بيتر د. ساذرلاند
من المحتمل أن تكون هذه السنة الأكثر مصيرية بالنسبة لحماية اللاجئين وقضية الهجرة منذ توقيع اتفاقية جنيف عام 1951. واعتمادا على الخيارات التي سنسلكها، سنساعد إما على خلق مجتمعات أكثر انفتاحا، استنادا إلى مزيد من التعاون الدولي، أو سنقوم بتدعيم الحكومات الاستبدادية وبرامجها القومية. لذلك يجب أن نتعامل مع هذه القضية بجدية وبسرعة استثنائية.
ولا نبالغ إذا اعتبرنا أن أزمات اللاجئين والهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى قد أدت إلى معاناة إنسانية كبيرة ومروعة. كما يعكس فشل العالم في مساعدة الناس الأكثر عرضة للخطر انهيارا مذهلا للأخلاق في المجتمع الدولي.
نحن نعاني من خطر فقدان الفهم الجماعي لأهمية النظام المتعدد الأطراف ومسألة التعاون الدولي. عندما نرفض حماية أولئك الذين يواجهون الاضطهاد، لا نعرضهم للخطر فقط، بل نقوم بتخريب مبادئ الحقوق المدنية لدينا ونعرض حريتنا للخطر.
في العام الفائت ، وٌجهت إلينا مليون مذكرة حول فشل نظام حماية اللاجئين. ويعبر كل طالبي اللٌجوء عبر البحر الأبيض المتوسط بشجاعة عن وجود شيء غير طبيعي في بلدان اللجوء الأولى.
كيف لنا أن نسمح للأردن ولبنان وتركيا بتحمل عبء استضافة ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ بدعم ضئيل من بقية العالم؟ تبلغ تكلفة مساندة اللاجئين بمستوى مقبول ما لا يقل عن 3000 دولار سنويا؛ ولم يقدم المجتمع الدولي سوى جزءا ضئيلا من هذه التكلفة. وعندما أصبحت الشقوق في نظام الحماية عبارة عن فجوات كبيرة، قام اللاجئون بالتصويت بأقدامهم.
وبالنظر لجهده المذعور لردع الوافدين، يغامر الاتحاد الأوروبي - مسقط رأس نظام الحماية الدولية - بتقاليده الخاصة بحقوق الإنسان وبالمعايير الأساسية لقانون اللجوء. وهذه إشارة مدمرة إلى البلدان الأمامية تعني أنها لا تحتاج إلى احترام قواعد الحماية.
ونظرا للاعتقاد الخاطئ بأن الدفاع عن السيادة يعني التصرف من جانب واحد، قاومت الحكومات النهج الدولي للهجرة. لكن الأحداث في منطقة البحر الأبيض المتوسط أظهرت بشكل صارخ أن هذا النهج يٌعد هزيمة ذاتية. بل يؤدي إلى سيادة هشة، ويقوض مصداقية الحكومات الديمقراطية والنظام المتعدد الأطراف، ويقوي المهربين والشعبويين الاستبداديين. لذلك يجب وضع حد لهذا التدهور السريع.
وتتطلب الأزمة العالمية الشاملة استجابة دولية منتظمة. فبحلول تاريخ اجتماع زعماء العالم في سبتمبر المقبل في قمة الأمم المتحدة بشأن التصدي للحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين، على المجتمع الدولي أن يتدارك ما حدث من أخطاء، ويتفق على كيفية إصلاحها.
بدلا من نقل العبء من مكان لآخر، نحن في حاجة لبدء تقاسم المسؤولية. إنها أذكى وسيلة لحماية السيادة الوطنية للحد من المخاطر التي يواجهها المهاجرون عند محاولة الوصول إلى الأمان، وتحقيق أقصى قدر من الوسائل المتاحة لبناء حياة منتجة.
وسيتطلب إنجاز ذلك القيام بثلاثة أمور. أولا، يجب علينا أن استغلال الزخم السياسي حول قضية اللاجئين للالتزام للقيام بتحسينات محددة في نظام الحماية الدولية ولتحصين جميع المهاجرين.
فمن غير المقبول أبدا أن تٌجبر عشرة بلدان فقط على تحمل نصيب كبير من هذا العبء،إذ نجد أن 86٪ من اللاجئين يقيمون في بلدان العالم النامي، وأن أقل من 100.000 يعاد توطينهم سنويا. إن دعم اللاجئين ليس اختياريا، كما لا يمكن تحديد المسؤولية بمعيار القرب الجغرافي من الأزمة.
ولا يجب علينا الانتقال من سنة إلى أخرى، ومن أزمة إلى أخرى بعد الآن، والمطالبة بتعهدات (غالبا ما لا يتم الوفاء بها). بل ينبغي اعتبار تكلفة دعم المهاجرين والدول التي تستضيفهم، كما لو كنا سنقوم بإعداد ميزانية البيت، وبعد ذلك نساهم بشكل جماعي في التمويل اللازم في إطار خطة طويلة الأمد.
كما يجب علينا أيضا توسيع قدرتنا على استضافة اللاجئين من خلال مسارات قانونية: إعادة التوطين وغيرها، مثل تأشيرات الطلاب، والعمل، وجمع شمل الأسرة.
ويتطلب تعزيز نظام الحماية الدولية إعادة النظر في مسؤوليتنا اتجاه اللاجئين، حيث لا ينبغي أن نتعامل معهم كعديمي القيمة في مخيمات دائمة بعد الآن. بل يجب مساعدتهم ليصبحوا أعضاء نشطين ومساهمين في مجتمعاتنا. وينبغي أن يستند نموذجنا على الإدماج الكامل للاجئين في أسواق العمل والمدارس في أقرب وقت ممكن. كما يجب علينا التعهد بعدم ترك الأطفال رهن الاحتجاز.
وأخيرا، يجب على هيئة الأمم المتحدة تطوير قدرة أكبر لمعالجة إشكالية الهجرة وتزويد المهاجرين بدعم أقوى على الصعيد العالمي. عندها فقط سوف نتفق على مجموعة من الالتزامات للحد من المخاطر التي يتعرض لها كل المهاجرين، وضمان إنقاذهم من الغرق، وتقديم مسارات آمنة لإعادة توطينهم، وتوفير هويات قانونية لهم.
ويثير موضوع اللاجئين والهجرة اهتمام الرأي العام والسياسي على نطاق واسع قد لا يتكرر قيد حياتي أو في حياة الجيل القادم. وسوف تتحسن أو تسوء حالة البشر اعتمادا على كيفية معالجتنا لهذا المشكل اليوم.
المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية،
وممثل أمين العام الأمم المتحدة الخاص للهجرة الدولية والتنمية.