القطاع الخاص العماني والمجتمع

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/أبريل/٢٠١٦ ٠١:٤٤ ص
القطاع الخاص العماني والمجتمع

بدأت النهضة العمانية المباركة في سبعينيات القرن الفائت عندما تسلم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -أيده الله بنصره- مقاليد الحكم، وكغيرها من المؤسسات التنموية لا يوجد في السلطنة قبل هذا التاريخ قطاع خاص بالمعنى المتعارف عليه اليوم. حيث كان من أولويات السياسة الاقتصادية العمانية حينذاك إنشاء قطاع خاص لتكملة هيكلة الدولة، وبما أنه لا يوجد قطاع خاص فإن كثيراً من المؤسسات أنشئت برأسمال الدولة على سبيل المثال البنوك وبعض الشركات المساهمة التي كانت الدولة بحاجة لها. ولمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يمكنك الرجوع إلى بحثي «التنمية والمصارف في سلطنة عمان 1995». نعم، استطاعت السلطنة خلال السنوات الفائتة أن تنشئ قطاعاً خاصاً قوياً قدمت له الحكومة الدعم المادي والمعنوي حيث أصبح هذا القطاع يلعب دوراً بارزاً في التنمية والتطوير والمساندة والبناء. إذن، ماذا يقدم هذا القطاع الخاص العماني للتنمية اليوم بعد أن قدم له المجتمع والدولة الدعم والمساند؟ لتصبح بعض الشركات العمانية تلعب دوراً مميزاً ليس على مستوى الوطن وإنما على مستوى العالم، وأدبيات القطاع الخاص العماني تشير إلى أن هناك أكثر من 100 شركة عمانية تجني أرباحاً تتعدى ملايين الريالات العمانية. بصراحة لا يزال دور القطاع الخاص العماني في التنمية محدوداً جداً وقد لا يذكر إذا قارنّا بين قطاعنا الخاص وبين بعض الدول المجاورة. فهل ينتظر القطاع الخاص قرارات حكومية بردِّ الدين الذي علية؟! لا يمكن ذلك في دولة تتبع نظام الاقتصاد الحر ولا يمكن للدولة أن تفرض على القطاع الخاص الانخراط في العمل الاجتماعي إلا إذا رغب في ذلك، وإنما يكفي الدولة تشجيعها له في الانخراط في التنمية المجتمعية من خلال إعفائه من الضرائب على سبيل المثال، وفعلاً قدمت له الدولة تسهيلات لا يحلم بها أي قطاع خاص في العالم. إذن، أين مساهمته في تأهيل وتدريب الشباب العماني في الانخراط في سوق العمل؟ وهي مشكلة تعاني منها السلطنة ويدرك الجميع وخاصة القطاع الخاص بأن مشكلة الباحثين عن عمل لا يمكن حلها إلا بتظافر جهود الجميع، وهنا عندما أقول الجميع أعني جميع المؤسسات التنموية الخاصة أو العامة، هذا بالإضافة إلى المجتمع بجميع شرائحه أي تغيير ثقافة المجتمع نحو جدية العمل والتعليم وليس الدوام في المكاتب وتجميع الشهادات، واللبيب بالإشارة يفهم. إن المسؤولية الاجتماعية للشركات العمانية هي واجب بتحسين رفاهية المجتمع العماني وذلك من خلال ممارسات أعمال اختيارية تقديرية ومساهمات بالموارد المؤسسية، وهو عمل طوعي تقوم به شركة ما لدى اختيار وتنفيذ مشاريع ما، وعلى سبيل المثال تشجير الحدائق الصغيرة المنتشرة في الأحياء العمانية. وعندما نتحدث عن رفاهية المجتمع العماني نقصد الظروف والأوضاع الإنسانية وتحسينها وتقديم الخدمات المختلفة لها كرعاية المرضي وتقديم المساعدة للأسر المحتاجة وتقديم البعثات الدراسية وغيرها من المشاريع الخيرية، وهي كثيرة. نحن لا نشعر بأن القطاع الخاص العماني يكترث بقضايا المجتمع بل ينتظر الحكومة لإرساء مناقصة مثلاً لبناء حوض سباحة كبير للشباب في كل مدينة أو ولاية عمانية بدلاً من أن يقوم هو -أي القطاع الخاص- بالمبادرة من خلال عدة شركات لتنفيذ مشروع أو مشاريع مثل هذا. لا أعرف لماذا لا يساهم القطاع الخاص في مثل هكذا مشاريع؟ هل هو الجهل بالشيء؟ أو ثقافة القطاع الخاص المبنية على الأخذ وليس العطاء؟ باعتبار أن جميع المشاريع من اختصاصات الحكومة أو لأسباب مادية؟!. يري آخرون مثل مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستديمة في تعريفه للمسؤولية الاجتماعية بأنه يجب التركيز على التنمية الاقتصادية المستديمة من خلال التزام الشركات بالمساهمة في التنمية الاقتصادية المستديمة، بالتعاون مع الموظفين وأسرهم والمجتمع المحلي والمجتمع الأكبر ككل في سبيل تحسين الحياة وتسهيلها. عندما تقدم الشركات العمانية الدعم للمجتمع فإنها تفي بتوقعات المجتمع الأخلاقية والقانونية والتجارية والتوقعات العامة من هذه الشركات، وقد تتجاوز هذه التوقعات ما هو أفضل كتحقيق أهداف إنسانية اجتماعية ذات قيمة عالية يستفيد منها المواطن والمجتمع والدولة. إن القضايا الأكثر تمتعا بالدعم والمساندة عبر هذه المبادرات هي تلك التي تساهم في صحة المجتمع أي الوقاية من الأمراض المعدية وغيرها من خلال إنشاء المراكز الصحية بكوادر طبية عالمية، ولكنه قام بعكس ذلك من خلال إنشاء المستشفيات والعيادات الخاصة التي تستغل المرضى العمانيين والمقيمين بتقديم أسوأ خدمات الرعاية الطبية من خلال رسوم علاج باهظة مع عدم وجود إمكانيات لتوفير العلاج المناسب وسوء التشخيص، ناهيك عن عدم وجود غرف للعناية المركزة في حالة حدوث مكروه للمريض، والغريب في الأمر أن سيارات الإسعاف توجد بها أجهزة متواضعة وهي أسطوانة أكسجين لنقل المريض، هذا ما يقدمه القطاع الخاص للمجتمع! أثبتت التجارب العالمية أن أكثر المؤسسات الطبية والتعليمية وأجودها هي المؤسسات ذات الطابع الخيري وهذا لا ينتقص من مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين حتى لا يساء فهمنا. وهناك أيضا المبادرات في مجال التعليم، جامعة هارفرد الأمريكية على سبيل المثال وهي الجامعة الأولى في العالم تدار من قبل مؤسسة خيرية وليست الحكومة الأمريكية مثل ما يعتقد البعض وجامعاتنا وكلياتنا الخاصة تشارك في هدم التنمية من خلال جامعات تقدم شهادات بأسوأ جودة للتعليم على مستوى العالم. آخر استطلاع نشرته إحدى الصحف المحلية للطلبة الخريجين أوضح 45 % منهم أنهم لا يستفيدون من التعليم سوى شهادة ليعملوا بها. جامعة هارفرد الأمريكية دليل على أن المؤسسات الخيرية تجذب الكثير من الخبرات المتميزة والعالمية للعمل فيها حتى بدون أجر، هذا بالإضافة لجودة الخدمات سواء التعليمية أو الطبية التي تقدمها هذه المؤسسات.

مثل ما تحدثت في بداية المقال عن أن الدعم المقدم من المؤسسات يأخذ أشكالاً كثيرة منها المساهمات النقدية والهبات والإعلانات مدفوعة الأجر كإعلانات التوعية بحوادث المرور والمساهمات العينية أي تبرعات في صورة منتجات مثل معدات الحاسب للطلاب وغيرها. خلال السنوات الفائتة تشير الدلائل إلى أن هناك زيادة في عطاء الشركات العمانية وهناك مبادرات من قبل بعض المؤسسات مثل البنوك العمانية وشركات الاتصالات وغيرها عن مبادرات المسؤولية الاجتماعية والتي حاولت من خلالها ترسيخ المعيار الاجتماعي المؤسسي لفعل الخير ولكنها محدودة. لدينا أمل في الشركات العمانية أن يكون هناك التزام مجتمعي في تنفيذ مشاريع ذات نفع عام يلمسها المواطن والمجتمع.

باحث ومستشار تنموي