حكايات الثائرين من أجل التعليم قبل عام 1970

بلادنا الخميس ٢١/فبراير/٢٠١٩ ١١:٥٧ ص
حكايات الثائرين من أجل التعليم قبل عام 1970

إعداد: نصر البوسعيدي
عانت عُمان كثيرا في فترات زمنية متفاوتة ما بين ألم وتشتت وعدم استقرار وصراع على السلطة في ظل تدخلات خارجية وأطماع تحيط بالبلاد.
وفي العصر الحديث أي عصر السلطان سعيد بن تيمور الذي حكم عُمان منذ عام 1932م، بعد تنازل والده له عن الحكم نتيجة إعيائه الشديد من الظروف التي كانت تموج فيها البلاد بالصراعات والانقسامات والظروف الاقتصادية المتردية نتيجة الانقسام بين الداخل والساحل بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية الأمريكية في واحة البريمي وتحريض حالات الانقسام الداخلي في البلاد.
استطاع السلطان سعيد بن تيمور منذ بداية حكمه تعديل الوضع الاقتصادي وتنظيمه في زمن كانت الاكتشافات النفطية في عُمان لا زالت في طور البدايات، وفي خضم هذه الأحداث نشبت صراعات النفط والمصالح بين السلطان وحليفته بريطانيا من جهة والدول الإقليمية مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، واختصارا للأحداث استطاع السلطان أن يوحد عُمان ويقضي على أحلام الأطماع الخارجية تجاه واحة البريمي لتعود عُمان جميعها تحت سلطة السلطان سعيد بن تيمور الذي باشر بعد ذلك بعزل عُمان وأهلها عن المحيط الخليجي والعربي مع صرامته الشديدة، في امتناعه عن تقديم خدمات التعليم - فقط المدرسة السعيدية في مسقط وصلالة-المنتظم للأهالي خوفا من تأثرهم وانفتاحهم وبالتالي ممارستهم للعديد من الاضطرابات مرة أخرى والتي عانى منها السلطان ذاته كثيرا، وأصبح هذا الانغلاق وبالا وحملا ثقيلا عليه إذ تسبب كل ذلك بغضب شعبي وكذلك خلافات حادة بينه وبين أفراد العائلة الحاكمة فيما بعد.
لذا لا غرابة أن نجد أن حالات التمرد على الأوضاع السلبية لحظتها ستظهر لمواجهة الظروف وتحدي القيود من أجل التعليم الانتظامي خاصة الذي حرم منه أغلب أبناء عُمان.
ومن ضمن هؤلاء الذين تحدوا المصاعب واستطيع أن أطلق عليهم الثائرون من أجل التعليم حسين حيدر درويش الزعابي، ومحمد أمين بن عبدالله البسكتي وهو رائد من رواد الترجمة في الخليج العربي، وأحمد بن محمد الجمالي الذين خرجوا من عُمان إلى باكستان لطلب العلم في جامعات كراتشي أو العمل فيها كمحمد أمين الذي كان يعمل في وزارة الإعلام الباكستانية.
لقد كانت باكستان حينها منفتحة على الجميع ويتم فيها تداول كل الأفكار والتوجهات السياسية بحرية تامة، واستقطبت العديد من العرب المضطهدين من قبل حكوماتهم والاستعمار البريطاني خاصة بعد انفصالها عن الهند بقيادة محمد علي جناح عام 1947م.
وفي عام 1952م استطاع هؤلاء الشبان الثلاثة تأسيس ما يسمى بالاتحاد العماني في مدينة كراتشي الباكستانية، وبعيدا عن توجهاتهم السياسية كان من أهداف جهود هذا الاتحاد النبيلة والتي أركز الكتابة عنها هنا هي التعليم ونشر الوعي بين أفراد المجتمع العماني بترحيل الشباب العماني من عُمان لمواصلة دراستهم وتعليمهم الانتظامي لمرحلة الثانوية في الدول المجاورة التي بدأت بتحقيق طفرة في مجال التعليم الحديث كدولة الكويت الشقيقة التي تعاطفت كثيرا مع الطلبة العمانيين وكانت أول دولة عربية تستجيب لدعوات مؤسسي الاتحاد العماني بتبني بعض الطلبة القادمين من عُمان بعد عملية إخراجهم وترحيلهم سرا بكل صعوبة وعسر نتيجة القوانين الحكومية التي تقيد حركتهم وسفرهم وحرمانهم من الحصول على الجواز العماني.
واجه الاتحاد العماني العديد من المصاعب لتحقيق أهدافه من أجل التعليم، فقد كانت أكبر صعوبة تواجه جهود الثلاثة عدم وجود موارد مالية لدعم معيشة وسكن الطلبة في مهجرهم، وكذلك صعوبة تنقلات فريق العمل بين دول الخليج دون جواز يسمح لهم بذلك، كما أن دخولهم لعمان لإقناع أهالي الطلبة كان من أكبر العقبات، فلم يكن بالإمكان دخولهم إلا حسين حيدر درويش الذي استطاع سرا اقناع العديد من أولياء الأمور وتدبير عملية تهريب الطلبة من تلك القيود التي فرضتها الحكومة آنذاك بمنع السفر وعدم منحهم للجواز وعزل عُمان عن دول المنطقة.
ومن هنا بدأ الثلاثة بمخاطبة الحكومات العربية لتقبل بالطلبة العمانيين دون شرط موافقة الحكومة العمانية، ولكن الجميع رفض ذلك ما عدا دولة الكويت الشقيقة التي وبعد تنسيق دام 5 سنوات تقريبا أرسلت إلى مؤسسي الاتحاد تبلغهم بموافقتها على استقبال الدفعة الأولى من الطلبة العمانيين فكتب مدير معارف الكويت سنة 1957م:
«السيد المحترم حسين حيدر درويش – البحرين ، ص.ب272 تحية وسلاما
نرجو لكم أسعد الأوقات ويسرنا أن نؤكد لكم بأن المعارف قد وافقت على قبول الطلبة الآتية أسمائهم ضمن البعثات العربية بالكويت:
1- جابر مرهون.
2- هارون سليمان محمد.
3- إبراهيم عبدالله سبيل.
وهكذا كانت بداية جهود هذا الاتحاد ليتكلل نجاحهم بشكل أكبر مع دولة الكويت في عام 1958م باستقبال فوج أكبر من الطلبة العمانيين، وهذه المرة كان فضل هؤلاء المناضلين الثلاثة قد وصل كذلك لطلبة ساحل عُمان المتصالح وبعض المدن العمانية الأخرى وهم:
عبدالله سليمان محمد (مسقط)– سالم حسن مكي (مسقط)– محمد ماهر سالم (مسقط)– سالم عبدالله المحمود (الشارقة) - سالم حميد الغساني (مسقط)– محمود عبدالنبي مكي (مسقط)– محمود سليمان محمد (مسقط)– محمد عيسى العلي (رأس الخيمة) - نوري أحمد (مسقط)– عبدالعزيز حيدر درويش (مسقط)– حمد عبود (مسقط)– عبدالله علي يحيى (مسقط)– محمد الزبير (مسقط)– حبيب عبدالنبي مكي (مسقط)– نزار محمد علي (مسقط)– سالم حمدان(مسقط)– حمد سليمان(مسقط)– عبدالله حمدان(مسقط)– عباس جعفر(مسقط)– حسن عيسى(مسقط)– علي موسى عبدالرحمن(مسقط)– ناصر عبدالرب(مسقط)– علي إسماعيل(مسقط)– طالب حارب(مسقط)– محمد عباس(مسقط)– جابر مرهون(مسقط)– هارون سليمان(مسقط)– إبراهيم عبدالله(مسقط)– إبراهيم مراد(دبي)– بطي عبيد(الشارقة)– عمر عوض(ظفار)– محمد عبدالرحمن(ظفار) – محمد علي (تنوف) – سعود كايد(رأس الخيمة)– عبدالملك كايد (رأس الخيمة)– عبدالله حميد(رأس الخيمة)– عبدالعزيز عبدالرحمن(ظفار)– أحمد عبدالرحمن(ظفار) – حميد أحمد الموسوي(صحم).
لذا يعتبر هؤلاء الطلبة العمانيون من أوائل الطلبة الذين حصلوا على تعليم انتظامي تجاوزوا به مرحلة الثانوية نتيجة الجهود التي عمل عليها كثيرا حسين حيدر درويش، ومحمد أمين عبدالله، وأحمد الجمالي، فكانوا شعلة نشاط وإصرار وقوة في مجابهة التحديات وإخراج المزيد من الشباب العماني من واقع وطنهم حينها، بالتنسيق مع دول أخرى لإتاحة الفرص للآخرين، لذا خاطب الاتحاد العماني دولة قطر الشقيقة لنفس الأهداف والمضمون، وقد وافقت الحكومة القطرية على ذلك وبعثت برسالة إلى حسين حيدر درويش بتوقيع مدير المعارف القطرية عبدالرحمن العطية مفادها التالي:
«معارف قطر – الدوحة – الخليج العربي – التاريخ (10/‏‏9/‏‏1961م)
الموضوع : قبول طلاب بالثانوية
السيد مدير المدرسة الثانوية بعد التحية:
فقد وافقنا على إلحاق الطلاب المسقطيين الواردة أسماؤهم بالصف الأول إعدادي وذلك باستيفاء المستندات المطلوبة وهي الشهادة الابتدائية المسقطية وشهادة الميلاد، رجاء العلم:
1- علي راشد.
2- يعقوب يوسف بلال.
3- ناصر محمد الوهيبي.
4- محمود سنجور.
5- يحيى محمد حميد.
6- محمد خلفان سالم
وسيتولى السيد حسين درويش تدبير سكن لهم بمعرفته».
وهكذا استمرت تلك الجهود من أجل تعليم أبناء عُمان رغم كل المعوقات التي واجهت الثلاثة في الاتحاد الذي تعاهدوا من خلاله على محاولة نشر المعرفة وتعليم أبناء عمان، ليذكر لهم التاريخ بأن جيل الشباب الذي راهنوا على تعليمه كان من أبرز من خدم نهضة عمان بعد عام 1970م.
وبالإضافة إلى كل ما سبق كانت هناك جهود أخرى تصب في نفس الهدف المنشود لإتاحة الفرصة من أجل تعليم شباب عمان ما بعد الثانوية لإلحاقهم بالتعليم الجامعي في مصر مثلا، فنشأت رابطة الطلبة العمانيين في بداية الستينات وترأسها أكثر من شخصية منهم أحمد عبدالنبي مكي، وعبدالله بن سليمان الزدجالي، وتريم عمران تريم مع الجهود الكبيرة التي قدمها محمد أمين عبدالله للرابطة وهو من كان يملك الخبرة الكافية لذلك لدوره المهم الذي كان يمارسه في الاتحاد العماني واستطاعوا فعلا تمكين بعض الطلبة العمانيين من الدراسة في الجامعات المصرية.
ليسجل التاريخ بأن هذه المجموعة من العمانيين كان لها الفضل في مجابهة الظروف وكسر القيود من أجل إحقاق فرص التعليم لبعض شباب الوطن رغم كل العراقيل والصعوبات، حتى بزغ فجر النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في عام 1970م بعدما تنازل السلطان سعيد بن تيمور عن الحكم مجبرا من قبل جميع أفراد الأسرة الحاكمة لابنه السلطان الشاب تحقيقا لمصلحة عُمان وانقاذا للوحدة الوطنية بعدما بزغت مشكلة الاضطرابات في ظفار عام 1964م احتجاجا على الأوضاع السائدة التي كانت تؤرق الجميع خاصة بعد تأثرها بالمد الشيوعي تحريضا بين أفرادها واستمرت حتى استطاع جلالة السلطان قابوس بن سعيد وقيادته لجيشه المغوار وتسامحه وحكمته من إنهاء كل ذلك في عام 1975م ودعوة كل المعارضين والمهاجرين في العهد السابق من أجل العودة وبناء عُمان ونشر التعليم النظامي للذكور والإناث والاهتمام الكبير بقطاع الصحة الذي توافق مع تنمية النهضة الشاملة في مرحلة كانت جديدة كليا من تاريخ عمان ليبزغ فجر جديد من المجد الذي يحمله شباب الوطن المتعلم حتى يومنا هذا.
الجدير بالذكر وعطفا على ما سبق فقد عاد أفراد ومؤسسو الاتحاد المذكور إلى عُمان ليساهموا بشكل فعال مع سلطان البلاد لخدمة عُمان، فلا ننسى مثلا تلك الخدمات الجليلة التي قدمها محمد أمين عبدالله في ترجمة الكثير من الكتب الأجنبية للعربية التي تحدثت عن تاريخ عُمان، بعدما عاد للوطن برفقة عم السلطان السيد فيصل بن علي آل سعيد الذي كان معهم خارج الحدود وداعما لكل جهودهم في مجال التعليم والتنوير وأصبح فيما بعد وزيرا لوزارة التراث والثقافة رحمهم الله أجمعين.

المراجع:
1- مناضل من عُمان محمد أمين عبدالله (1915 – 1982م)، تأليف : حسين حيدر درويش، الطبعة الثانية – 1990م.
2- التعليم في مدينتي مسقط ومطرح بين عامي (1888-1970م)، ناصر بن عبدالله الصقري، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية – جامعة السلطان قابوس – سلطنة عُمان 2017م.