علي بن راشد المطاعني
لمكاتب المحاسبة دور حيوي كبير في إظهار البيانات والحسابات الختامية للشركات، والأرباح والخسائر، وكشف الملابسات المالية، وتدقيق الحسابات وغيرها من المهام ذات الأهمية للشركات والمؤسسات، إلا أن هذه المهام والقيم ومبادئ العمل التي يفترض أن تعمل على أساسها هذه المكاتب بدأت تتهاوى تحت سيطرة الأموال، والإغراءات المادية من هذه الشركة أو تلك، فهذه المكاتب حسب النظم والقوانين المعمول بها في السلطنة يتم تعيينها من خلال الجمعيات العمومية في الاجتماعات العادية السنوية وفق عروض أسعار تتقدم بها هذه الشركات، إلا أن هذا التعيين لا يغدو إلا أن يكون شكليا، ومجرد إجراء إداري وقانوني يمرر من خلال الجمعية، في حين أن اللاعب الرئيسي في اختيار مدقق الحسابات هو إدارة الشركة بشكل فعلي، حتى مجالس الإدارات التي تقدم هذه المكاتب تقاريرها وملاحظاتها لها لا تعدو إلا أن تكون تحصيل حاصل لما قدمته للإدارات التنفيذية، وأن ما تقدمه لمجالس الإدارات والجمعيات العمومية من تقارير، تكتب في نهايتها (تم التدقيق على الحسابات وأنها تتوافق مع المعايير المحاسبية الدولية)، كذر للرماد في العيون من أجل تمرير تقارير يعتريها النقصان تارة والتهاون مع الإدارة التنفيذية تارة أخرى، الأمر الذي يطرح سؤالاً: من يحاسب مكاتب المحاسبة على إخفاقاتها وممارساتها ومن يقيم أعمالها وأداءها؟
لا أحد يستطيع أن يسيَر شركة أو جمعية أيًّا كان مستواها بدون إجراءات محاسبية معروفة، بل لا يمكن لشركة أن تقدر إيراداتها ومصروفاتها وأرباحها وخسائرها إلا من خلال شركات محاسبة تقوم بذلك وتراقب حساباتها ومدى توافقها مع النظام المحاسبي من عدمه، وتقوم بتوجيه الإدارة إلى المبادئ المحاسبية الدقيقة، إلا أن بعض هذه المكاتب بدأت تحيد عن هذا الخط خاصة في شركات المساهمة العامة التي يتزايد فيها أعداد المساهمين، فبعضها تجد مجالًا لتمرير الحسابات وفق ما تراه الإدارة التنفيذية، وليس من الجهات المراقبة والتدقيق للأسف وهو ما يتنافى مع العمل الدقيق لهذه المكاتب. إن بعض ممارسات مكاتب المحاسبة المتمثلة في عدم إيضاح الحقائق في الشركات وإهمال الكثير من الجوانب في النظم المحاسبية في وضع بعض الفواتير ضمن بنود غير صحيحة يعطي صورة غير دقيقة للمصروفات والإنفاق، بل تدمج بعض مكاتب المحاسبة المصروفات المتباينة في بنود واحدة مما يواري الحقائق حول الإنفاق أو توجيهه بشكل غير صحيح للإيحاء بارتفاع بعض البنود وإظهار خلاف ما هو في الواقع.
وتمارس بعض مكاتب المحاسبة دوراً غير إيجابي أو أخلاقي في إظهار الشركات بأنها تحقق خسائر، على عكس الحقيقة وذلك للتهرب من الضرائب المفروضة على الشركات خاصة المساهمة المقفلة ومحدودية المسؤولية وغيرها، وهو ما يعد وصمة عار في جبين الشركات من أجل حفنة من الريالات تمنحها بعض الإدارات وأرباب العمل للأسف غير مدركين بأنهم يمارسون أخطاء فادحة في حق الوطن، بل يحتاج ذلك إلى تجريم هذه الشركات وكشفها لما تمثله هذه الممارسات من خطورة على مستقبل الاقتصاد وإضعاف الإيرادات الضريبية.
ويشهد الربع الأول من كل عام عقد اجتماعات الجمعيات العمومية للشركات المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية، التي تستمع إلى تقارير أداء الشركات، وتقدم شركات المحاسبة أمام الجمعيات العمومية شهاداتها على مطابقة المعايير المحاسبية لأداء الشركات وأوضاعها المالية لمعايير المحاسبية الدولية، لكن للأسف لا تشهد الجمعيات العمومية مناقشات مستفيضة لهذه التقارير، وما يعتريها من إخفاقات مهنية.
إن شركات المحاسبة تعتمد على التجديد لها على الإدارات التنفيذية للأسف، فلا مجالس الإدارات ولا الجمعيات العمومية تمارس دورها في اختيار شركات المحاسبة، وتعتمد على تزكية الإدارات التنفيذية، فكيف يمكن أن تكون العلاقة إذا كانت المصلحة مع إدارة الشركة، بل ستكون المراقبة والتدقيق على من يمنحها العمل أصلا.
إن الأخلاقيات المهنية ليست في مجالات عمل بعينها كالطب والتعليم وغيرها، وإنما حتى في المحاسبة التي يجب أن يمارسها المختصون وفق المبادئ والقيم التي تنظم مثل هذه المهنة كغيرها من المهن وأهميتها لا تقل عن غيرها، فأي ممارسة غير إيجابية تعدو إخلالًا بهذه القيم النبيلة.
بالطبع لا يمكن تعميم ذلك على كل مكاتب المحاسبة فمنها من يؤدي دوراً إيجابياً في صناعة قيم المحاسبة وإيضاح الحقيقة في أداء الشركات ومدى تطابق أدائها المحاسبي مع النظم المعمول بها، وحوكمة الشركات، إلا أن أداء هذه الشركات التي تراقب يحتاج إلى مراقبة، فلا يخلو أداؤها من عدة إخفاقات تحتاج إلى تقييم دقيق.
نأمل أن تعمل هذه المكاتب بما يرضي الله وتسهم في إيضاح الحقائق في الشركات وإعطاء صورة ناصعة لأداء الشركات المالية والتدقيق على بياناتها المالية بمهنية عالية يسهم في تصحيح الأوضاع ويطور العمل بما يتواكب مع المتطلبات المحاسبية.