الصحافة والعنكبوت(!)

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٣/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٥٦ ص
الصحافة والعنكبوت(!)

زاهي وهبي

ما أن نُشِرَتْ تحيتي لجريدة "السفير" اللبنانية في هذه الصفحة الأسبوع الماضي حتى كان ناشرها الأستاذ طلال سلمان يعلن تراجعه عن قرار اقفال صحيفته معللاً التراجع بالمناشدات والتمنيات الكثيرة التي طالبته بعدم الاقفال. تراجعٌ ترك فيه الباب مفتوحاً أمام احتمال الاقفال لاحقاً بعد أشهر أو ربما بعد سنوات، ما دفع كثيرين من رواد مواقع التواصل الى شن حملة انتقادات عنيفة ضده معتبرين الأمر مجرد مناورة للحصول على تمويل لجريدته، وبلغ بعضهم حدَّ تشبيهه قرار الاقفال بقرار المغنية شيرين التي سرعان ما عادت عن قرار اعتزالها، الأمر الذي قابله المغردون والفيسبوكيون بكثير من التهكم والسخرية.
في معزل عن الأسباب التي دفعت ناشر "السفير" الى اعلان قرار الاقفال ثم التراجع عنه، نفرح لبقاء أي مؤسسة على قيد العمل، وذلك لأسباب عديدة أبرزها أنها توفر فرص عمل لأناس كان الاقفال سيرمي بهم على قارعة البطالة أو على أبواب مؤسسات أخرى طلباً لعمل جديد ربما يأتي وربما لا يفعل، من هنا ترحيبنا باستمرار "السفير" أو سواها من الصحف الورقية، فضلاً عما تمثله في الذاكرة مما شرحناه في مقالة الأحد الفائت التي حملت عنوان "سفير الذاكرة الورقية" لمن يرغب بِغَوْغَلَتَها(!).
المهم، هل قرار التراجع عن اقفال "السفير" يعطينا بارقة أمل باستمرار الصحافة الورقية على قيد الحياة؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه بالجزم والقطع، لكن على الأرجح أن الصحافة التقليدية بشتى وسائلها تواجه تحديات لا سابق لها. ثمة صحف كبرى وعريقة في العالم استغنت عن طبعاتها الورقية، وأخرى على الطريق نفسه، لذا نعتقد أن ما لم يحصل اليوم سوف يحصل غداً. ليس الأمر كارثياً التحوّل من الورق الى الفضاء الالكتروني، سُنَّة الحياة التطور والتغير، مَن لم يألف بعد التعايش مع المستجدات سيعتاد الأمر رويداً رويداً، ولئن كنّا نكتب بشيء من الحنين عن صحافة الورق فذلك لكوننا ننتمي الى جيل أقام علاقة مزمنة معها، تَعَوَّدَ ملمسها ورائحتها وعناوينها وفلفشة صفحاتها، الأجيال الجديدة لديها أدواتها ووسائل تعبيرها، لعلها تقيم معها علاقة وجدانية تشبه علاقة الأجيال السابقة بما اعتادت عليه. ما نلحُّ عليه ونُصرُّ هو أن يبقى انسان العصر على علاقة وطيدة مع القراءة أياً كان شكلها ورقياً أو إلكترونياً، المهم أن يقرأ الناس مهما اختلفت الوسيلة، الغاية هي القراءة بوصفها طريقاً رئيسياً من طرق التقدم والتطور للأفراد وللجماعات على السواء، وما تتيحه التكنولوجيا الحديثة ليس هيناً ولا قليلاً، ولا يمكن أصلاً البقاء ببعيداً عنها لأنها باتت من ضروريات الحياة.
قد تعيش الصحافة الورقية في بلادنا أكثر قليلاً مما هي الحال عليه في الغرب، لأسباب مختلفة منها أن انتشار الانترنت ووسائطه هناك أكثر منه هنا، ومنها الأسباب "السياسية" التي باتت تمثل أوكسيجين الحياة لعدد كبير من الصحف التي تتلقى تمويلاً لقاء أجندات معينة. أمام الصحافة الورقية الراغبة بالاستمرار سنواتٍ إضافية تحدياتٌ كبيرة أولها أن تتكيف مع المستجدات وتتحول من صحافة اخبارية الى صحافة تحليلية، لم يعد السواد الأعظم من القرّاء كما في السابق ينتظر اليوم التالي ليقرأ أنباء بلده والعالم، بات يتابعها من خلال الميديا الحديثة التي توفرها له لحظة بلحظة عبر الهواتف والألواح الذكية المرجح أن تصير أكثر ذكاء من حامليها ما لم يُحسنوا تثقيف أنفسهم وتطوير معارفهم والتصالح مع العصر وأدواته.
في الأثناء على الصحافة الورقية تطوير محتواها على الشبكة العنكبوتية التي تفرض شروطاً وأساليب مختلفة عن تلك السائدة في الصحافة التقليدية، اذ لا يكفي أن تعمد الصحيفة، أي صحيفة، الى نشر مادتها الورقية إلكترونياً، ساعتها سوف ينصرف القرّاء عن موقعها الالكتروني أيضاً. نحيا في عصر سمته الأساسية السرعة والإيجاز، لن ندخل الآن في تحليل الأسباب وعما اذا كان هذا التسارع في مصلحة الكائن البشري أما لا، نعود اليه لاحقاً. الآن ندعو القيمين على الصحافة الورقية الى تطوير المحتوى الالكتروني بما يجذب شريحة الشباب اليه، تمهيداً ليوم لا بد منه عاجلاً أو آجلاً، وهو تقاعد الورق مفسحاً في المجال أمام صحافة "عنكبوتية" لكنها ليست واهنة على الإطلاق.
القراءة ثم القراءة ثم القراءة أياً كانت الوسيلة ورقية أو الكترونية، الشعوب التي لا تقرأ سوف ينسجُ العنكبوت خيوطه على أبواب تَقدُّمها.