حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
آراء عديدة تطرح يوميا في الصحافة العالمية عن رغبة بريطانيا بالخروج من منظومة الاتحاد الاروربي أو بقائها في هذا التكتل الاوروبي الذي انضمت إليه في عام 1973. لقد تأخرت بريطانيا في بداية الأمر من الانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1957، عكس عدة دول أوروبية أخرى كألمانيا وأيطاليا وبلجيكا وفرنسا ولوكسمبورج وهولندا التي انضمت إلى تلك الجماعة، فيما فشلت محاولات بريطانيا لاحقا في الستينيات من القرن الماضي بالانصمام وتلقت معارضة من بعض الدول خلال عامي 1963 و1967، نيتجة رفض الفرنسيين بقيادة شارل ديجول هم الذين بضم بريطانيا. اليوم نرى أن هناك محاولات وبقوة تؤكد مجددا رغبة معظم الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد، بينما تغير توجه الحكومة بالبقاء في هذا الكيان الذي يضم 28 دولة.
لقد جاءت دعوة الانسحاب من الاتحاد الاوروبي عندما أعلن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى عقب نجاحه فى الانتخابات العامة الأخيرة عن رغبته فى إعادة التفاوض على شروط ووضع بريطانيا فى الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال إجراء استفتاء في العام المقبل 2017، في الوقت الذي يرى غالبية الشعب البريطاني بأن تحقيق الانسحاب سيكون في صالح دولتهم واقتصادهم. وهذا لا يعني بعدم وجود معارضة لآراء ورغبات أولئك الذين ينادون بالانسحاب، والأمر أصبح اليوم يميل إلى البقاء في دول الاتحاد الاوروبي، خاصة بعدما حصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من بروكسل مؤخرا على "الوضع الخاص" الذي كان يطالب به لبلاده. لكن أصبح الموضوع شاقا وصعبا باقناع البريطانيين بالتصويت من أجل بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء الذي سيعلن عن تاريخه يوم السبت المقبل. ولإقناع الرأي العام كتب كاميرون في حسابه على تويتر مؤخرا "المملكة المتحدة ستكون أقوى وأكثر أمانا وازدهارا في الاتحاد الأوروبي، وأصلح نظاما، بعدما انتزع من شركائه الاوروبيين الـ28 اتفاقا في القمة التي عقدت ببروكسل أخيرا.
تاريخ الاستفتاء حول بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد قد تم تحديده يوم 23 من شهر يونيو المقبل، وكاميرون أصبح اليوم يود البقاء مؤكدا في حديثه بأنه سيخوض حملة عاطفية بجميع جوارحه لاقناع الشعب البريطاني بالبقاء في الاتحاد الاوروبي المعدل، في الوقت الذي تشير النتائج الحديثة أن نسبة عدد البريطانيين المؤيدين للخروج من الاتحاد تخطى 53% مقابل 47% في شهر يناير من الشهر الماضي وفق نتئج استطلاع للرأي أجراه معهد "سورفيشن"، بينما أصبح عدد من وزارء بريطانيا يميلون إلى الخروج من الاتحاد، في الوقت الذي أصبح كاميرون يواجه فعلا معارضة قوية من المشككين في جدوى البقاء، حيث اشار زعيم حزب الاستقلال البريطاني (يوكيب) نايجل فاراج المعادي لأوروبا والمعادي للهجرة في حديثه مؤكدا ضرورة مغادرة الاتحاد الاوروبي والسيطرة على حدود الدولة والتوقف عن منح 55 مليون جنيه استرليني يوميا لبروكسل. مثل هؤلاء الاشخاص يدعون إلى الاستقلال نتيجة لوجود الكثير من الكفاءات ببريطانيا التي يرونها ستكون أفضل حالا اذا ما خرجت من الاتحاد الاوروبي، بينما يرى بعض المسؤولين الآخرين بأن المفاوضات المكثفة يوم الجمعة الماضي نتجت عنها تعزيز الوضع الخاص لبريطانيا داخل الاتحاد الاوروبي. لكن هذا لا يعني كما أشار إليه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حصول بريطانيا على استثناءات من القواعد الاوروبية، موضحا أنه "ليس هناك مراجعة مقررة للمعاهدات وحق فيتو للمملكة المتحدة على منطقة اليورو، وهو ما كان في غاية الاهمية بنظر فرنسا، فيما اعتبرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل "إنها تسوية عادلة لم تكن سهلة بالنسبة لنا حول كل المشكلات" لافتة الى ان شركاء كاميرون لم يقدموا الكثير من التنازلات. ومن هنا سيبقى المجتمع السياسى البريطاني وداعمي البقاء والخروج منقسمين حول هذا الأمر لحين الوضول بنتائج الاستفتاء المقبل. فبريطانيا تود استعادة بعض السلطات التى تخلت عنها للاتحاد الأوروبي، بما فى ذلك تحديد ساعات العمل، والاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية وتبادل المجرمين، وأخيرا وهو الأهم خوف بريطانيا من سيطرة دول منطقة اليورو الـ ١٧ على مجريات اتخاذ القرار فى الاتحاد الأوروبي. كما أن قضية الهجرة تعتبر مصدر قلق رئيسيا لبريطانيا حيث ترى بريطانيا عدم مقدرتها على منع مهاجرى الاتحاد الأوروبى من دخول البلاد تحت مبدأ حرية الحركة بين أعضاء الاتحاد. وتظهر بعض الأرقام الرسمية السابقة أن ٢٢٨ ألفا من مواطني الاتحاد الأوروبى دخلوا بريطانيا بحلول يونيو عام ٢٠١٤، وهذا العدد يعد أكثر بمرتين من وعد كاميرون بعدد سنوى أقل من ١٠٠ ألف بحلول مايو من العام الماضي ٢٠١٥. أما الثمن الاقتصادي الذي ستدفعه بريطانيا في حالة الخروج هو خسارتها الكبيرة للنفاذ إلى الأسواق الأوروبية، حيث كشفت نتائج دراسة في هذا الشأن عن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيكلفها خسائر تقدر بنحو ٢٢٤ مليار جنيه استرليني، فى حين ستتكبد دول أخرى خسائر طفيفة إذا قررت الانسحاب، وهذا ما سيجعل بريطانيا مرغمة على إعادة التفاوض حول بعض الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى، واضطراها إلى مراجعة الكثير من التشريعات التى أقرتها لتنفيذ قرارات على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيشكل عبئا اقتصاديا كبيرا يصعب التكهن بتكاليفه. وهناك الكثير من القضايا المعلقة بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي فيما يتعلق بموضوع أزمة الديون الأوروبية، وحقوق الإنسان وبعض التشريعات. فهل سيشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى انتصارا لها أم خسارة للشعب البريطاني؟