المطاعني يكتب في الشبيبة : كلمة السر

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٣/ديسمبر/٢٠٢٠ ٠٩:٤٧ ص
المطاعني يكتب في الشبيبة : كلمة السر
علي بن راشد المطاعني
أصبحنا رهائن كلمة السر في كل مناحي حياتنا الكل يطلب (باس وورد) باللغة الإنجليزية لحساباتنا البنكية ولبطاقات الإئتمان ولحسابات التواصل الإجتماعية لإيمالات العمل والخاصة ولتويتر والفيسبوك وإنستجرام وغيرها.
على إثر ذلك ازدحمت ذاكرة الإنسان بهذا الكم الذي لايستهان به من هذه الأرقام والمختلطة أو الممتزجة بالحروف كبيرها وصغيرها إضافة للعلامات المتوفرة في لوحات الكتابة على الحواسيب أو الموبايلات ، ووسط هذه الغابة متشابكة أو متلاحمة الأغصان والمترعة بالأشواك والمطبات يتعين المشي بحذر شديد ، فالعقل البشري نعمة الله الكبرى على بني الإنسان أضحى يعاني من تداخل وتشابه وتفاعل هذه الأرقام في عقله ، تأكيدا على حقيقة أن النسيان السمة الكبرى لآدم عليه السلام والتي أورثها لبنيه من بعده غير مقبولة هنا ، فنسيان كلمة المرور تعني الويل والثبور وعظائم الأمور ، وإذا عثر عليها طرف ثان غير موثوق به عندها يمكننا القول (واغيابك) ، فحساباتك المصونة في البنوك وأسرارك الشخصية في الإيميلات ووسائل التواصل ستغدو عرضة للنهب الصريح وفي وضح النهار ، لسبب بسيط هو أن هفوة أمنية من قبل العقل المجهد تسببت في تلك النكبة الشخصية .
ذلك يعني أن على المرء أن يلوذ بقمة درجات الحذر، وأن يمسي كالكلب البوليسي يشم من بعيد وبمسافة كافية كل إرهاصات الخطر القادم ، وأن يحرص كل الحرص على أن تبقى كلماته السرية بعيدة كل البعد عن أقرب الأقربين ، درءا للمشاكل على شاكلة الإختراقات التي نسمع بها على مدار الساعة لحسابات البشر ، فتغيير كلمات المرور بنحو دوري أمسى إجهادا آخر وضغطا إضافيا على عقولنا المجهدة أصلا .
ووسط هذا الغبار والعثار يتزايد الإهتمام بكلمات المرور أو كلمات السر ، فيجد المرء نفسه في حيرة دائمة بشأن تركيب كلمته الأثيرة أو تصنيع مفتاح خزائنة المالية والمعلوماتية ، فالمعلومات أو الـ DATA لاتقل خطرا عن الأموال ، بل هي أحيانا أغلى من المال نفسه ، فقد تدمر صاحبها وقد تسحقه سحقا مبرما أو تحرقه حرقا كاملا ثم تنثر رماده في أقرب بحر أو محيط أو نهر .
لذلك فتخليق أو تصنيع كلمة مرور معقدة وشيطانية هو الشغل الشاغل للكثير من الناس على مستوى كوكب الأرض وكلما أضحت معقدة وطويلة وصعبة كلما زاد إحتمال نسيانها أو نسيان حرف أو رمز فيها هذا إن حدث لاقدر الله فسيقف المسكين على باب خزائنة حسير الرأس يندب حظه العاثر إذ لايستطيع الدلوف إلى حيث كنوزه وأسراره الشخصية تغط في سباتها العميق.
ذاتها المأساة تواجه المسؤولين في الأجهزة الحكومية والرسمية فثمة أسرار هائلة محاطة بكلمات مرور معقدة يتعين حفظها بعيدا عن أي إحتمال للنسيان أو الفقدان، قد تكون تلك أسرار دولة أو أسرار أسلحة نووية بينها وبين تدمير كوكب الأرض برمته كلمات مرور لا أكثر.
وبما أن دائرة الحيرة في إتساع يوما بعد الآخر نجد البعض يختار كلمة المرور وفقا لأرقام أثيرة لدية تجنبا للوقوع في براثن النسيان كتاريخ الميلاد أو رقم الهاتف أو أي رقم له معه قصة خاصة تجعله في حضرة عقله دائما ، غير أن (الهكر) قد يلعبون على نفس هذا الوتر فيخضعون أرقام هواتف المستهدف في دائرة الإحتمالات قبل شن هجومهم الإجرامي على الضحية ، لهذا نقول بأن دائرة الحيرة ستسمر في الإتساع ، وسيبقى الإنسان المحدث في محبسه الإختياري المسمى بكلمة المرور، حولها يدور كالرحى، وفي حماها يصاب بالحمى أو الصداع أو حتى الإسهال ، فهي قادرة على إحداث كل هذه الأمراض بغتة، وإذا ما ذهبنا بعيدا يمكننا القول بأنها قد تسبب الموت المفاجئ أيضا ، هذا إذا ما سرقت كلمة مرور تحمي حسابا بنكيا دسما.
إذن علينا الإقرار بأن البشرية جمعاء اليوم هم رهائن لكلمات المرور الساحرة والقاتلة في آن معا ، وغدت رقابنا وبما تحمله من رؤوس أسيرة لدى أصحاب السيرفرات الضخمة في أميركا وأوروبا ، فأرواحنا في أيديهم ، وأسرارنا ومصائبنا في خزائنهم ، وإذا أرادوا فضحنا فذلك أمر لن يكلفهم الكثير ، فهم يعرفون كل شيء عنا ، ماناكله وما نشربه وما ندخره وما نسعى لفعله ، كل شيء في جيوبهم ونحن نرتجف من على البعد خوفا على كلمات المرور الخاصة بنا ، فهي إذن كلمات مرورنا إلى العذاب.