فريد أحمد حسن
كنت قد اتفقت مع بعض الأصدقاء على قضاء عطلة نهاية الأسبوع قبل الفائت في مسقط ، وكدت أتراجع عن اتفاقي لولا إصرار صديقي العماني وإغرائه لي بزيارة دار الأوبرا السلطانية وحضور الأوبرا الكوميدية الشهيرة "إكسير الحب" للموسيقي الإيطالي "جايتانو دونيزيتي" والتي قدمتها فرقة مسرح فينيس من مدينة البندقية . وهكذا كان ، حيث قمت مع بعض الأصدقاء بقضاء يومين سريعين في مسقط حضرنا فيها "إكسير الحب" وأضفنا إلى دهشاتنا الكثيرة الدهشة بمبنى دار الأوبرا السلطانية الذي هو اليوم معلم بارز من معالم السلطنة ومساحة مهمة من مساحات الثقافة في الوطن العربي وأداة جديدة أضيفت إلى أدوات السياحة التي يتسارع نموها في السلطنة التي لا يحتاج زائرها إلى "إكسير الحب" كي يتعلق قلبه بها .
هذا الحدث يجر تلقائيا إلى الحديث عن أهمية السياحة الثقافية أو توظيف الثقافة في السياحة ، في سلطنة عمان وفي مختلف دول مجلس التعاون ، فالسائح وخصوصا الأجنبي يعتبر المعالم الثقافية العنصر الأهم في السياحة ، لذا فإنه يحرص على زيارة المتاحف والأماكن الأثرية وحضور الفعاليات الثقافية كهذه التي تتوفر في دار الأوبرا السلطانية ، دون أن يعني هذا عدم اهتمام السائح العربي والخليجي بهذه الأمور وإن كان لا يزال كثير من العرب والخليجيين منهم على وجه الخصوص يقدمون التسوق على كل شيء . من هنا فإن السؤال المهم هو كيف يمكن للقطاع الخاص في دول مجلس التعاون أن يستثمر في السياحة الثقافية ؟
حسب الويكيبيديا فإن السياحة الثقافية "هي التي يكون الباعث الأساسي عليها الثقافة وزيارة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف والتعرف على الصناعات التقليدية أو أي شكل من أشكال التعبير الفني والحضور في بعض الفعاليات الثقافية مثل المعارض أو المهرجانات" ومع هذا ، يؤكد المعنيون بأن السياحة الثقافية تظل المقوم السياحي غير المتكرر أو المتشابه أو القابل للمنافسة بسبب الخصوصية التي يتيمز بها كل بلد ، كما يهتمون ببيان أن "المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلاد" وأنه لتحقيق ذلك "لابد أن تتوفر مجموعة من الأطر، التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية" والتي منها استحداث المناسبات وإحياء المسالك والدروب القديمة و الوسائط الثقافية والتي يندرج تحتها المعارض والمؤتمرات والعروض المسرحية والمهرجانات والحفلات الموسيقية والفلوكلورية الشعبية وغيرها ، وكل هذه الأطر متوفرة بسخاء في مختلف دول مجلس التعاون وخصوصا سلطنة عمان التي تتمتع إلى جانب كل هذا بالطبيعة ويتوفر فيها كل التضاريس التي تدفع لاختيارها من قبل السياح الأجانب والعرب في مختلف فصول السنة .
هذا يعني باختصار أن كل الظروف مهيأة لنجاح من يعقد العزم على الاستثمار في السياحة ، والسياحة الثقافية على وجه الخصوص ، فليست الدولة وحدها المعنية بهذه المساحة ولكنها متاحة للجميع وبإمكان كل من يستثمر فيها تحقيق النجاح المأمول ، فليست مهرجانات التسوق التي اشتهرت بها مختلف دول مجلس التعاون وحدها القابلة للنجاح ، وليس التسوق وحده ما يغري السائح الأجنبي والعربي والخليجي .
لست وأصدقائي الوحيدين الذين تعنينا لحضور هذا الحدث الثقافي الجميل في دار الأوبرا السلطانية الرائعة في كل شيء ، فهناك الكثيرون ممن تشكل لهم الفاعليات الثقافية أهمية كبرى والدليل هو الأعداد التي حرصت على التواجد في السلطنة بمناسبة معرض الكتاب المقام حاليا ، وتواجدت وتتواجد في مختلف المناسبات الثقافية في دول مجلس التعاون .
لا خوف من الاستثمار في السياحة وفي السياحة الثقافية على وجه الخصوص ، فهذا الباب قادر على جذب السياح من كل مكان ، بل قادر على أن يصير الباب الأول والأهم في السياحة . ليس كل الذين حضروا "إكسير الحب" في تلك الليلة كانوا من المقيمين في السلطنة ، فقد كان بينهم عدد غير قليل من الذين أغرتهم توفر هذه الفاعلية ليقرروا السفر إلى مسقط ، وكان من بينهم أيضا عرب وخليجيون غيرنا .
الحديث هنا عن كل دول مجلس التعاون الخليجي وليس عن سلطنة عمان وحدها ، فكلها تتوفر فيها العوامل المطلوبة لإيجاد سياحة ثقافية تدهش العالم ، وكلها تغري السواح على اختلافهم إلى اختيارها كوجهة للسياحة ، بل واعتبارها الخيار الأول .
ربما حان الوقت أيضا للتفكير بصورة جماعية في توفير العوامل التي تدفع السائح في كل مكان لاختيار دول المجلس دون غيرها واختيارها لتميزها في السياحة الثقافية ، وهذا يتطلب بالطبع التعجيل بمشروع التأشيرة الجماعية التي تتيح للسائح الأجنبي الذي اختار إحدى دول التعاون كي يزور أخواتها ، فمثل هذه الخطوة من شأنها أيضا أن تدفع نحو توفير الكثير من البرامج الثقافية وتدفع نحو مزيد من التنسيق بين دول المجلس .
وجود تنسيق بين الجهات المعنية في حكومات دول المجلس وشركات السفريات وغيرها من الشركات والمؤسسات ذات العلاقة بالسياحة وبالثقافة مثل اتحادات الأدباء والكتاب والمسارح الأهلية من شأنه أن يوفر ما يغري السائح ويدفعه لتقديم الخيار الثقافي عل كل الخيارات الأخرى ويدفعه لاختيار السياحة في دول مجلس التعاون . هذا التنسيق من شأنه أيضا أن يشجع القطاع الخاص على الاستثمار في السياحة ، وفي السياحة الثقافية خصوصا إن حصل على ميزات تستطيع الحكومات توفيرها له ، ولا بأس لو بدأت العملية بالشراكة بين القطاعين ، الخاص والعام ، فراس المال يظل جبانا .
• كاتب بحريني