ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com
يقال أن النجاح لا يقاس بالسنين، بل يقاس بالإنجاز والعمل الدؤوب والإخلاص في العمل والنية لرب العباد قبل العباد. ووحده هو النجاح مقياس التميز والإبداع.
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو مرور خمس سنوات على إنشاء الهيئة العامة لحماية المستهلك... تلك الهيئة الفتية التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات ولكنها سطرت بانجازاتها الواضحة للعيان أروع الإنجازات وباتت معلما حيا بارزا لكل جهة تبحث عن النجاح بل واستقطبت حب جميع أطياف الشـــعب لما قدمته وما زالت تقدمه من نصرة وحماية للمستهلك أينما حل وارتحل في كافة ربوع السلطنة.
بدأ الأمر حينما جاءت الأوامر السامية من لدن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بإنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك من خلال المرسوم السلطاني رقم 26/2011 لتؤكد الاهتمام السامي بالمستهلك لاسيما في إطار حالة الغلاء التي يشدها العالم نتيجة الكوارث المناخية الطبيعية والأزمات السياسية التي أصابت العديد من دول العالم المنتجة للسلع الأساسية إضافة للعوامل الاقتصادية الاخرى المرتبطة بأسعار النفط والصرف وقيود التصدير التي تفرضها بعض الدول المنتجة للسلع الأساسية.
وبإنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك أصبحت السلطنة من الدول القليلة والرائدة التي تنشئ هيئة خاصة تعنى بأمور المستهلك وتهتم بشؤونه وذلك من خلال مراقبة الأسواق والسلع والأسعار على حد سواء والاطلاع على مدى تطبيق القرارات الخاصة بحماية المستهلك والمنظمة لهذا الشأن من قبل الجهات المعنية والعمل على حماية المستهلك من الممارسات غير العادلة والسعي لحل شكاوى المستهلك والمحافظة على حقوقه ونشر الوعي الاستهلاكي لديه وتبصيره بسبل ترشيد الاستهلاك. وهذه أعتقد أنها رسالة واضحة لكل من التجار والمستهلك على حد سواء ليعلم كلا الطرفين كيف سيكون توجه الهيئة وقتها.
والجميل فيما يتعلق بعمل الهيئة أنها ارتكزت على شقين مهمين وأساسيين هما الرقابة على الأسواق فيما بتعلق باستقرار الأسعار ومراقبة حركة السلع والخدمات للتأكد من توفر السلع الأساسية للمواطنين من جانب، وتوعوية المستهلكين في جميع المنافذ الإعلامية الورقية منها والتقنية المسموع منها والمقروء والمشاهد أيضا من خلال التلفاز من جانب آخر، كما لم تغفل كذلك تشجيع المنافسة ومحاربة الغش والاحتكار الذي استفحل ومد جذوره في أعماق الاقتصاد قبل إنشاء الهيئة، ما أضر بالاقتصاد الوطني. واستبشر المواطنون خيرا بهذه المكرمة السلطانية التي جاءت كالغيث وقتها لاسيما في ظل الأوضاع الراهنة خلال تلك الفترة. صحيح أن المواطنين استقبلوا إنشاء الهيئة بنوع من التحفظ ولكنها أثبتت أن للمقام السامي بعد نظر في كل ما يتعلق بالخير لعمان وهذا بالفعل ما حدث فلم تخيب الهيئة الثقة السامية من خلال اكتشافها للكثير والكثير من قضايا تجاوزات الغش والتدليس بل وصارت بعد نجاحها وظهورها الملموس تستقطب العديد من زيارات كبار المسؤولين لها من داخل البلد وخارجه للاطلاع على ما تحويه من نظام مؤسسي رائع يعد مثالا يضرب به المثل للنجاح كما حصلت على الكثير من الجوائز محليا وإقليميا وعالميا. ولا أدل على ذلك من طلب جامعة الدول العربية - وهي معلم بارز غني عن التعريف - الاستفادة من تجربة هيئة حماية المستهلك الرائدة لتكون أشبه بخارطة طريق لها إيمانا منها بفعالية التجربة العمانية ونجاحها خلال فترة زمنية وجيزة للارتقاء إلى مستوى التجارب العالمية الرائدة المتميزة.
إذن، ماذا علينا الآن تجاه واحدة من انجح مؤسساتنا الحكومية دون منازع بشهادة المواطنين انفسهم؟ أعتقد أن استمرار الدعم الحكومي لسياسات الهيئة وتوجهاتها مطلوب في الوقت الحالي لتواصل الهيئة سعيها من نجاح إلى نجاح. وهذا ما سيحسب للحكومة في الأساس. كما أن الدعم الشعبي هنا أيضا مهم من خلال الوقوف مع الهيئة بان يقوم كل فرد هنا بدوره كمستهلك صالح وواع يعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات وان يكون العين الثالثة للهيئة فهي منهم وستبقى لهم.
بقي شيء واحد هنا لا أعلم إن جاز له الذكر في هذا المقام، ولكن سأذكره حتى يتبين للجميع كيف أن الهيئة أصبحت أيضا أنموذجاً في ترشيد الإنفاق وفق الأوضاع الراهنة من خلال إقامتها لحفل بمناسبة مرور خمس سنوات على إنشاء الهيئة بجهود الموظفين أنفسهم وعلى نفقتهم الخاصة. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على حب الموظفين لمؤسستهم وولائهم غير المحدود لها. فهل بعد هذا النجاح من نجاح؟