إيطاليا تختبر الاتحاد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/يونيو/٢٠١٨ ٠٤:٤٦ ص
إيطاليا تختبر الاتحاد

جين بيساني فيري

أدى رفض الرئيس سيرجيو ماتاريلا تعيين باولو سافونا المشكك في جدوى البقاء في الاتحاد الأوروبي، كوزير للاقتصاد والمالية في الحكومة الائتلافية التي اقترحها قادة حركة النجوم الخمس (M5S) والرابطة - الحزبين المناهضين للنظام اللذين فازا في الانتخابات العامة في مارس - إلى اندلاع أزمة سياسية عميقة في ايطاليا. دافع سافونا علنا عن إعداد "الخطة "للخروج من العملة الموحدة، كما قال ماتاريلا: إن تعيينه كان من الممكن أن يؤدي إلى تلك النتيجة تحديداً.
لقد أثار قرار ماتاريلا ضجة كبيرة. ودعا لويجي دي مايو زعيم حركة خمس نجوم إلى مساءلة الرئيس، ولكنه سحب هذا الطلب في ما بعد. كما طالب ماتيو سالفيني، رئيس الرابطة، بإجراء انتخابات جديدة، وقال إنها ستكون بمثابة استفتاء حول حرية أو استعباد إيطاليا. وفي فرنسا، شجبت مارين لوبان، زعيمة الحزب اليميني المتطرف التي شاركت في الحملة الانتخابية للرئاسة الفرنسية في العام الفائت بناء على وعد بمغادرة اليورو، ما أسمته بـ "الانقلاب".
ليست هذه هي المرة الأولى في إيطاليا يصبح فيها استمرار عضوية اليورو قضية سياسية مهمة. في اليونان في العام 2015، كانت تعد جزءاً من النقاش حول قبول شروط الدعم المالي. وفي فرنسا في العام 2017، ناقشت "لوبان" و "إيمانويل ماكرون" بشكل صريح ذلك خلال الحملة الرئاسية. لكن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها اليورو السبب المباشر للنزاع القانوني حول تعيين الحكومة.
علاوة على ذلك، يعكس الارتفاع المفاجئ في أسعار السندات الحكومية المخاوف في الأسواق المالية. لكن أولاً وقبل كل شيء، فقد أثارت هذه الأزمة تساؤلات كثيرة. هل قرار ماتاريلا يعني أن الناخبين لا يمكنهم التشكيك في عضوية اليورو؟ ما هو النطاق الناتج عن الخيار الديمقراطي؟ هذه قضايا أساسية ذات عواقب بعيدة المدى بالنسبة لجميع المواطنين الأوروبيين.
كانت دوافع ماتاريلا واضحة للغاية. لم يعترض على حق الإيطاليين في استجواب عضوية اليورو، لكنه قال إن هذا يتطلب مناقشة مفتوحة، تستند إلى تحليل جاد ومتعمق، في حين أن القضية لم تطرح في الحملة الانتخابية. وبما أن رئيس الوزراء المكلف جيوسيبي كونتي وزعماء الحزب الذين يدعمونه رفضوا اقتراح أي مرشح آخر للمنصب، فقد خلص الرئيس إلى أن واجبه الدستوري يقتضي رفض الموافقة على التعيين.
ونتيجة لذلك، رسم ماتاريللا خطا يفصل بين القرارات الدستورية والسياسية. وكان منطقه هو أن الخيارات السياسية يمكن أن تُتخذ بحرية من قبل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية، وأن الرئيس لا يحق له التشكيك في مثل هذه القرارات. وعلى النقيض من ذلك، تتطلب القرارات الدستورية عملية صنع قرار مختلفة تضمن أن يكون الناخبون على دراية كافية بالعواقب المحتملة لقرارهم. وفي غياب مثل هذا النقاش، أوضح ماتاريلا أن واجب الرئيس هو الحفاظ على الوضع الراهن ومنع اتخاذ قرار بالغ الأهمية من خلال توقعات السوق.
يعد هذا التمييز منطقياً من حيث المبدأ. ففي جميع الديمقراطيات، تحمي الدساتير حقوق الإنسان الأساسية، وتحدد طبيعة النظام السياسي والمسؤوليات على مستويات مختلف من الحكومة. لحسن الحظ، لا يمكن تغيير هذه الأحكام من خلال تصويت أغلبية بسيطة في البرلمان. يمكن تعديل الدساتير، ولكن غالبا ما يكون التعديل بطيئا، وفقط بأغلبية ساحقة أو، في بعض البلدان، عن طريق إجراء استفتاء. هذا الجمود يسمح للمواطنين بالحفاظ على أفضلياتهم العميقة.
هذا الأمر يثير سؤالين. أولاً، ما هي القضايا الدستورية الفعلية؟ في أوروبا، تشكل العضوية في الاتحاد الأوروبي جزءاً من دستور العديد من البلدان. لا يمكن أن يقرر البرلمان الخروج من خلال إجراءات عادية. ومع ذلك، فاٍن النطاق الدستوري أوسع: من الناحية القانونية، تقع جميع أحكام معاهدات الاتحاد الأوروبي بموجبه. وهنا تبدأ المشكلة. سيكون من غير المنطقي الاحتجاج على النقاش السياسي حول أحكام معاهدة الاتحاد الأوروبي بشأن صيد الأسماك أو الاتصالات، أو حتى الإطار المالي. يجب أن تنتمي هذه الأحكام إلى التشريعات العادية (توضيح هذا التمييز كان أحد أهداف المعاهدة الدستورية الفاشلة لعام 2005). ولكن بدلاً من توفير رسم دقيق، فإن الحدود القانونية بين الأحكام الدستورية والعادية تخلق ارتباكا سياسيا. يمكن مسامحة المواطنين لعدم امتلاكهم فكرة واضحة للتمييز بين ما هو دستوري وما هو سياسي.
ثانياً، ما نوع القرار الذي ينبغي تطبيقه على الخيارات الدستورية الحقيقية؟ إن المادة 50 من معاهدة لشبونة، كما رأينا، تمكن الاتحاد الأوروبي من تقرير كيفية إدارة قرار المملكة المتحدة بالمغادرة. لكن معظم البلدان ليس لديها مادة في دستورها تحدد كيفية اتخاذ القرار حول ما إذا كانت ستنهي عضوية الاتحاد الأوروبي أو اليورو. ووصف كينيث روجوف، من جامعة هارفارد، اعتماد بريطانيا على استفتاء الأغلبية البسيطة بأنهاء شراكة "الروليت الروسي للجمهوريات" منذ 55 عامًا، لأن الإجراء لم يتضمن الضوابط والتوازنات التي كان ينبغي أن يتطلبها مثل هذا القرار.
وطالما بقيت العضوية في الاتحاد الأوروبي واليورو تحظي بموافقة واسعة النطاق، فإن هذه الاختلافات ستحظى باهتمام الخبراء القانونيين فقط. لم يعد هذا هو الحال الآن، وربما لن ينتهي النقاش حوله على المدى القريب. لذا فقد حان الوقت لجعل التمييز بين الالتزامات الأوروبية الدستورية وغير الدستورية جزءاً واضحا من النظام السياسي لبلداننا.
إن خط الفصل الذي قام به الرئيس الإيطالي صحيح من حيث المبدأ: بما أن العملة المشتركة هي مؤسسة اجتماعية أساسية، وذلك بسبب الروابط مع الدول الشريكة التي تشملها، والعواقب المالية والاقتصادية والجيوسياسية الرئيسية لخروج محتمل، فإن عضوية اليورو يجب أن تنتمي إلى المجال الدستوري. كان من الممكن قبول موقف ماتاريلا بسهولة أكبر لو تم التعبير عنه بوضوح في وقت مبكر. إن حقيقة إعلان قراره فقط عندما اندلع صراع بين الرئاسة وقادة الأغلبية البرلمانية أدى إلى الشك في شرعيته ومنح خصومه الفرصة للمطالبة بالأرضية الأخلاقية العالية.
تتمثل المهمة الأساسية لأوروبا في التوفيق بين حق المواطنين في اتخاذ خيارات جذرية مع ضرورة التأكد من أن القرارات التي تؤدي إلى اضطرابات دستورية تخضع لمشاورات عامة كافية ومدروسة بشكل كافٍ تؤدي إلى تعبير واضح ومتزامن لإرادة الشعب. يجب ألا يكون الاتحاد الأوروبي واليورو بمثابة سجنين دستوريين؛ ولا ينبغي أن يخضعان لقرارات غير مدروسة. يتطلب تحقيق التوازن الصحيح إجراءات تفرض الشرعية اللازمة.

أستاذ في كلية هيرتي للإدارة في برلين، ويشغل حاليا منصب المفوض العام لشؤون التخطيط السياسي للحكومة الفرنسية.