احمد المرشد
لفترة طويلة في حياتنا غاب مصطلح "الحرب العالمية" ، إلا أنه عاد فجأة مع دخول روسيا علي خط الأزمة السورية وبدء عملياتها العسكرية هناك، ورأينا كيف ارتفعت نذر الحرب ليس فقط علي المستوي السوري، وإنما تعدتها علي خلفية اسقاط تركيا لمقاتلة روسيا قالت إنها اخترقت الأجواء التركية رغم تحذيرها، ثم رأينا كيف ارتفع الجدل الروسي - الأمريكي أيضا بسبب اتهامات متبادلة بقصف مواقع مسالمة وليست إرهابية، وأخيرا الخلاف بين واشنطن وموسكو حول تعريف جماعات المعارضة السورية، فما تراه أمريكا معارضة تنظر له روسيا علي أنهم إرهابيون يستحقون القصف والقتل.
الجدل لن ينتهي، وكذلك الحرب، تلك الحرب الخبيثة التي تأكل الأخضر واليابس في سوريا ولن يتبقي منها سوي أشلاء وقتلي وأرض جدباء لن تجد من يسكنها ويعيش فيها خاصة بعد وفاة أكثر من ربع مليون سوري في هذه الحرب التي تحصد الأرواح بصورة يومية في حرب مدمرة ينظر فيها كل طرف لمصلحته فقط وغابت معها حياة السوريين الأبرياء.. ومن كثرة القتلي والمشردين والمصابين واللاجئين ، بات تعبير أو مصطلح "الحرب العالمية الثالثة" يطلق ربما بصورة يومية. فالساحة السورية أصبحت مكانا للحرب بين القوي الإقليمية والدولية. ثم المثير للدهشة عندما تعلن السعودية مساعدتها في التدخل بريا في سوريا لانقاذ الشعب السوري من براثن حكامه ونظامه القاتل، تخرج قيادات عسكرية روسية برد غريب مفاده، أن التدخل السعودي ينذر باندلاع الحرب العالمية الثالثة، ليأتي هذا المصطلح هذه المرة من قيادات عسكرية وليس فقط محللين سياسيين يضعون سيناريوهات متعددة لواقع غير واضح المعالم.
ولعلنا نتساءل:"هل حقا تنذر التطورات السورية حاليا باندلاع هذه الحرب؟ لتكون المنطقة العربية ساحة لها، أم هي مجرد تحليلات سياسية وعسكرية من قبيل تضخيم الأمور..نقول هذا ونحن نتمني أن تنجح الهدنة التي توصلت اليها القوي الدولية وقبلتها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وجماعات معارضة مسلحة تبدأ اعتبارا من اليوم السبت . ولكن ثمة مؤشرات سيئة بسبب استثناء بعض جماعات المعارضة من هذه الهدنة التي يتطلب نجاحها مشاركة الجميع فيها من أجل الحفاظ علي وحدة سوريا . ليس هذا فقط، فاستمرار العمليات العسكرية الروسية مع مواصلة الدعم الأجنبي للمعارضة المسلحة قد يدمر الاتفاق.
عموما، العبرة دائما بالتصرفات علي الأرض، لنتبين ما إذا كانت الهدنة ستتماسك ، فالبرهان سيظهر في الأفعال التي ستحدث في الأيام القادمة. وربما كان هناك خيارات أخري لخطة بديلة قد تشمل عملا عسكريا هذه المرة تمهيدا للإسراع في انتقال سياسي في سوريا يطيح بالرئيس بشار الأسد.. وهذا بالضبط ما يتحدث عنه الأمريكيون وعلي رأسهم جون كيري وزير الخارجية الأمريكي. وربما نستخلص هذا من مجمل حديثه لأعضاء مجلس الشيوخ وتحذيره ضمنا لبشار الأسد من الإبطاء في اتخاذ بعض القرارات الحقيقية بشأن تشكيل عملية حكم انتقالي حقيقية. إذا لم يحدث هذا – يقول كيري - فهناك بالتأكيد خيارات لخطة بديلة قيد الدراسة.
وبغض النظر عن تحذيرات كيري، فإن أي تأخير في التوصل الي منتج حقيقي يتمثل في تشكيل عملية حكم انتقالي حقيقية خلال فترة وجيزة، ستكون سوريا والمنطقة في وضع خطر ، لتكون الحرب في هذه الحالة هي الأصل والسلام هو الاستثناء، لتضيع سوريا نهائيا . ومن المؤشرات السيئة التي تجعلنا نتجه الي هذا التحليل ، استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة من اتفاق الهدنة المشار إليه ، الأمر الذي يمنح للنظام السوري الذريعة لمواصلة عملياته العسكرية بدعم روسي.
حتي أن الحكومة السورية ترفض مبدئيا تعبير "وقف اطلاق النار" حيث يعترض الأسد على هذا مصطلح إذ يعتبره أمرا واقعا يحدث بين الجيوش أو الدول، وليس بين دولة و"إرهابيين". وعرض بدلا من ذلك "وقف الأعمال القتالية". وتتفاقم المشكلة داخل الأطراف السورية ذاتها، فإذا كانت الحكومة السورية هددت بحق قواتها المسلحة بالرد على أي خرق تقوم به الجماعات المعارضة ضد المواطنين السوريين أو ضد قواتها المسلحة..فإن المعارضة العسكرية السورية أعلنت موافقتها على المساعي الدولية مع تحذيرها – هي الأخري – بأن قبول الهدنة مشروط بإنهاء الحصار المفروض على مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإفراج عن معتقلين ووقف الضربات الجوية ضد المدنيين. وزادت المعارضة بأنها تتشكك في نوايا نظام دمشق ولا تتوقع أن يوقف الأسد أو روسيا أو إيران الأعمال القتالية.
اتذكر في هذا المقام ما بثته شبكة "سي إن إن" الإخبارية قبل فترة وتحديدا عقب تفجيرات باريس الإرهابية واسقاط تركيا المقاتلة الروسية، حيث أكد تقريرها أن ما يجري في سوريا هو بدايات الحرب العالمية الثالثة ، لأن الصراع تحول في هذه البقعة لدوامة عالمية للعنف وفجوة سوداء تبتلع كل الصراعات الآخرى. ونقلت "سي إن إن" عن البابا فرانسيس قوله " الهجمات الإرهابية كانت جزءا من حرب عالمية ثالثة تتشكل، لكن الحرب فى سوريا نفسها هى التى تتحول إلى الحرب العالمية الجديدة لهذا القرن".
وبغض النظر عن هذا التقرير "السوداوي" ، فإن ما نراه في الواقع أن الصراع السوري قد أصبح دوامة عالمية ، فعدد المتنازعين يزداد، وكذلك تتضاعف نزاعاته نفسها، الأمر الذي يشعل الصراع فى المنطقة ليكون الشرق الأوسط هو مركز وبؤرة الخطر. فالأسلحة بكافة أنواعها تأتي إليه من كل حدب وصوب، والمسلحون – سواء لداعش أو النصرة أو لغيرهما - يأتون أيضا ليضيفوا بنزينا للنار. والنتيجة الفعلية للحرب وكل هذه الامدادات العسكرية والبشرية ، غياب عامل الاستقرار والأمان والأمن في المنطقة ، ليشهد الشرق الأوسط صراعا متعدد الأوجه ، صراع بين متطرفين وأكثر تطرفا، صراعا يريد أن يسمي نفسه صراعا مذهبيا وطائفيا وعرقيا ، لكنه يمتد ليكون صراعا بين قوي عالمية ذات مصالح وأهداف متضاربة. كل هذا بدأ لتحقيق هدف واحد وهو الاطاحة بالأسد، لتتعدد الأهداف لاحقا وليضيع الهدف الأول أو الأهم، فاستمر الأسد ليدعم صفوفه بامدادات روسية ضخمة – عسكريا ولوجستنا وماليا – مدعوما بدعم إيراني تاريخي لا يتزحزح حتي وإن توقع البعض تراجع دعم طهران لدمشق علي خلفية التدخل الروسي لحماية الأسد، فهذا أمر صعب التصديق، نظرا للعلاقات التاريخية أيضا بين موسكو وطهران .
اجمالا..المنطقة أصبحت علي شفا حرب حقيقية حتي وإن لم تكن "حرب عالمية ثالثة"، رغم أن القوتين العظميين يشاركان فيها ويدعمان طرفين علي النقيض، ولكنها ستكون الحرب المدمرة التي قد تقضي علي الشرق الأوسط بأكمله، لأنها "الحرب بالوكالة" ، فالروس وهم يغرقون في المستنقع السوري لن يخرجوا صفر اليدين، فهم يريدون موطئ قدم في منطقة المياه الدافئة أي قلب سوريا وتعويض ما فاتهم في ليبيا، والروس أيضا لن يخاطروا بالأموال الإيرانية التي تمول عملياتهم فوق الأراضي السورية، ناهيك عن التجارب العملية لأسلحتهم هناك..وكذلك الأمريكان الذين لن يتركوا المنطقة بدون تحقيق أمانيهم، وعلي رأسها الاطاحة بنظام الأسد حتي وإن رضخوا نوعا ما للمطلب الروسي بأهمية الابقاء علي الرئيس السوري مؤقتا.
كاتب ومحلل سياسي بحريني