عنف أطفال المدارس .. "الموت" نهاية مؤلمة لبعض الحالات

7 أيام الخميس ٢٥/فبراير/٢٠١٦ ١٨:٢٢ م

تحقيق: ليلى بنت حمد العامرية

تكثر مشاكل العنف والعدائية لدى طلاب وطالبات المدارس إلا أنها تزداد بشكل أكبر لدى الأولاد، ويرجع البعض أسباب العنف النابع من بعض الطلبة إلى التربية الاسرية والمنزلية وإلى نشأة الطفل نفسه إلا أن علماء الاجتماع اكدوا أن عدائية الطفل سلوكية وتنشأ بشكل فطري وهي غريزة لدى البعض إلا أن هناك بعض العوامل التي تساعد على توسعها وتأصلها في نفس الفرد أو الطفل وهي التربية الأسرية وظروف الحياة العامة التي يعيشها الطفل في منزله ومع أفراد أسرته.
حيث يؤكد الطبيب النفسي كينيث شور في كتابه "حل مشكلات الانضباط في المرحلة الابتدائية" أن الطالب الذي يسبب القلق والخوف لزملائه يستحق الاهتمام، لأن سلوكه يدل على أنه طفل مثقل بالمشكلات، ما يجعله منبوذاً بين أقرانه، الأمر الذي قد يزيد من عدائيته.
عداء سلوكي
يصبح العداء السلوكي لدى الأطفال دافعا للتعامل مع الأطفال الآخرين بطرق تميل إلى الكراهية أحيانا حيث يلجأ الأطفال الذين يتسمون بعداء سلوكي إلى استخدام وسائل كالضرب والسب والشتم والسخرية من زملائهم وتصبح هذه العادة ملازمة لهذه الفئة على مدى مراحل حياتهم، إلا أن إهمال الحديث عن هذه الظاهرة وإهمال إيجاد الحلول لها من قبل الجهات المختصة -المتمثلة في التربويين ووزارة التربية والتعليم نفسها- يؤدي إلى وجود حالات من الاعتداء العنيف بين الطلاب أدت إلى نهايات مأساوية كالموت على سبيل المثال في بعض الحالات مثل الحالة التي حدثت مؤخرا في إحدى مدارس السلطنة.
فبعد حدوث حالة مثل هذه -حتى وإن كانت نادرة الحدوث- فإنها تعد مؤشرا خطيرا يجب أن ندق من خلاله ناقوس الخطر حتى لا تحدث حالات مشابهة في الأيام المقبلة خاصة وأن حالات العنف بين الأطفال ليست وليدة اليوم بل هي مشكلة متأصلة منذ عقود مضت، ناهيك عن أن الكثير من الحالات -منذ أعوام طويلة- كانت عبارة عن إصابات متفاوتة بين البسيطة والمتوسطة أحيانا شهدتها معظم مدارس المرحلة الابتدائية في السلطنة منذ سنوات فائتة وحتى اليوم.
عوامل نفسية
زادت مشكلة العنف بين أطفال المدارس خاصة –المرحلة الابتدائية- في الآونة الأخيرة حيث ازدادت العوامل المسببة لها مثل الضغوط النفسية الراجعة لأسباب كثيرة أهمها التفكك الأسري وغياب الراقبة الأسرية وإهمال التربية الأساسية، يليها غياب دور المعلم الذي يقع عليه دور التربية وتهذيب اخلاق الطلبة حيث يجب أن تكون لديه طرق لحل المشاكل بين الطلبة ومحاولة فهم الأسباب المحيطة بها دون التحيز إلى جهة مع محاولة حل المشكلة وعدم إهمالها كي لا تتراكم وتكبر بعد ذلك.
يبدأ العنف بين طلاب المدارس بالألفاظ البذيأة ويصل إلى حد المشاجرات العنيفة واستخدام ادوات حادة قد تؤدي إلى إصابات بسيطة أو بليغة قد تصل إلى حد القتل أحيانا، لذلك تتطلب هذه المشكلة تدخلا سريعا لإيجاد طرق أو مناهج تربوية تضاف إلى مقرارات الحلقة الأولى من تعليم المرحلة الابتدائية تعالج الجانب النفسي والسلوكي لدى الطالب وتجعله محيطا بابعاد السلوكيات العدائية التي يمارسها بعضهم مع الآخرين.
التربية الأسرية
لا شك أن الأسرة تلعب دورا كبيرا في تربية الطفل منذ نشأته مما يحدد مسار واتجاه سلوك الطفل بعد ذلك، حيث إن التربية السليمة والصحيحة تنتج نشءا صالحا كما أن الاهتمام بالطفل ومنحه كافة احتياجاته -وعلى رأسها الحب والحنان وبعدها المتطلبات المادية- يعد أهم مقومات التربية الصحيحة.
من ناحية أخرى نؤكد أن المغالاة في الحب إلى درجة وصول الطفل إلى مرحلة "الدلع والعناد" من شأنها أن تجعل من الطفل عدائي السلوك والطبع.
ونتطرق هنا إلى آراء بعض أولياء الأمور التي ترجح معظمها التدخل السريع للجهات المختصة المتمثلة في وزارة التربية والتعليم لتضييق المشكلة ومحاولة استئصالها واجتثاثها جذريا خوفا من وقوع ضحايا جدد من أطفال أبرياء كل ذنبهم أنهم سابقوا شروق شمس يوم جديد للالتحاق بمقطورة العلم والنهل من معارفها حيث جاء رأي أم سارة على النحو التالي: في الواقع هي معاناة يعيشها بعض الآباء والامهات حيث يجدون من يضايق أطفالهم ويحاول أن يتبع معهم أسلوب العداء فهناك الكثير من الأطفال "المتنمرين" الذين يتسمون بالعدوانية والسلوك السيء أحيانا، وقد واجهت مثل هذه المواقف حينما كان ابني "ليث" في الصف الثاني الابتدائي فكان زميله في الفصل يضايقه كثيرا ويتعدى عليه وحينما يعلم ابني المعلمة تكتفي بتوبيخ الطفل المعتدي دونما اتخاذ أي إجراء آخر كمحاولة إخطار أهله واحضارهم إلى المدرسة للتحدث معهم في شؤون ابنهم وسلوكه العدائي، فكان تهاونا منها في الواقع، وقد قمت بالذهاب إلى المدرسة بعد تكرار شكوى ابني من معاملة زميله له وأخبرت مديرة المدرسة التي بدورها أرشدتني إلى الأخصائية الاجتماعية في المدرسة التي قامت بمناقشة الأمر معي واكتفت بأن تستدعي الطالب وتحاول نصحه وإصلاح الأمر بين الطفلين فكانت ردة فعله أنه ابتسم وصافح ابني في ذلك الوقت بعدما امرته الأخصائية الاجتماعية بذلك، لكن بعد أسبوع فقط جاءني اتصال من المدرسة يفيد بأن ابني وقع على الأرض وكسرت يده ولما ذهبت إلى المركز الصحي أحالنا إلى إحدى المستشفيات لأن عظمة يده كسرت وكان لابد من وضع الجبس عليها فأخذته إلى المستشفى وبعد أن عدنا اعترف لي ابني بأن زميله من دفعه بقوة حتى وقع واصطدم بالدرج فما كان مني إلا أن توجهت إلى المدرسة في اليوم التالي وطلبت استدعاء والدة الطفل للتفاهم معها وفعلا تم استدعاؤها وهنا علمنا من والدته أن الطفل يعاني من سلوك عدائي حتى في المنزل وأن ما يقوم به في المدرسة تجاه ابني وباقي الأطفال هو يقوم به أيضا مع اخوته في المنزل، لذا قمت بمحاولة استجداء عطف المديرة لكي تقوم بنقل ابني من فصله إلى فصل آخر خوفا من أي سلوك عدائي آخر يمارسه زميله ضده خاصة وأن ابني بدأ يكره الذهاب إلى المدرسة وبالفعل تم نقل طفلي إلى فصل آخر بعيدا عن زميله وانتهت المشكلة.
نظرة سطحية
أما بالنسبة لزيانة المفرجية معلمة حلقة أولى بإحدى المدارس الحكومية فهي ترى أن مسألة العنف بين الطلاب -خاصة في المرحلة الابتدائية- هي مشكلة في ازدياد، وتؤكد المفرجية قائلة: في الواقع أجد أن أسباب هذه الظاهرة هي الطريقة غير الصحيحة في تربية الأبناء منزليا فهناك الكثير من الأطفال الذين يقومون بمثل هذه السلوكيات العدائية بسبب الحاجة الماسة من قبل الطالب للفت الانتباه له وهو بذلك يحاول أن يكسب عددا كبيرا من الأطفال الذين يتبعونه أو يصبحون تحت سيطرته وزعامته، أما بعضهم فيقوم بذلك نتيجة فقد الحب والعاطفة في المنزل فيلجأون إلى تفريغ عواطفهم بطريقة سلبية تجاه زملائهم، والفئة الثالثة هي فئة دكتاتورية وهم الأطفال الذين يغدق أهلوهم عليهم العاطفة الزائدة عن الحد ويلبون كل متطلباتهم دون تردد ويتركونهم يمارسون سلطة التمرد منزليا دون أن يقوموا بمعالجة المشكلة حيث أذكر مرة رد لإحدى الأمهات كان ابنها عدائيا جدا في المدرسة وكان يتعمد ضرب زملائه والتعدي عليهم لفظيا وحينما استنكرت ما يقوم به قالت لي بكل بساطة وبلهجتها الدراجة: "خليه بيطلع رجال"، ومن وجهة نظري كوني معلمة أرى أن النظرة السطحية من قبل أولياء الأمور لتصرفات أبنائهم التي تتصف بالرعونة أو العدائية هي نتاج التربية الخاطئة لهم، كما قاتل هذه المرأة أيضا إن ابنها في المنزل ينادى بلقب "البوس" أو الزعيم بين إخوانه لذلك هو حاد في طباعه وتعامله معهم، وقد أغاظني ردها ووصفها لابنها واطلاق الضحكات التي تنبئ عن فخرها بما يفعله فعل.
إذن فإن كانت هناك نماذج مثل هذه الفئة من اولياء الأمور لماذا لا تكون هناك وسائل توعية حقيقية تنبع من المجتمع تدعمها جهات حكومية أو حتى خاصة أو جهات خيرية حتى لا تصبح هذه المشكلة ظاهرة تؤدي إلى عواقب وخيمة في المستقبل؟
من جهة أخرى يرى عزان بن مسلم الوردي أن العنف بين الأطفال له الكثير من العوامل والأسباب إلا أن اعتبار هذه المشكلة مشكلة كبرى أمر هام يجب أن يحظى باهتمام المسؤولين والمشرفين والقائمين بوزارة التربية والتعليم بالمقام الأول ثم العاملين بالسلك التربوي وأولياء امور الطلبة أنفسهم.
ويضيف عزان: أرى أنه بمجرد وجود حالة وفاة واحدة كان لا بد من وجود حالة استنفار قصوى، وباعتبار أن هذه المشكلة ظاهرة على مستوى العالم وفي جميع المدارس الحكومية والخاصة في جميع البلدان كان يجب أن تصبح قضية هامة يوضع حولها سياج منيع وتطوق بكل احكام، فهؤلاء في النهاية أطفال ولا يمكن محاسبتهم ومعاقبتهم كعقاب المجرم ولكن هناك خطوات وحلول ينبغي من أصحاب القرار اتخاذها.