علي المطاعني يكتب: واي فاي غير مرخّص!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٦/يوليو/٢٠٢٥ ١٠:١٣ ص
علي المطاعني يكتب: واي فاي غير مرخّص!

مجالات التحايل لم ولن تتوقف أبدًا إزاء تجاوزها الأنظمة والقوانين بل تسلك طرقًا عدة للوصول إلى ضحاياها، يحدث ذلك عند توظيف التكنولوجيا الحديثة وتطورها بنحو إجرامي يؤثر على أمن المجتمعات ويخدش حياءها.

ويتجلى ذلك من خلال إساءة استخدام خدمة الاتصالات عبر الانترنت والمرخصة لأفراد أو لجهات اعتبارية وحدهم دون سواهم بناء على شروط الخدمة، وبنحو قانوني بعد التعاقد مع الشركات ذات الصلة. غير أن البعض يقررون الالتفاف على شروط الاستخدام وبيع الخدمة المتوافرة لهم وحدهم لجيرانهم أو أصدقائهم من خلال إنشاء شبكات اتصالات عشوائية سهلة الاختراق يتم بموجبها استقبال الخدمة لدى هؤلاء الضحايا، وبصورة غير قانونية متجاوزين كل الأطر والتشريعات المنظمة لهذه الخدمات، وعبرها يتم انتهاك خصوصيات الناس الذين يتعاملون مع هذه الشبكات العشوائية غير الخاضعة للسياج الأمني والجدر النارية التي توفرها الشركات لمشتركيها الملتزمين، ثم بعد ذلك تنكشف أسرار المتعاملين مع هذه الشبكات وتغدو خصوصياتهم وأسرارهم العائلية معروضة بالمجان في الشوارع والأزقة الإلكترونية، فتقع كوارث ونكبات اجتماعية فادحة العواقب وشديدة الخطر على الأمن والسلم الاجتماعي.

 الأمر الذي يتطلب الوعي بماهية هذه الممارسات الخاطئة والحدّ منها بل والإبلاغ الفوري عنها كجزء من الجهود التي تبذل لحماية الفرد والمجتمع من تبعات هذه الجرائم والمخالفات القانونية والأخلاقية التي تتستّر وراء هذه الأفعال المشينة.

بلا شك إنه وفي ظل التوسع في استخدام خدمات الإنترنت والاعتماد عليها في كل مناحي الحياة اليومية والطلب المتزايد عليها، أصبح البعض يلجأ إلى استغلالها بشكل غير ملائم لجني الأرباح بعد بيع الخدمة لاسلكيًّا وعشوائيًّا وتحت الطاولات لآخرين وبغير وجه حق، وهو تصرف ينتهك كل القوانين ذات الصلة لأنه تصرف في خدمة عامة يعود ريعها لخزينة الدولة. وعبر هذا التعدّي مكتمل الأركان على المال العام يتم حجب الريع العائد للدولة وتوجيهه لمنفعتهم الخاصة وهو جنحة تندرج تحت هذا البند.

وقد استطالت وتفرّعت وأزهرت وأينعت هذه الممارسات اغير قانونية عندما نجد أن بعض أصحاب المباني والبنايات أو مستأجريها أو من يعمل على إعادة التأجير يقدم عروضًا مغرية للإيجار، تتمثل في تقديم باقات ذات شذى وأريج من خدمة الانترنت عبر الواي فاي المجاني لكل من يستأجر منهم، وبالطبع هذا كله وجميعه سرقة في سرقة، واحتيال في احتيال، ونصب في نصب، بغير خجل أو حياء.

 أما البعض الآخر فينصّب نفسه شركة قائمة بذاتها ولكن في الظلام وإلى الظلام، فيعمد إلى تشطير وتقسيم الخدمة عبر أجهزة تقوية واشتراكات جماعية وبيع حزم شهرية دون رسوم ثابتة أو قل برسوم مزاجية وبغير عقود واضحة أو حتى ضمانات تكفل للمستخدمين الخصوصية، وفي الواقع لا خصوصية هنا إطلاقًا وهذا ما لا يقولونه للمغرّر بهم الذين يعتقدون وهمًا أنهم حصلوا على خدمة انترنت على مدار الساعة وبأسعار مغرية، وبالطبع هم لا يعلمون أنهم باتوا يمشون عراة في كل شوارع العالم الإلكترونية.

إن خدمات الاتصالات والإنترنت الشرعية والقانونية متوافرة للجميع وبأسعار تنافسية ومتاحة للجميع مثل غيرها من الخدمات العامة التي يكون فيها المستخدم هو المسؤول الأول عن استخدمه واستهلاكه، وبالتالي فإن المسألة لا تستحق كل هذه المغامرات وخيمة العواقب.

جديرٌ بالذكر ولفائدة الذين لا يعلمون إن الجهات المختصة بالشركات الموفرة للخدمة تملك إمكانات إلكترونية متقدمة تتيح لها تتبع المخالفين وضبطهم، وبالتالي لا ينبغي للمخالفين الاعتقاد ولو للحظة أنهم في مأمن وأنهم أذكياء بقدر ما يتيح لهم استغفال وخداع الشركات، وقد آن الأوان للتخلص منه، فالتمسك به يعني الإصرار على دخول السجن من أوسع أبوابه وليس ثمة تفسير آخر، وبالفعل بدأت الجهات المختصة حملاتها لضبط المخالفين لتستقبلهم السجون بما يليق بهم من حفاوة وترحيب.

بالطبع الجهود المبذولة لتطوير قطاع الاتصالات في البلاد ماضية لتحقيق أهدافها النبيلة وأصبحت تغطي كل بقعة في البلاد، وهناك جهات تنظيميّة وجهات مشرفة ومراقبة دائمة، وأخرى مقدّمة للخدمات كمنظومة متكاملة تعمل بانسجام في النهوض بقطاع الاتصالات، وفي المقابل لا يجب على أولئك الإساءة لهذا القطاع الطموح عبر الممارسات المشار إليها.

نأمل أن تكلّل الجهود المبذولة للارتقاء بهذا القطاع الحيويّ بالنجاح والتوفيق تحقيقًا لتطلعات الجميع، وفي المقابل ردع كل من تسوّل له نفسه إساءة خدمة عامة بأشدّ العقوبات المتاحة، فهذه الخدمات ملكٌ للدولة ولا يجب أن نسمح بالتعدّي عليها من خلال ممارسات تتنافى مع الدِّين والأعراف والقوانين.

علي بن راشد المطاعني