الإغلاق ... مرة أخرى!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/أكتوبر/٢٠٢٠ ٠٩:٠١ ص
الإغلاق ... مرة أخرى!

بقلم: محمد بن عيسى الزدجالي

ها نحن ندخل في الإغلاق الثاني، وما كدنا نخرج من الأول. لقد فرضت الدول في جميع أنحاء العالم الإغلاق ومعه عدد من الإجراءات الصارمة من أجل السيطرة على معدل الإصابة بالفيروس. هناك من يظن أن فرض إغلاق آخر يمكن أن يوقف انتشار المرض، رغم أن ذلك لم ينجح في المرة الأولى. إن الكثير من الأسر والشركات قد لا تستطيع تحمل التأثير الاقتصادي الذي يصاحب هذا الإغلاق. نعم عندما بقينا جميعا في بيوتنا استقر منحنى العدوى وشهدت المستشفيات انخفاضا في عدد حالات الإصابة التي كان يتعين عليها التعامل معها. لكن ماذا عن التكلفة؟

ستستغرق اقتصادات الدول في جميع أنحاء العالم -بما فيها السلطنة -عدة أشهر، وربما سنوات، للتعافي، وهناك أعمال تجارية لن تتعافى على الإطلاق. إنه ليؤلمني أن أرى هذا العدد من المحلات التي أُجبرت على الإغلاق في عُماننا الحبيبة، أغلقت لأن أصحابها يعلمون علم اليقين أنهم لن يستطيعوا التعافي ماليا مجددا وإعادة أنشطتهم إلى ما كانت عليه من قبل. إن مما يؤسف له أن التكلفة الاقتصادية للإغلاق أكبر كثيرا من التكلفة الصحية التي تتحملها المستشفيات. وفي حين أن الإغلاق قد يستمر لشهرين فقط، إلا أن الوقت الذي تستغرقه الأعمال التجارية للتعافي أكبر كثيرا. إن كثيرا من الدول لا يمكنها ببساطة تحمل تكاليف إعادة بناء اقتصاداتها المتضررة بعد الإغلاق.

كدراسة حالة، دعنا نلقي نظرة على ما حدث عندما تم إغلاق مطرح وعزلها عن بقية عُمان بمجرد أن تم تسجيل حالات إصابة بكورونا هناك.لقد عانت الشركات كثيرا، مما اضطرها إلى التخلي عن موظفيها حيث لم تستطع رعايتهم وبالتالي حُرموا من مصادر رزقهم وبدأوا يواجهون مشاكل عديدة بعد مكوثهم في البيت. هذا الأمر انتشر في جميع أنحاء العالم وتسبب في مخاوف تواجهها الغالبية العظمى منا. وإذا ما تم فرض إغلاق آخر فإن عُمان وكثيرا من الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم التي تترقب حالة الركود يمكن أن تتجه نحو كساد اقتصادي، وهذا للأسف سيؤدي إلى عواقب أسوأ كثيرا.

منذ بداية الوباء، انخفض عدد سكان السلطنة إلى 4480333 في أغسطس 2020 من 4645249 في مارس 2020، بحسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، والتي تظهر أن ما يقرب من 200000 شخص قد غادروا البلاد خلال الوباء. وهؤلاء الناس الذين غادروا قدموا الكثير من الخدمات المهمة للبلاد، وستترك مغادرتهم فجوة كبيرة من حيث المساهمة في الاقتصاد ومن حيث المهارات والمواهب وكذلك من حيث الأموال التي كانوا ينفقونها داخل السلطنة، وسنحتاج إلى وقت للتعافي من الآثار المترتبة على مغادرتهم. ومن الذي يمكنه الآن تحديد عدد الناس الذين مازالوا في عمان ولكنهم يستعدون للمغادرة في أول فرصة ممكنة؟

إن كنت مريضا أو تظهر عليك أعراض فيروس كورونا فعليك بالبقاء في المنزل وعزل نفسك، وعندما تصبح بصحة جيدة عد إلى العمل. تحمل مسؤولية نفسك ومجتمعك بعدم تجاهل الأعراض التي تظهر عليك. الإغلاق لا يعني أن الفيروس سيختفي، ولكن كل ما يعنيه هو أننا سنبقى بعيدا عنه لفترة من الزمن، ولكن حتى متى يمكننا تحمل ذلك؟ إن الفيروس ليس مثل ضيف غير مرغوب فيه أو زائر غير متوقع عندما لا تفتح له الباب سينتظر بعض الوقت ثم يمضي في طريقه، كما أنه ليس مثل جيش عدو يقرر إنهاء حصاره لمدينة ما لأنه فقد الكثير من الجنود. إن كورونا سيظل موجودا على المدى المنظور وعلينا أن نتعلم كيف نتعايش معه، لكن إغلاق اقتصادات بأكملها ليس هو الحل. علينا أن نتعلم كيف نتعايش مع الفيروس وأن نتعلم كيف نتوقف عن الاختباء عنه إن أردنا لبلدنا أن ينمو ويزدهر.

إذا نظرنا إلى العالم من حولنا، نرى أن معظم البلدان نفذت الإغلاق لعدة أشهر، ولكن عندما فتحت الأبواب مرة أخرى عاد الفيروس، ولكن للأسف ظلت بعض الشركات مغلقة ولم تعد لعملها.

إنه لأمر محزن للغاية أن مليون شخص في كل أنحاء العالم، منهم ألف شخص في عُمان، فقدوا حياتهم بسبب هذا الفيروس. ولكن عندما ننظر إلى الصورة الشاملة نجد أن إحصاءات كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز تظهر أن عدد الإصابات التي تم تسجيلها في كل أنحاء العالم بلغت 35832271 حالة إصابة. وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم بلغ 7.8 مليار نسمة، مما يعني أن المرض أصاب أقل من 0.5 في المائة من سكان العالم. بالإضافة إلى ذلك فإن معدلات الشفاء من المرض مرتفعة أيضا، حيث بلغ معدل الشفاء العالمي 70 بالمائة، أي أن ما يقرب من 25 مليونا من المصابين بالمرض قد تعافوا. ونحن نعلم أن معدل الشفاء في عُمان أعلى من ذلك بكثير، حيث شهدت السلطنة حتى الآن 103465 حالة إصابة، تماثل للشفاء منهم حوالي 91329 حالة، أو 88 بالمائة. وهذا يعني أن ما يقرب من 1000 شخص فقط هم المرضى حاليا. نعم، عدد المرضى في بلدنا في ازدياد ولكن معدل الشفاء في ارتفاع أيضا بالتوازي.

أظهر مقال حديث صادر عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة أن ستة بالمائة فقط من إجمالي 210909 حالات وفاة حدثت في البلاد كانت ناجمة عن فيروس كورونا مباشرة، أما النسبة المتبقية وهي 94 بالمائة فكانت هناك عوامل مشاركة أخرى أدت إلى الوفاة، حيث لعبت حالات صحية أخرى دورا في وفاة هؤلاء الأشخاص، مثل ارتفاع ضغط الدم والإنفلونزا والالتهاب الرئوي ومشاكل الجهاز التنفسي ومرض السكري ومشاكل القلب وفشل القلب والخرف والمضاعفات الكلوية وغيرها.

هذا يبين لنا أنه في مواجهة هذا المرض نحتاج أن تكون أجسامنا أقوى، ونحتاج أن نكون أكثر مرونة، لأن نظام المناعة في أجسامنا يكون قادرا على التطور ويصبح أقوى عندما نعرضه للظروف التي تختبره. بالطبع نحن جميعا بحاجة إلى اتخاذ الاحتياطات المناسبة للبقاء في مأمن من العدوى، ولكن من المهم أيضا أن نعرف ما هي هذه الاحتياطات. على سبيل المثال، نحن جميعا نضع الكمامة الطبية عندما نخرج من البيت اعتقادا منا بأنها ستقلل من فرص الإصابة بالمرض، ولكن، بحسب منظمة الصحة العالمية، لا يلزم وضع الكمامة الطبية لأنه لا يوجد دليل على فائدتها لغير المرضى، وقد أوصت بها منظمة الصحة العالمية فقط لمن لديهم أعراض لأمراض الجهاز التنفسي حتى لا ينقلوها للآخرين. بالطبع هناك البعض سيندهشون من هذا الكلام، ولكن الأبحاث أظهرت أن ارتداء الكمامة لفترات طويلة من الزمن يخفض من مستوى الأكسجين في الدم، ويكون الانخفاض أكثر حدة لدى كبار السن، مما يجعل الجسم يعمل بشكل غير صحيح.

وفي حين أن نظرة العلم لارتداء الكمامة تبدو غير مؤكدة، فإن الشيء المؤكد هو التأثيرات النفسية على كل الفئات العمرية أثناء الإغلاق. ففي بعض البلدان ازدادت حالات الانتحار، وزادت معدلات الطلاق، وزاد تعاطي المخدرات، وزادت حالات العنف المنزلي.

وبالعودة إلى الكمامة، فإنها تعطي شعورا زائفا بالأمان، وهو شيء لا يقل خطورة عن عدم الاكتراث بموضوع الفيروس على الإطلاق.

نعم يشعر الناس بالقلق، ولهم الحق في ذلك، من حدوث موجة ثانية من فيروس كورونا في عُمان، كما حدث في العديد من الدول الأوروبية.

لكن ينبغي علينا ألا نعيش في خوف من هذا الفيروس. إن أهم درس تعلمناه من جائحة كورونا هو أن نضع صحتنا في المرتبة الأولى، وقد حان الوقت أن نستفيد من هذا الدرس. إننا لا نضع صحتنا في المرتبة الأولى بالاختباء من الفيروس، فالفيروسات لن تنصرف عندما نختبئ منها، بل علينا أن نتعلم كيف نتعايش معها، ترى ما هي أولوياتك في الحياة؟ في الأغلب ستقول الأكثرية إن أسرهم تمثل الأولوية بالنسبة لهم، فإذا كان الأمر كذلك فاهتم بمن تحبهم، وليكن اهتمامك بهم من خلال تحسين صحتهم. يمكننا دائما العمل على تحسين الصحة، وكلما أصبح كل فرد في المجتمع قويا، أصبحنا أكثر مرونة كمجتمع ضد هذا الفيروس وكل فيروس آخر موجود أو سيوجد في المستقبل. إن بإمكاننا من خلال بعض الأساليب البسيطة تحقيق التوازن في صحتنا، وهذه هي أفضل طريقة لنا جميعا لنظل في قوة وأمن وأمان.

لقد كان فيروس كورونا بمثابة جرس إنذار لنا جميعا، فقد علّمنا الكثير من الدروس، أهمها أن الوقت قد حان للاعتناء بصحتنا. اتبع نظاما غذائيا صحيا ومارس الرياضة كل يوم وخذ قسطا كافيا من النوم وقلل من مستويات التوتر في حياتك، فهذه الممارسات هي التي ستقطع من خلالها شوطا كبيرا في ضمان العيش في صحة جيدة.