ديفيد أوين
لقد استمرت الأزمة الإنسانية في سوريا فترة طويلة جدا وهي أزمة مدمرة في أثرها الاجتماعي – في ظل هجرة ضخمة، بعضها مباشرة من سوريا والبعض الآخر من المقيمين في المخيمات الموجودة في
الدول المحيطة بسوريا – لدرجة أننا يمكن أن نفقد الرؤية فيما يتعلق بالأخطار العسكرية التي تهدد الشرق الأوسط الآن.
لقد كان يُخشى منذ زمن طويل في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أن تمتد الأزمة السورية إلى حرب أوسع، ولكن هذه اللحظة أصبحت أقرب الآن مما كانت عليه في أي وقت مضى. إن أي تحليل جاد لبداية كل من الحربين العالميتين الأولى والثانية يكشف أن عدم وضوح الهدف هو أمر في غاية الخطورة.
على الأقل هناك حوار مستمر بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وبالطبع فإنه من الممكن أن يكون حدث كلام بين هذين الوزيرين، أو بين الرئيس أوباما والرئيس بوتين، قد جعل مواطف الأطراف المعنية أوضح مما قد يبدو.
ولكن مع ذلك فإن الوقت قد حان، نظرا لأنه قد تم انتهاك وقف إطلاق النار مرة بعد مرة، لصدور بيان واضح جدا من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن موقفه بدلا من مجرد التبادلات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا. ونستطيع جميعا أن نأمل أن يستمر وقف إطلاق النار الأخير الذي دخل حيز التنفيذ يوم السبت الفائت. ولكن هناك حاجة إلى المزيد من الوضوح.
منذ أن بدأت روسيا للمرة الأولى شن هجمات جوية فوق الأراضي السورية في الثلاثين من سبتمبر، تغير الوضع على الأرض بشكل كبير. فمن السهل أن ننسى أن روسيا كانت ترد على طلب من الرئيس السوري بشار الأسد للمساعدة على إبقاء الروابط الحيوية مفتوحة بين دمشق والبحر الأبيض المتوسط التي كانت مهددة بسبب القتال. من وجهة النظر الروسية، فإن الاستجابة لهذا الطلب هي أمر مشروع، حيث إن روسيا لديها، بدعوة من الحكومة السورية، قواعد بحرية في الأراضي السورية على مدى أكثر من 45 عاما. ولابد من الاعتراف بأن دولا أخرى أعضاء في مجلس الأمن الدولي قد استجابت لمثل تلك الطلبات من دول أخرى في الماضي، زاعمين أن تدخلاتهم العسكرية مشروعة.
لقد أوحى الروس أنهم قادمون أيضا للمساعدة في التعامل مع ما يسمى بتنظيم داعش في سوريا. ولكن سرعان ما بدا واضحا أن استراتيجية الاستهداف الروسية كانت معنية بإمالة ميزان الحرب الأهلية لصالح بشار الأسد أكثر منها بمحاربة داعش. إن القوات الروسية تستخدم الآن الدبابات لاستهداف معاقل المتمردين في حلب وحولها.
وقد قامت المملكة العربية السعودية الآن بنقل طائرات مقاتلة إلى تركيا بهدف تنفيذ ضربات داخل سوريا ووافقت على نشر القوات الخاصة التي سيتم إرسالها إلى سوريا عبر تركيا.
وتوضح تركيا يوما بعد يوم أنها قد تشعر أنه من الضرورة الانتقال من قصف المواقع الكردية داخل سوريا إلى نقل قوات ودبابات إلى داخل سوريا. وفي الوقت نفسه تثار المخاوف بشأن تطبيق تركيا لأحكام المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي في حالة تعرض القوات التركية لهجوم من قبل روسيا أو سوريا.
إن حلف شمال الأطلسي له كل الحق في مطالبة تركيا بتوخي الحذر، فهي عضو في الحلف. ولكن في ظل هذه الظروف، وبعد التدخل الروسي – والذي انكشفت طبيعته بالكامل الآن – من الصعب جدا القول إنه ليس من المعقول أو المنطقي أن تفكر المملكة العربية السعودية وتركيا في تلك الخطوة.
يحتاج حلف شمال الأطلسي إلى اتخاذ موقفين واضحين: أنه لن يصبح متورطا كتحالف في القتال على الأرض في سوريا. وأنه رغم ذلك سيرد على أي هجوم يهدد وحدة أراضي تركيا.
وبدون وضوح بشأن هذين الموضوعين، سيكون هناك خطر تمدد عسكري حقيقي. قد لا يكون هناك شيء يمكن أن يمنع اندلاع حرب إقليمية. فعلى مدى السنوات القليلة الفائتة، ظللت أؤكد أنه من غير الممكن وجود تسوية مقبولة على أساس بلد موحد دون المرور على مرحلة من الفصل الجغرافي حيث يكون هناك فرصة لاستمرار وقف إطلاق النار.
من الصعب للغاية إحداث هذا الانفصال الآن – وقد يقول البعض إنه مستحيل – ما لم يتم فرضه من قبل كل من تركيا والمملكة العربية السعودية وربما الأردن، وكذلك كل من الأسد وروسيا. ومن الأفضل وجود هذا الحل المؤقت بدلا من القتال حتى النهاية التي أصبحا قريبين جدا من رؤيتها.
على كل من كيري ولافروف إعادة النظر، بوصفهما الرئيسين المشتركين لعملية السلام في فيينا، في موضوع الفصل الجغرافي – وهي تقنية مجربة وثبت نجاحها في إنهاء الحروب وإتاحة وقت لسلام مستقر في نهاية المطاف داخل بلد موحد.
وزير للخارجية البريطانية الأسبق من عام 1977 إلى عام 1979.