خلال زيارته لولاية طاقة، حرص على زيارة برج العسكر وحصن طاقة، مشيرًا إلى إعجابه بالتصميم المعماري الدقيق للموقعين، والمحتويات الأثرية التي تجسد الإرث المحلي، معبرًا عن فخره بما تحقق من إنجازات تعكس الاهتمام بالموروث التاريخي.
من جهته، وصف عبدالحميد محمد الخالدي، أحد زوار المحافظة من دولة الكويت، زيارته لمتحف أرض اللبان بأنها تجربة مثرية، مشيرًا إلى النشاط السياحي الملحوظ الذي تشهده المواقع الثقافية والأثرية خلال موسم الخريف، لا سيما من الزوار الخليجيين والعرب، لما تقدمه من محتوى متنوع يعكس التاريخ العُماني العريق.
وأضاف أن المعروضات بالمتحف تسلط الضوء على حضارة اللبان التي شكّلت محورًا مهمًّا في تجارة المنطقة، موضحًا أن مثل هذه المعالم يعزز من جاذبية محافظة ظفار كوجهة سياحية متكاملة تجمع بين الجمال الطبيعي والثراء الثقافي.