المقاتلون الأكراد يخلطون أوراق الحرب في سوريا

الحدث الثلاثاء ٠١/مارس/٢٠١٦ ٢٣:١٥ م
المقاتلون الأكراد يخلطون أوراق الحرب في سوريا

نيويورك تايمز - ترجمة: أحمد بدوي

تزدادُ الأزمة السورية استعصاءٍ في ظلِّ تكاثر الفرقاء، وتوسع المعارك لتشمل جبهات متعددةٍ. مواجهات تخوضها أطراف متناقضة، لها حساباتها الخاصة فيما يتعلق بمستقبل سوريا، ومن ذلك القوات الكردية المعروفة بـ "وحدات حماية الشعب الكردي"، التي تتلقى الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسهُ تنسقُ مع روسيا في هجماتها ضد المعارضة السورية المعتدلة والتي تتلقى هي أيضاً دعماً وتمويلاً أمريكيًّا.
وفي ظل هذه المعادلة، تختلط أوراق المعركة ضد داعش، ومكافحة التطرف، إذ أن القوات الكردية هدفها يبتعد عن تلك المعركة عبر توسيع رقعتها الجغرافية لتشملَ أراضٍ ومناطق مختطلة وعربية داخل سوريا، كما أن تحرك "وحدات حماية الشعب" يدفعُ تركيا إلى تغيير أولوياتها في سوريا، نحوَ تأمين حدودها، ومنع أي تواصل بين المتمردين الأكراد السوريين، مع حزب العمال الكردستاني.

الإضرار بمكافحة التطرف
حسن حسن، زميل مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب: "داعش: داخل جيش الإرهاب"، يرى أن دعم الولايات المتحدة غير المشروط للقوات الكردية في سوريا يضر بقضية مكافحة داعش، ويشير إلى أن الصراع السوري تطور في مراحل متعددة، بدءاً من المواجهات الأولى وما أعقبها من مجازر ضد المدنيين، وصولاً إلى اليوم، كانت تلك الأحداث الدموية كفيلة بدفع الناس في كل مرة خطوة نحو التطرف، وربما تكون التطورات الأخيرة في شمال حلب واحدة من تلك المراحل. فالحملة الجوية الروسية المتواصلة، والتي قالت تقارير إنها تستهدف أيضا قوافل الإغاثة والأطباء في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون ما تزال تدك دفاعات المسلحين شمالي حلب، ما يساعد الحكومة السورية في تغيير وجهة الصراع لصالحها للمرة الأولى منذ أكثر من عام. بيد أن فشل واشنطن في الوقوف إلى جانب حلفائها يرسخ سخرية ومرارة عميقة تصب في مصلحة المتطرفين.
وتأخذ واشنطن موقف المتفرج على وجه الخصوص في إدلب وحلب بينما تتعرض فصائل متحالفة مع الولايات المتحدة إلى هجوم عنيف رغما عن الهدنة التي ضغطت الولايات المتحدة على المعارضة للقبول بها في المقام الأول.
ويتابع حسن: الأسوأ من ذلك؛ فالولايات المتحدة لا تبدو قلقة من قيام أحد حلفائها وهو وحدات حماية الشعب الكردي بالتنسيق مع الروس لمحاربة الجماعات الأخرى المتحالفة مع واشنطن. وكما أوردت صحيفة الحياة اللندنية فوحدات حماية الشعب الكردي تعمل مع الأمريكيين في المناطق الكردية شرق نهر الفرات ومع الروس إلى الغرب منه بينما تتوسع في مناطق غير كردية.
وبعد الضغط على المعارضة لحضور محادثات جنيف الشهر الفائت، كان أقل ما يجب أن تفعله واشنطن كبح جماح حلفائها من المقاتلين الأكراد ومنعهم من تشديد الخناق على حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. كما أن التحركات الأخيرة للقوات الكردية قد أثارت سخط تركيا كما أنها تتسبب في اختلاف الاستراتيجي بين البلدين العضوين في حلف شمال الاطلسي.
والمشكلة ليس في دعم القوات الكردية لحماية أو استعادة المناطق الكردية من داعش ولكن المشكلة نشأت عندما بدأت القوات الكردية في استخدام دعم الولايات المتحدة للهيمنة في المناطق غير الكردية أو المناطق المختلطة، وفي مقدمتها الحسكة شمال الرقة وحلب، وذلك كجزء من أجندتها التوسعية لربط الكانتونات الكردية في شمال سوريا. وقد وثقت منظمة العدل الدولية حالات تهجير قسري وهدم منازل العائلات العربية بما يرقى إلى مستوى جرائم حرب ارتكبتها تلك الميليشيات الكردية. وقبل أيام أورد تقرير أن 30 ألف مدني في جنوب الحسكة هربوا بعد تقدم القوات الكردية إلى مناطقهم وذهبوا إلى مناطق تسيطر عليها داعش. والواضح أن الدعم الأمريكي غير المشروط لوحدات حماية الشعب الكردي لا يضر وحسب بالمسلحين، ولكن المفارقة أنه يعقد من مكافحة التطرف في سوريا.

تركيا والمقاتلين الأكراد
أمبيريان زمان، الباحثة في السياسة العامة في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين ومراسل مجلة الإيكونوميست في تركيا منذ 17 عاما، ترى أن على تركيا أن تتوصل إلى اتفاق مع المقاتلين االأكراد لتجنب الصراع في سوريا.
وتضيف: تركيا العضو الرئيسي في حلف الناتو والعضو المشارك في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، تقوم بقصف ما تسميه أهدافا "إرهابية" في سوريا المجاورة، ومن الطبيعي أن نفترض أن تركيا تستهدف المسلحين الذين لا يزالون يسيطرون على جزء يمتد تقريبا إلى 60 ميل على الحدود التركية السورية، غير أن الأمر ليس كذلك. فأنقرة تصوب أسلحتها إلى شريك أمريكا الأكثر حماسا في مكافحة داعش وهم المقاتلين الأكراد. وهذه الأفعال من جانب تركيا تشوه التقدم الذي تحققه الميليشيات الكردية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب على الخطوط الأمامية.
ويصر الرئيس التركي رجب طيب أردوجان على أن الولايات المتحدة يجب أن تختار بين بلاده ووحدات حماية الشعب الكردي قائلا انها تشكل تهديدا لأمن بلاده على الرغم من أن المجموعة لم يسبق لها أن هاجمت تركيا. وتزايد مطالب أردوجان منذ وقوع التفجير الانتحاري في قلب أنقرة في 17 فبراير. ومع أن مجموعة غامضة تطلق على نفسها صقور حرية كردستان أعلنت مسؤوليتها إلا أن تركيا تصر على أن القوات الكردية هي المسؤولة.
ومن جانبها ما تزال واشنطن تقول بأنها ستظل تثق في المقاتلين الأكراد السوريين حتى يثبت خطأهم، وربما كان المديح سيكال لواشنطن على موقفها لولا صمتها على قمع تركيا الوحشي للأكراد في مناطق الأكراد المضطربة في تركيا. ومنذ عام 1984 يحارب حزب العمال الكردستاني من أجل الاستقلال في البداية ثم طلبا للحكم الذاتي، في المنطقة ذات الأغلبية الكردية جنوب شرق تركيا. وعلى الرغم من أن الأهداف الرئيسية لحزب العمال الكردستاني – الموجود على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الارهابية – هو أفراد الأمن التركي إلا أنه يقتل المدنيين أيضا. ويبدو انه كلما طال أمد تعامل تركيا مع المسألة الكردية على أنها موضوع وليس كمواطنين على قدم المساواة، برفض مطالبهم من أجل استقلال سياسي وثقافي، سيتزايد عداء الأكراد بصورة أكبر.
وتشير زمان إلى أن القصف التركي تجاه المقاتلين الأكراد في سوريا يصب في جانب حزب العمال الكردستاني، وفي المقابل فالتضامن الذي يشعر به أكراد سوريا تجاه المتمردين الاكراد في تركيا يجعل من الصعب الإبقاء على تحالف القوات الكردية مع الولايات المتحدة. وعلى واشنطن أن تتوقف عن الاختباء وراء لافتات وأن تقنع تركيا وحزب العمال الكردستاني بوقف إطلاق النار، ودعمها للأكراد السوريين من الممكن أن يتحول إلى عصا وجزرة في آن واحد لحث الجانبين على أخذ خطوات إيجابية، وربما تكون الجبهة المشتركة بين تركيا والولايات المتحدة والأكراد هي أفضل فرصة لهزيمة داعش وتحقيق السلام في المنطقة.

دور واشنطن
أما تشارلز ليستر، زميل مقيم في معهد الشرق الأوسط ومستشار بارز في مبادرة المسار الثاني لسوريا، فيرى أن على واشنطن الضغط على الأكراد لوقف مهاجمة المعارضين السوريين، موضحا: تصاعدت الأزمة السورية مؤخرا وذلك إلى حد كبير بسبب سوء تقدير الولايات المتحدة للحسابات الاستراتيجية وطموحات روسيا وتركيا والمعارضة السورية والقوة الكردية الرئيسية في سوريا (قوات حماية الشعب الكردية). ولم يكن من الصعب التكهن أنه سيأتي اليوم الذي يحول فيه الشريك المفضل للبنتاجون في مكافحة داعش وهي القوى الديمقراطية السورية التي تهيمن على قوات حماية الشعب الكردية، تحول أسلحتها إلى الجيش السوري الحر المدعوم من السي آي ايه لتحقيق أهداف إقليمية خاصة بها، وقد فعلت ذلك تحت غطاء جوي روسي زاد من حجم الجرح والمأساة. وبالمثل كان التدخل التركي ضد ما تعتبره كيان وشيك لدولة يحكمها حزب العمال الكردستاني على طول حدودها الجنوبية غير المستقرة.
ويتابع ليستر على الرغم من أخطائها، يجب على الولايات المتحدة والدولة الشريكة لها تشجيع وقف التصعيد. فمنذ إسقاط طائرة روسية في نوفمبر تظهر تركيا في كثير من الأحيان قدر غير كاف من ضبط النفس في التعامل مع التوتر على حدودها، وعلى الولايات المتحدة أن تقر في الوقت نفسه بالمخاوف الأمنية المشروعة لأنقرة. وفي ظل الدعم الذي تقدمه واشنطن للقوات الكردية إلى حد لم يكن متصورا من قبل، يحق لتركيا الدولة العضو في الناتو أن تتساءل عن الأفعال التي تقوم بها الولايات المتحدة.
ومن المثير للاهتمام أن المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب كان حتى عام سابق يصنف قوات حماية الشعب الكردية كشريك لحزب العمال الكردستاني المصنف أمريكيا أنه تنظيم ارهابي منذ عام 1997 بيد أنه أصبح الآن شريكا لواشنطن في الحرب على داعش.
وعلى الولايات المتحدة أن تطلب من القوات الكردية وقف هجماتها على المعارضة السورية، وإذا ما استمرت تلك الهجمات ربما يندلع صراعا آخر مستعصيا في سوريا كتلك الصراعات المشتعلة حاليا بين المعارضة والحكومة السورية. أما تلك المطالبات الواهنة حاليا لقوات حماية الشعب الكردية بضبط النفس فلا جدوى لها سوى تشجيع روسيا على بناء علاقتها الخاصة المتزايد مع القوات الكردية ومزيد من تقويض جهود الولايات المتحدة. وعلى نطاق أوسع فالقضية الكردية في سوريا تستحق موقفا حازما على جدول الأعمال الدولي، فبينما ظل الاكراد محرومون من حقوقهم من قبل الحكومة السورية، فإن المعارضة السورية ترفض بشدة التمييز العرقي وتضم في داخلها العديد من الأكراد ممن ليسو أعضاء في قوات حماية الشعب الكردية. وتأتي الأعمال العدائية اليوم نتيجة حالة الشك بين القوات الكردية والمعارضة السورية تجاه طموحات كل طرف في مستقبل سوريا. وربما يكون رأب هذا الصدع النفسي هو الطريق الوحيد لضمان معركة ناجحة ضد داعش تكتب لها أي نهاية ما عدا استمرار الحرب بين المليشيات الداخلية.

التوسع لا محاربة داعش
أفق أولوتاس؛ مدير دراسات السياسة الخارجية في مؤسسة سيتا للبحوث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يرى أن قوات حماية الشعب الكردية تبحث عن أرض وليس مجابهة داعش، ويقول في رأيه حول ذلك: طالما ظلت القوات الكردية تضع جل اهتماها في توسيع سيطرتها على الحدود مع تركيا أكثر منه على محاربة داعش ستظل تركيا في حالة مواجهة معها، وإذا كانت الولايات المتحدة ستوقف تسليحها للقوات الكردية ردا على هجماتها ضد تركيا وحلفاء واشنطن حول حلب سيكون تحالفها مع الروس حقيقة لا تقبل جدالا. وهناك مؤشرات قوية بالفعل أن القوات الكردية تقوم بالتنسيق مع القوات الروسية التي تدعم الحكومة السورية. وعلى ضوء الهجوم الإرهابي الأخير في أنقرة من قبل انتحاري دخل من الأراضي التي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية، لن يطول صبر تركيا على تحمل أنشطة القوات الكردية في المناطق التي تخطط تركيا لجعلها خالية من الإرهاب. فأنقرة تسعى إلى إنشاء شريط آمن بطول 90 كم - تسيطر داعش على معظمه في الوقت الحالي بينما تتواجد المعارضة المعتدلة في أجزاء قليلة منه - لإنشاء ملاذ آمن للاجئين السوريين، بيد أن الهجمات الأخيرة للقوات الكردية تستهدف القوات المعتدلة وتقوض خطط تركيا لإنشاء الشريط الآمن.
ويتابع أولوتاس: إلا أنه ما تزال هناك بعض الخطوات للحد من التوترات يمكن للولايات المتحدة أن تبني عليها. فالقوات الكردية يجب أن تتوقف عن مهاجمة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة وأن تنسحب من المناطق التي احتلتها مؤخرا، وعلى واشنطن أن تربط تقديم الدعم إلى القوات الكردية كما فعلت مع المعارضة السورية بالتزام التركيز على داعش. وقد أوردت تقارير أن تركيا والولايات المتحدة وافقتا على أساس العمل على تطهير بقايا داعش إلى خارج المنطقة الحدودية وتكوين نقطة انطلاق لمجابهة معقل داعش في الرقة. وليس ثمة شك أن المعركة طويلة الأجل ضد الجماعات الإرهابية الأخرى تتطلب أكثر مما تستطيع القوات الكردية القيام به، ويجب أن تتم من خلال تحالف دولي يعالج الجذور التي تغذي التطرف.