وهم الإعلام.. المحايد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٥/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٣٥ ص
وهم الإعلام.. المحايد

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

قد يبدو مفهوم الإعلام المحايد مجرد نكتة في أزمنة الاصطفاف الأيديولوجي والسياسي حيث تبدو المواقف وفق ما يراه «الممول» لا وجهة نظر أي صحفي في المؤسسة الإعلامية، والذي عليه إما أن يرحل أو أن يسير إلى حيث يجد تيارا يسير معه لا ضده.

هناك مؤسسات (في شتى أصقاع العالم) قد تكون مستقلة عن «الرأي الحكومي الرسمي» لكن لها خطها الأيديولوجي الذي تتبعه، ولا تحيد عنه، لكن من المهم الإشارة إلى أن بينها من يترك مجالا للرأي المخالف، عكس ثقافتنا العربية التي ترفع شعار أن تكون معي أو أنك خارج القطيع، فاذهب إلى الراعي الذي تحب!
وارتبط الإعلام العربي المهاجر بالسؤال المباشر: من الممول؟ السعودية أم صدام حسين أم القذافي، وغيرها من الأسماء المطروحة في عالم الإعلام الذي لا يمكنه أن يمول نفسه دون الشيكات الموقّعة من مراكز صنع قرار تحتاج إلى صوت إعلامي يسوّق سياساتها الخارجية أكثر من الداخلية، ويدافع عنها في عواصم القرار العالمي، وبمثابة دوائر علاقات عامة لتمرير أفكار وتوصيل مواقف، وغيرها مما يجدر بالإعلام المدفوع القيام به.
قبل نحو 15 سنة جمعتني جلسة مع أحد كبار الناشرين لصحيفة عربية دولية تحدث عن خسائر سنوية تفوق الـ 25 مليون دولار، لكنه «يدفع» لاستمرار صحيفته كي لا تتوقف، مكررا القول إنه في سبيل حيادية الصحيفة يدفع ثمنا، ومع ذلك لم تكن محايدة إلا فيما يسير وفق التيار، لا يتعارض معه.. التيار الأيديولوجي بمستوياته السياسية والاقتصادية الذي تتبعه بلاده.
في ندوة أقيمت مؤخرا ضمن أسبوع التقارب والوئام الإنساني شدني جلوس متحدثين بجوار بعض، مع المسافة الفكرية الفاصلة بين الاثنين، لكن مسقط قادرة أن تجمع الأضداد صحفيا كما تجمعهما سياسيا.. كان غسان بن جدو يدافع عن قناته «الميادين» وعلاقتها بالمال الإيراني كونها تحمل ذات التوجهات، بينما وزير الإعلام الكويتي السابق د. سعد بن طفلة يتداخل بأسلوب أقرب إلى المشاغبة بما يدفع بن جدّو إلى إعلاء الصوت على أنه لم يتسلم دعما من طهران، وليس لديه مانع أن يتسلم، وإذا تسلم فسيعلن ذلك!!
لم تعد المجاهرة شرا مستطيرا كأنه الفضيحة بل موقفا واضحا، أن يعلنها المرء صراحة: أنا منحاز، وجاهز لقبول المال من طهران أو من أية عاصمة أخرى، كما يمكن لأصحاب المواقف المغايرة أن يعلنوها.
في زمن المزايدات السياسية تصبح الأبواق كأنها فعل الضرورة، حتى أن الصحفي الشهير عبدالباري عطوان رأى أن السلطنة تحتاج لإعلام له قوة الصوت العالي بحيث يسمعه الآخرون، كأنما المسألة، حقا، مزايدة على مواقف، ومن لديه الصوت الأعلى سيمتلك قدرة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من «الآذان».
لكن.. يبقى الزمن ماضيا في تحولاته، المنابر المحسوبة على الإعلام العربي الدولي أو المهاجر يخفت صوتها لصالح إعلام يصل إلى عيني كل مواطن، بلا كلفة ولا تكلف، ومعرفة تبعية كل منصة إعلامية سهل لدرجة أن جملة غسان بن جدو أمام الملأ لا تكتسب مفاجأة ما دام أنه من المتعارف عليه.. إذا بقيت إعلاما محايدا ومنصفا فسيكون مصيرك الإفلاس.. والعودة إلى البيت محفوفا بقضايا مالية لا تكف عن إعلاء صوتها في المحاكم.