يعدّ كتمان الأسرار من أهم عوامل زرع الثقة بين الناس، كما أنها تكسب صاحبها احترام الآخرين له، وقد قيل: إن كتمان الأسرار يدل على جواهر الرجال، كما أنه لا خير في آنية لا تمسك ما فيها، فلا خير في إنسان لا يمسك سره.
وثمة بعض من البشر قد لا يعرف شيئاً اسمه الكتمان، فإذا تكلّم أفشى سره وسر غيره، وألقاه في أفواه الرجال، وربما أفضى بما ينبغي أن يكون خفياً، لا يألو بالاً بالعواقب، فكل ما في جعبته مذاع، معتبراً نفسه «كتاباً مفتوحاً»، ولكن ما هكذا تُفتح الكتب ولا هي تلك الصفحات التي يستحب نشرها، وبالتالي سيلحق بنفسه الضرر قد يمتد ضرره ربما أيضاً للآخرين ولو بحسن نية.
وعلى ذلك فإن لكل وظيفة سواء أكانت حكومية أو في الشركات والمؤسسات الخاصة أسراراً معيّنة، وهذه الأسرار قد تتعلق بعمل الوظيفة نفسها أو بعمل الجهة أو المؤسسة التي يعمل بها الموظف أو بأحد رؤسائه أو بالمراجعين أو المتعاملين مع الجهة، وبالتالي عليه ألا يفشي بسر من أسرار هذه الوظائف أو تسريب معلومة من المعلومات الخاصة بها، وألا يتحدّث في المجالس العامة أو الخاصة التي تجمعه مع أصدقائه عن تلك المعلومات أو الأسرار التي يطّلع عليها بحكم وظيفته لأن هذا الإفشاء للمعلومات أو الأسرار فضلاً عن كونه يضر بالمصلحة العامة إن كانت الوظيفة عامة، أو بالشركة أو المؤسسة إن كانت الوظيفة خاصة، فإنه يشكّل في حقه جريمة جنائية ومخالفة تأديبية طبقاً للقانون، حيث أوضحت المادة (164) من قانون الجزاء العُماني: يعاقب الموظف بالسجن حتى ثلاث سنوات أو بغرامة من عشرين إلى مئتي ريال عماني أذا أفشى بدون سبب شرعي سراً يعلمه بحكم وظيفته.
وللموظف الذي يفشي سراً من أسرار الوظيفة العامة لا يمنع مساءلته إدارياً عن طريق الجهة الإدارية بحسب ما نظّمه قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية من خلال المجالس التأديبية، أما إذا كان عاملاً في إحدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص فقد أكّدت المادة (40) من قانون العمل العُماني، أنه يحق لصاحب العمل فصل العامل دون سبق إخطاره وبدون مكافأة نهاية الخدمة إذا أفشى الأسرار الخاصة بالمنشأة الذي يعمل فيها.
وتقتضي الأمانة الوظيفية المحافظة على أسرار العمل فهي من مقتضيات الوفاء بالعقود التي عقدها الموظف مع الجهة التي وظفته ليرعى مصالحها كما يرعى مصالح نفسه وأسرته، وقال الله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) «الإسراء:34»، وقال تعالى أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) «المائدة:1»، فالعهود والعقود كل منهما يسأل صاحبه عن الوفاء به، فإن وفَّى فله الثواب الجزيل، وإن لم يفعل فعليه الإثم العظيم.
وللمحافظة على الأسرار دور فعال وكبير في نجاح أعمال أي مؤسسة أو شركة، وعندما يتعاقد موظف مع أي جهة ما بمحض إرادته، فهو يعلم أنه يجب أن يتحّمل الأمانة والمسؤولية الأخلاقية والدينية تجاه وظيفته ومهماته التي أوكلت إليه، ويتوجب عليه القيام بمقتضى هذه الأمانة والمسؤولية، والحفاظ على أسرار الوظيفة، فحفظ أسرار العمل دليل على قيمة المرء وخلقه وقوة شخصيته، ووفائه بالعهد، وقيامه بالأمانة التي يجب حفظها، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) «المؤمنون:8».
وعليه فمن الضرورة بمكان المحافظة على أسرار الوظيفة التي تعدّ من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الموظف مهما كانت الوظيفة التي يشغلها، وهو ما يعني أن الموظف في حالة قيامه بإفشاء أي من المعلومات أو الأسرار المتعلقة بوظيفته لمن ليست له علاقة بها أو ليس له الحق في الاطلاع عليها، يعتبر قد ارتكب مخالفة تتطلب إحالته للتحقيق، ومن ثم توقيع العقوبة المناسبة عليه، وذلك من أجل زجره حتى لا يعود إلى مثل هذا التصرّف، وكذلك ردع غيره من القيام بإفشاء أسرار الوظائف التي يشغلونها.
ختاماً، يجب على الموظف ألا ينقل ما يحدث في الجهة التي يعمل بها مهما كان الأمر من إشكالات أو معوقات قد تعتري في بعض الأحيان أو خصومات بين المسؤولين أو الموظفين، بل إن الواجب عليه ألا يفشي بها حتى لا يقع في المساءلة القانونية، وفي مغبة خيانة الأمانة أو إثارة البلبلة. كما أن عليه أن يلتزم بما يصدر إليه من تعليمات، وإن كان ما صدر إليه من تعليمات يخالف رأيه في الموضوع الذي صدرت بشأنه التعليمات.
وقال عز وجل في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) «الأنفال:27».