ناصر اليحمدي
كم شعرت بالفخر وأنا أتجول بين الـ 950 جناحا التي تشغلها 650 دار نشر من 27 دولة عربية وأجنبية في معرض مسقط الدولي للكتاب الحادي والعشرين الذي فتح أبوابه منذ أيام .. فكأنني تزودت بجرعة ثقافية غنية وأنا أتابع عنواين الكتب لأختار ما يناسبني منها والتي احترت أمامها كثيرا فجميعها مميزة ووددت لو أنني أستطيع شراءها كلها ولكن ما باليد حيلة.. فقد اشتريت بما تحمله جيوبي من نقود.
الملاحظ في معرض مسقط الدولي للكتاب أنه في تطور مستمر ففي كل عام تتسع مساحته لكي تستوعب المشاركين الجدد من الأجانب والعرب بالإضافة إلى المناشط والفعاليات التي تتزايد كذلك كل عام عن الذي يسبقه خاصة فيما يتعلق بالطفل.. وهو ما يعني أن المعرض استطاع أن يفرض اسمه بجدارة في قائمة المعارض العربية والعالمية حيث إنه من أفضل عشرة معارض للكتب على مستوى الوطن العربي ومن أبرز ثلاثة معارض على مستوى الخليج كما قال معالي الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام .. كما أنه حاضر بقوة على الساحة الثقافية سواء على المستوى العربي أو الدولي .. وما يدل على ذلك بالإضافة إلى تزايد عدد الدول المشاركة تزايد عدد العناوين المدرجة به والتي تجاوزت ربع المليون عنوان إلى جانب تزايد عدد المشاركين في الفعاليات الثقافية والفكرية والأدبية والفنية المختلفة من المؤسسات والأندية والصالونات الثقافية بالإضافة إلى حرص كثير من الكتاب العرب والخليجيين على تنظيم حفلات توقيع لكتبهم في معرض مسقط حيث إن مثل هذه المعارض أصبحت تكتسب أهمية خاصة كونها تتيح اللقاء المباشر بين الكاتب والقارئ.
اللافت للنظر أن الكتاب العماني حاضر بقوة في المعرض حيث تزايدت أعداد الإصدارات الأدبية العمانية إلى جانب البحوث والدراسات المتخصصة والعشرات من العناوين الجديدة التي لم تنشر من قبل والتي لاقت رواجا كبيرا وهذا يعني أن الحراك الثقافي في السلطنة يشهد تقدما ونشاطا ملحوظا وأن باستطاعته المنافسة عربيا وإقليميا ودوليا.
من يتجول في معرض مسقط للكتاب يلاحظ جهدا ملموسا من خلال حسن التنظيم والخدمات المقدمة للجماهير رغم الكم الكبير من دور النشر والكتب المعروضة .. ويكفي أن خدمة الانترنت متوافرة بالمعرض بحيث يستطيع الباحث عن كتاب معين أن يتعرف على مكانه فور الولوج إلى موقع المعرض من هاتفه الذكي.
الطريف أن افتتاح المعرض تزامن مع الاحتفال العالمي بيوم المعلم وربما هذه المصادفة تترجم دور الكاتب في توجيه القراء وتوضح مدى تأثير كتاباته على تكوين شخصية القارئ وتوجيه أفكاره ومنحه خبرته وتجربته التي يصبها في كتبه.
إن من يزور معرض مسقط للكتاب يشعر بأنه وسط مهرجان ثقافي ثري حيث يجد تنوعا ثقافيا كبيرا من خلال الكتب التي تنتمي لبيئات وبلدان عديدة تحكي كل منها ما تحتويه هذه الدول من تراث وإبداعات وثقافة .. وعندما يتجول الإنسان بين هذه الكتب يشعر كأنه زار هذه البلاد وتعرف على عاداتها وفكرها ومعالمها.
إذا كان معرض الكتاب فرصة ذهبية لالتقاء الكاتب بالقارئ فإنه كذلك فرصة ذهبية لجمع شمل الأسرة وتقوية التواصل بين الزوجين وأبنائهما خاصة بعدما خطفت مشاغل الحياة كل فرد في الأسرة عن محيطه الدافئ .. وبالتالي فإن اصطحاب الأب لزوجته وأبنائه لزيارة المعرض والاستمتاع بما فيه من فعاليات ترضي كافة الأذواق وتناسب كل الأعمار يؤدي إلى تجديد العلاقة بينهم.
لاشك أن المشهد الثقافي في حاجة ماسة لمثل هذه الفعاليات الأدبية خاصة مع تزايد النشر الإلكتروني مقابل تقلص الورقي .. فالتكنولوجيا الحديثة زرعت الكسل في نفوس القارئ عندما سهلت عليه تصفح الكتاب بمجرد ضغط الزر وأصبح يستطيع أن يطلع على أي كتاب وهو في أبهى حلة وتصاحبه الصور المتحركة والموسيقى أحيانا.. لذلك فإن هذه المعارض تعيد للكتاب الورقي مكانته التي بدأ يفقدها وتثبت أقدامه على الساحة الثقافية من جديد.. كما أن هذه الملتقيات الثقافية تشجع دور النشر على التنافس لإنتاج ما هو أفضل وأكثر من الكتب وهو ما يثري الساحة الثقافية وينشط حركة الإبداع والترجمة.
إن القراءة ليست نوعا من الترف بل هي واجب وفرض على كل مسلم حيث إن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم كانت "إقرأ" وهذا أكبر دليل على أهمية القراءة في حياة الإنسان .. فهي غذاء الروح ومفتاح المعرفة وأساس تكوين الشخصية والتفكير والموجه الأساسي للسلوكيات والمكون الرئيسي لتنمية العقول لذلك يجب أن يحرص كل أب على أن يكتسب أطفالة موهبة القراءة عن طريق تشجيعهم وتقديم القدوة أمامهم واصطحابهم لمعرض الكتاب وغير ذلك مما ينمي لديهم حب القراءة والحرص على المداومة عليها.
نقدم كل التحية للقائمين على معرض مسقط الدولي للكتاب على ما قدموه من جهد ملموس حتى يخرج في هذه الحلة البهية .. فقد استطاع المعرض أن يكون عامل جذب سياحي هام للمثقفين الذين يسعون للوقوف على أحدث الإصدارات على الساحة .. وللجمهور الذي يحرص على متابعة الفعاليات والمناشط المختلفة التي تقدم له المعلومة وترتقي بعقليته.. وندعو الله أن تتوالى نجاحات المعرض على مر السنين وأن ترتفع مبيعات كل دار نشر وأن يتزود الزائر بالمعرفة التي يبحث عنها.
* * *
معتقل غوانتنامو مذبحة للقيم والقوانين الدولية
قبل أن يدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض للمرة الأولى كان من ضمن شعاراته الدعائية لحملته الانتخابية للفترة الرئاسية الأولى تعهده بإغلاق معتقل غوانتنامو خلال عام واحد من توليه قيادة البلاد .. ولكن نظرا للمعارضة القوية من بعض نواب الكونغرس وكبار السياسيين لم يتمكن أوباما من تنفيذ وعده ، وهاهو على مشارف الانتهاء من الفترة الرئاسية الثانية ولم يستطع حتى الآن من تحقيق حلمه إلا أنه يبدو أن هذا الأمر يشغل باله فبدأ مؤخرا إعداد خطة لإغلاق المعتقل وترحيل السجناء إلى بلادهم وعرض هذه الخطة على الكونغرس .. إلا أنه من المتوقع أن تقابل بالرفض كالمعتاد لأنه يريد أن ينقل السجناء الخطرين إلى سجون أخرى على الأراضي الأمريكية وهو ما قوبل من قبل بمعارضة شديدة في الأوساط الأمريكية.
لقد اعتبر أوباما أن هذا السجن "أداة لتجنيد الإرهابيين" وهذا حقيقي حيث إن ما يرتكبه الضباط والسجانون من انتهاكات في حق السجناء تربي فيهم قسوة القلب والعنف إلى جانب أن المخابرات تستغل البعض منهم وتوجهه لتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق تريد استهدافها وإبعاد الشبهة عنها .. كذلك من الأسباب التي يريد أوباما إغلاق المعتقل بسببها هو التكلفة المادية الباهظة التي ترهق الميزانية الأمريكية المتهالكة حيث يكبد الدولة مئات ملايين الدولارات تنفق على حوالي ألفي سجين عسكري ومدني في حين لا تعود عليها بأي منفعة.
أرسلت أمريكا بالفعل 50 سجينا إلى بلادهم الأصلية ووزعت 94 سجينا آخر على 26 دولة أخرى اثنان منهم سيحاكمون في إيطاليا كما ذكرت الحكومة ذلك .. كما أنه من المتوقع أن يتم نقل 35 محتجزا إلى دول أخرى هذا العام ليظل العدد المتبقي بالمعتقل أقل من 60 سجينا نصفهم يمنيو الجنسية.
لاشك أن هذا المعتقل الذي أنشأه جورج بوش الابن عام 2002 في جزيرة كوبا لاعتقال المشبوهين في إطار الحرب على الإرهاب التي أعلنها إثر اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ليس مجرد معتقل مخالف للقانون بل هو مذبحة للقيم وللقوانين وللإنسانية بصورة غير مسبوقة وهو حالة رهيبة بشعة تجاوزت سائر ما سواها من حالات التعسف والإجرام الاستبدادي الدولي في تاريخ البشرية وسجّل ويسجّل ما لا ينقطع من الانتهاكات الفاضحة للمواثيق والأعراف البشرية ومع العلاقات العالمية والقانون الدولي وقوانين السلم والحرب ويتنافى مع الديمقراطية الغربية وشعاراتها وقيمها.
حتى المدافعون في الغرب عن السياسات الأمريكية عموما يعتبرون قضية غوانتنامو "محرجة" ويتمنون لو اقتصر المعتقل على أناس ثبتت عليهم تهمة الإرهاب أصلا ولا أحد يستطيع أن يؤكد ذلك.
على الكونغرس أن يرضخ لرغبة أوباما ويحقق له أمنيته قبل مغادرة البيت الأبيض لأنه كلما طال اعتقال هؤلاء الرجال في هذا السجن اللاإنساني ستتأثر سمعة الولايات المتحدة سلبا أكثر فأكثر لأن معتقل "غوانتنامو" يشكل إهانة للعدالة الدولية ولحقوق الإنسان وللقانون الدولي.
* * *
آخر كلام
سُئل سقراط ذات مرة: لماذا اختاروك أحكم الحكماء في اليونان ؟
أجاب قائلاً: ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف شيئاً على الإطلاق.