ماذا يجب على الحكومة عمله الآن؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٩/ديسمبر/٢٠٢٠ ٠٩:٠١ ص
ماذا يجب على الحكومة عمله الآن؟

بقلم : علي المطاعني

في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية وما فرضته من رسوم وضرائب انعكست على مختلف شرائح المجتمع، مقرونة بالمعطيات الصحية الراهنة تحت وطأة جائحة «كورونا» فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه آنيًا: ما الذي على الحكومة عمله الآن لإحداث توازنات بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.. وكيفية التخفيف من حدة تأثيرات الإجراءات التي اُتّخذت أو سوف تُتّخذ؟.

لا نغالي إن قلنا أنّ الحل الوحيد لتخفيف وتعويض وطأة هذه الآثار هو معالجة ملف التوظيف والتشغيل، بوصفه أحد المرتكزات الرئيسة لبناء نوع من التوازن بالمضي قُدما في سياسة الإحلال وتعمين شتى الوظائف والمهن التي يمكن أن يشغلها أبناء الوطن، من خلال مسارين متوازيين لا ينتهيان مهما امتدا، باعتبار أنّ الكوادر الوطنية المؤهلة متوفرة وتتطلع إلى بناء وطنها متسلحة بالخبرات المكتسبة والتي تتمتع بها شرائح واسعة من المجتمع من المتقاعدين من القطاع العام المدني والعسكري، وبالتالي فإنّ التحجج بالخبرات الأجنبية لم يعد له مسوغٌ يقنِع به المجتمع، الأمر الذي يتطلب أن تسرع الحكومة بكافة أجهزتها وإمكانياتها لحلحلة هذا الملف بالصورة المُرضية للمجتمع.

لاشك أنّ المستجدات الراهنة لا يمكن أن تخفف من آثارها وتعيد التوازن الاجتماعي لها، إلا من خلال خطط الإحلال في القطاعين العام والخاص مهما كلف ذلك الأمر، لأنّ الهدف الأكبر في اعتقادنا واضح للجميع وبدون مجاملات في حق الوطن وأبنائه، وهو الإحلال القسري -أولا- والتشغيل الممنهج –ثانيًا- لكل ما يتوافر من قدرات وطنية وكفاءات محليّة.

تقتضي آليات المسار الأول إحلال الكوادر الوطنية في كل الوظائف والمهن في الجهات الحكومية والشركات بنظام عدم تجديد الإقامات المنتهية بحيث يغادر العامل الوافد البلاد نهائيا، ويحل مكانه المواطن المؤهل في الوظيفة.

بينما تعمل آليات المسار الثاني على مجال التشغيل الذاتي في كل المهن التي يمكن أن يشغلها أبناؤنا وبناتنا بحظر المهن والعمل في كل مهنة وفي كل ولاية تتوافر فيها كوادر وطنية من خلال إعطاء الصلاحيات للمحافظات والولايات وبدعم من الجهات المسؤولة كوزارة العمل والهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بحيث تضع كل ولاية برنامج إحلال للمهن التي تتوافر بها كوادر لشغلها مع بعض التأهيل والتدريب.

ووفق برنامج زمني يحلُّ ويُعمِّن كل المهن تدريجيًا وفق معطيات كل ولاية وما يتوافر لها، مع توفير برنامج حماية من المنافسة غير المتكافئة من العمالة الوافدة أو أيّ تحايل من جانبها، وبذلك يمكن أن نوجد آلاف الفرص في الولايات.

إنّ هذين الخيارين أو المسارين لا ثالث لهما، لذا يجب على الحكومة بكل جهاتها وإمكانيّاتها تبنيهما على وجه السرعة، لتضميد الجراح الغائزة في المجتمع في هذا الجانب وغيره، والتي لا يمكن مداواتها إلا عبر وضع يد الحكومة على هذا الجانب، وتوفير فرص العمل في القطاعين العام الخاص.

الوقت يداهمنا، وليس ثمة بارقة أمل تلوح في أفق الأوضاع الاقتصادية والصحية في العالم، فكل الدلائل تشير إلى استحالة تعافي الاقتصاد قبل أقل من خمس سنوات، وهذا بالطبع يُحتِّم علينا إيجاد حلول ناجعة وناجزة، فليس هناك متسع للتفكير في الحلول الطويلة المدى مثل زيادة حجم السوق أو توسيع الاستثمارات وغيرها من الحلول التي تحتاج وقتًا غير محدود، فضلا عن أن فاعليتها في الوقت الراهن ضعيفة، ولا قدرة لها على امتصاص الاحتقانات الشعبية في ظل عدم توافر فرص العمل، في حين تدار الأعمال بواسطة آخرين من غير أبناء الوطن، فهذا الخيار غير مقنع ولن يؤتي ثماره في هذه المرحلة التي قد تمتد لمدة ليست بالقصيرة.

بالطبع هناك من يعارض مثل هذه التوجهات من البراجماتيين والمُنتفعين، والمتاجرين بالعمالة وأرباب التجارة المستترة وغيرهم، ولكن القادم أصعب وسيكون مؤلمًا إذا لم نتخذ إجراءات كافية لتوفير فرص عمل لأبنائنا.

نأمل أن تسرع الحكومة الرشيدة في هـــــذا الجانب وأن تأخذ هذين الخيارين على محمـــــل الجد، وألا تصغي للآراء والأصوات الناشـــذة التي لا تنظر إلا لمصالحها الضيّقة وأموالها وغير ذلك مما يعرفه الجميع.

فتمكين أبناء المجتمع من الآن وصاعدا أصبح فرضا وليس خيارا، حتى نحافظ على مكتسباتنا وما حققته السلطنة من منجزات جعلتها تتربع على مصاف الدول المتقدمــــة.