متابعة - أحمد بن سعيد الجرداني
أخي القارئ الكريم، أختي القارئة الكريمة، نطوف بكم اليوم في جولة سريعة حول أهمية القراء والمطالعة وما يترتب عليها من أمور عظيمة؛ لأن بالقراءة والمطالعة ينال المطلع أعلى الرتب من تقدم ونمو وازدهار في جميع مناهل الحياة لذا كانت لنا هذه المتابعة في برنامج «سؤال أهل الذكر» مع ضيف البرنامج مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي وتقديم د.سيف بن سالم الهادي حيث كانت حلقة البرنامج بعنوان «القراءة مطالعة ومعرفة».
بدء الرسالة الإسلامية بالقراءة
قال مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي إن أهمية أن يكون مفتتح وحي الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في هذه الرسالة الخاتمة بالقراءة تكمن في الدلالة على أن هذا الدين جاء لنفي الاستبداد المعرفي، وفي صدارة الاستبداد، استبداد رجال الكهنوت الذين يحولون بين الناس وبين وحي الله تبارك وتعالى الهادي للصراط المستقيم، فكون أول آية يتلقاها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي «اقرأ» فإن في هذا إيذانا بأن الحضارة المنبثقة من الرسالة الخاتمة هي حضارة علم وبحث معرفة وإنعاش ونظر وعلم واقلام وقراءة وعقل وكل ما يمكن أن يرتقي بفكر الإنسان ويغذي عقله ويبعث فيه حب الاستطلاع لما في هذا الكون، ليزداد يقينا بالله والإيمان بالغيب والنفاذ بعد ذلك إلى حسن الطاعة له جلّ وعلا.
ومعنى نفي الاستبداد المعرفي هو نفي الجهل عن الإنسان، فإن الإنسان الجاهل عرضة للوقوع أسيرا للخرافات والأوهام والأساطير لينحط بعد ذلك إلى مستوى البهائم العجماء غواية وضلالة وبعيدا عن المنهج الرباني الذي يريده له خالقه ومدبر هذا الكون جل وعلا، وهذا أيضا يلحظ من هذا المعنى.
كذلك في هذا الوحي الأول الذي تلقاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مساواة للبشر فإن كان الخطاب موجها للرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أنه يصدق خطابا لكل من وصلهم، فهم سواء في تلقي هذا الخطاب فهم مأمورون بالقراءة (باسم ربك الذي خلق) فلا يمكن أن يستعلي أحد على أحد؛ لأن الكل مخاطبون ومدعوون للامتثال لهذا الأمر.
الحكمة من القراءة
وأكد فضيلة الشيخ أن الحكمة من ذلك هي أن هذه الآيات الكريمة من سورة العلق تأذن بأن القراءة هي أساس الحياة وهي منهج حركة هذا الإنسان وهي أس تعمير حضارته وهي الباعث الأول في إقامة صلات بين بني البشر بعضهم ببعض، وهي المكون الجهوري في نقل التراث الإنساني والعلوم والمعارف والثقافات والحضارات إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. ولذلك تفاعلت مع هذا الخطاب كل الحضارات وكل أصحاب الملل، انتعشت عندهم القراءة والعناية بالكتاب وأدركوا أن سر النماء والتطور إنما يكمن في اقرأ. لذلك نجد أن من يأخذ بهذا المنهج ويتبعه فإن الله تعالى يكتب له الريادة، ومن يتخلف ينال الجهل والضعف والهوان.
القراءة من أخص سمات المسلمين
وحول منهج القراءة والسمات يبيّن لنا فضيلة الشيخ الدكتور قائلاً: الآيات الخمس الأولى التي أول ما أنزلت تكرر الأمر بالقراءة مرتين وهي (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم..) لكن الحث على العلم والقراءة وما يتصل بالعلم من أدوات ورد كثيرا في كتاب الله، وعناية الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت بعناية الوحي وقد كرم من يحسن القراءة والكتابة فخصهم أن جعلهم كتبة الوحي وكان يفادي أسرى المشركين بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة.
ولذلك فإن القراءة من أخص سمات هوية المسلمين ولا بد منها اليوم حتى تفهم الأجيال المتتابعة أن القراءة من جوهر وأخص هويتهم الإسلامية.
إذا فهمنا هذا، أمكن لنا النظر في حضارة المسلمين فقد أخذوا من غيرهم ما يوافق الحق ونقوه من الشوائب وأضافوا إليه من أبحاثهم وبلغوا مكانا عظيما من العلم والمعرفة بمختلف أنواعها كالتاريخ والفلك والرياضيات والفيزياء والطب.
هذه الريادة العلمية كان منشأها تلك النقلة الحضارية التي أنشأها القرآن فيها ومن المعايير التي يستند إليها في المؤسسة العلمية من أبحاث واقتباس إنما هو من القرآن الكريم.
وما نفع التعرف على هذه الحقيقة إلا أن ندرك أهمية القراءة وأن القرآن الكريم شكّل لنا الهوية الحقيقية ولذلك لا بد اليوم أن نعود إلى معرفة أن القراءة ليست من الفواضل ولا يمكن جعلها من آخر أولوياتنا وعلينا أن نجعل في صدارة ما نقرأ ما نتمكن به من فهم القرآن ومعرفة حسن بيانه حتى نشعر بجمال القرآن ونتذوق حلاوته.
القراءة تحفز التركيز وتنشط الذكاء
وعن الذي تصنعه القراءة في شخصية الإنسان قال فضيلة الشيخ: ثبت علميا بالنسبة للشخص البالغ أن القراءة تحفّز التركيز وتنشّط الذكاء وتقوّي الذاكرة وتعين على الإبداع وتكسب مهارات كما أنها تنفي أمورا سلبية كالتوتر وتعالج الاكتئاب وتطيل العمر وتكافح الشيخوخة ويُقصد بها الأمراض المصاحبة للشيخوخة. فالقراءة تنفي هذه الآثار السلبية جميعا، وعلى مستوى الأطفال تنمّي المهارات الإبداعية وتنمّي قدرتهم على التواصل مع الآخرين والإبداع في الكتابة وتدعوهم إلى مزيد من القراءة والبحث والدراسة.. ولكن عدد من أرباب الوعظ والإرشاد والفتوى تضيق أنفسهم بالسؤال والبحث.
وينصح أن يُحصن القارئ بالقراءة النافعة المفيدة حتى يستطيع الحصول على المفيد والجواب الشافي عما يدور في ذهنه.
ودعا فضيلة الشيخ د.كهلان الخروصي المسؤولين بأن ينتقوا ما هو أكثر نفعا وفائدة وتحصينا لأجيال المسلمين وهناك اليوم وسائل للقراءة ما عادت محصورة وهناك وسائل تُمكّن من الرد على الشبهات التي يُثيرها خصوم الإسلام ولا مانع من استشارة أهل الدراية والاختصاص.
كل الإحصائيات بها مبالغة واضحة
وأجاب فضيلة الشيخ عن سؤال وُجِّه إليه حول عبارة «أمة اقرأ لا تقرأ» فقال: أنا لم اطّلع على إحصائيات أمينة فكل الإحصائيات بها مبالغة واضحة في رفع شأن قراءة غيرنا وتحقير قراءتنا، والسواد الأعم يقرأ بقصد الترفيه والتسلية بما يعرف بالخيال المحض. ونتمنى وجود إحصائيات دقيقة؛ لأن قبول هذه الإحصائيات التي تنشر قد تورث المسلمين شيئا من القنوط.
وقت وأجواء تعين على القراءة
وعن أنواع الكتب والأوقات والمجالات في القراءة قال فضيلته: كل إنسان عليه أن يتبيّن ما هو أفضل من أوقات وأنواع الكتب، ويختار متى يكون أكثر تركيزا، وأن يحدد لنفسه قدْرا في مجال من المجالات، ويضع لنفسه خطة وبرنامجا، ولا يشترط التقيّد ولكن تحميل النفس على توفير وقت وأجواء وظروف، إنما يعين على القراءة.
والناس يتفاوتون في قراءتهم وكل إنسان إن لم يذاكر ما قرأ يعتريه السهو والنسيان وعدم الدقة.
فالقراءة ليست أمرا هامشيا بل علينا أن نقرأ أكثر حتى ترسخ المعلومات ثم الحوار مع إخواننا وأصحابنا ونتذاكر تلك الحصيلة التي قرأناها وبهذه الوسائل يمكن أن نجدد المعلومات التي قرأناها.
العلاج يكمن في القراءة نفسها
وحول علاج السأم من القراءة قال فضيلة الشيخ مساعد المفتي العام للسلطنة: العلاج يكمن في القراءة نفسها فالسأم منها يعالج بالقراءة فإذا كان يقرأ في التاريخ يجدد الهمة بقراءة مجال تاريخي آخر غير الذي يقرأه. وإذا قرأ شيئا به صعوبة يجدد نشاطه بقراءة شيء خفيف يجدد له همته.