الـدوام الـمـرن تعزيز لـ «الإنتاجية» وتمكين لـ «الموظف»

بلادنا الخميس ٢٨/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٢:١١ ص
الـدوام الـمـرن

تعزيز لـ «الإنتاجية» وتمكين لـ «الموظف»

مسقط- سعيد الهاشمي

يعزز مقترح «نظام الدوام المرن»، وفق توقعات مسؤولين ومختصين، إنتاجية الموظف في القطاعين العام والخاص، ويقدم نموذجاً إدارياً أكثر فعالية من السائد في المؤسسات على مختلف أنشطتها.

ويسهم مقترح النظام، الذي أقره مجلس الشورى أخيراً، في «تمكين الموظف» وفق معادلة «الأجر بمقدار العمل»، وبما يتيح «إيجاد فرص عمل» جديدة، تنشأ نتيجة لتطبيق النظام حال إقراره.

«نظام الدوام المرن»، الذي قدمه إلى مجلس الشورى سعادة محمد بن سليمان الكندي، لا زال في طور الإعداد، إذ أعاده المجلس إلى «لجنة الشباب والموارد البشرية» لتفصيله وصياغته النهائية، وذلك توطئة لرفعه -قريباً- إلى الحكومة لاتخاذ الإجراء اللازم بشأنه.
وقال عضو مجلس الشورى سعادة محمد بن سليمان الكندي، مُقدّم مقترح النظام: إن «الدوام المرن سينظم العلاقة بين الموظف والمؤسسة بشكل أكثر فعالية، وبما يمكنه من العمل لساعات محددة، وبأجر يتناسب وساعات عمله».
وبين الكندي، في حديث لـ «الشبيبة»، أن «النظام المعمول به لا يمنح الموظف هامشاً في الأذونات الساعيّة، ويخيّره بين العمل بدوام كامل، أو أخذ إجازة من دون راتب، وهو ما يعالجه مقترح النظام الجديد، الذي يتيح وظائف تتوافق ساعاتها مع احتياجات وإمكانات الموظف».
ولفت عضو مجلس الشورى أن «الدوام المرن يستدعي تنظيماً داخل المؤسسة، كمنح المسؤول المباشر صلاحيات أوسع، تمكنه من تقدير احتياجات العمل وإيجاد معادلة متوازنة بين الموظف والمؤسسة لا تخل بإنتاجية المؤسسة وسلاسة عملها».
ويضمن نظام الدوام المرن -وفق الكندي- حق جميع أطراف العملية الإنتاجية، ويتيح للمؤسسة تحقيق وفورات مالية وإيجاد فرص عمل جزئية جديدة، فضلا عما يحققه على صعيد بيئة العمل الإيجابية.
بيئة عمل محفزة وضرب الكندي مثلاً الموظفة حديثة الولادة، التي تضطر إلى أخذ إجازة دون راتب للعناية بمولودها رغم حاجتها للراتب، بينما سيمكنها النظام الجديد -حال إقراره- من العمل لساعات محددة تتناسب وظروفها الخاصة.
ورأى الكندي أن «الدوام المرن سيوفر بيئة عمل محفزة، الأمر الذي سيلقي بأثره على إنتاجية الموظف، ويحسن من أدائه الوظيفي».
وتعاني مختلف المؤسسات من ظواهر «الإذن المتكرر والمتعدد»، التي ترتب اختلالات في الأداء الوظيفي، ما يستدعي إيجاد حلول تنظيمية وقانونية قادرة على ضبط الإيقاع المؤسسي دونما قسر أو إجبار.
وتتفق عضو مجلس الدولة المكرمة م. ناشئة بنت سعود الخروصية مع فحوى «نظام الدوام المرن»، وترى أنه يشكّل استجابة لاحتياجات أطراف العمل، لافتة إلى تعدد تسميات هذا النوع من العمل، كنظام عدم التفرغ أو نظام العمل الجزئي أو الدوام المرن.
مقاربة وبينت الخروصية أن «مقترح النظام يمنح الموظفين فرصة العمل ساعات أقل، بدلاً من إجبارهم على العمل لـ 8 ساعات، ويسمح لهم باختيار عدد ساعات العمل المناسبة لهم».
وتقدم الخروصية مقاربة عقلانية لتطبيقات النظام المرن، وتقول إن «إنتاجية الموظف العربي، ذكراً كان أم أنثى، قليلة نسبياً، ومن الجيد أن يصار إلى تشغيله خلال الساعات التي ينتج فيها، ليأخذ مقابلها أجرة».
وتتوقع عضو مجلس الدولة أن يسهم النظام في «زيادة إقبال الباحثين عن عمل على هذا النوع من الوظائف الجزئية، بدلا من الانتظار في المنزل، وبتالي سيتمكنون من بناء خبراتهم الوظيفية والاستفادة مما تعلموه في مراحلهم الدراسية المختلفة».
ويشكل «الدوام المرن» -بحسب الخروصية- «فرصة» للمتقاعدين من ذوي الدخل المنخفض، إذ يمكنهم من إيجاد وظائف تتناسب وقدراتهم العمل لساعات محددة.
وذات اتجاه تقف أخصائية العمل الاجتماعي أ. أسماء عامر الصواعية، الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة السلطان قابوس، وتقول: «الدوام المرن هو أن يكيّف الموظف ساعات العمل وفقا لظروفه الاجتماعية، بحيث يكون العمل بنفس عدد الساعات والمهام المطلوبة منه وفق النظام المتبع في مؤسسة العمل».
وبينت الصواعية، في حديث لـ «الشبيبة»، أن «الدوام المرن قد يتخذ أشكالاً عدة، كأن تطول فترة العمل في المؤسسة، من حيث بداية الدوام ونهايته، أو تقصر وفق تقسيمات زمنية ووظيفية، وعبر تحديد مهام محددة وواضحة للموظف ينجزها الموظف خلال ساعات دوامه».
واعتبرت أستاذة علم الاجتماع أن «الأسرة العربية عموماً، والعُمانية خصوصاً، شهدت تحولاً كبيراً بعد خروج المرأة إلى سوق العمل، وصاحب ذلك اختلالات على صعيد الأسرة والأبناء، بينما يسمح النظام المرن بتجاوزها».
ونبهت الصواعية إلى أهمية «الدوام المرن» في زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل، وذلك عبر توفير بيئات عمل قادرة على التجاوب مع احتياجاتها بوصفها إمرأة، خاصة لجهة الأعباء الأسرية الملقاة على عاتقها. ودعت الصواعية إلى «دراسة تجارب الدول الأخرى في الدوام المرن، واستخلاص منافعها وتعظيمها، وتجاوز سلبياتها، وصولاً إلى تطوير النظام المقترح بنسخة تتناسب والاحتياجات الوطنية العُمانية».

مفاهيم جديدة

وفي سياق موازٍ، قال الأكاديمي والكاتب د. رجب بن علي العويسي، المختص في قضايا التعليم والتنمية والتطوير المؤسسي، إن «التحولات الحاصلة في فقه العمل المؤسسي، والقراءات الجديدة لدلالة مفهوم الإنتاجية، أدت إلى تشكّل وعي جديد لمفهوم ساعات العمل الرسمية». وزاد العويسي -شارحاً- المفاهيم الجديدة لا ترتبط بعدد الساعات بقدر ارتباطها بنوعية وحجم المنجز، ومستوى جودته، وبعيداً عن فاقد العمليات المتكررة، التي تثقل كاهل المؤسسات، وتبدد وقتها. ورأى العويسي أن «الدوام المرن مقاربة تراعي طبيعة بعض الوظائف والمهن وظروف القائمين عليها، وتفتح الباب للأعمال في أوقات أخرى تمتد حتى المساء، وضمن نظام مؤسسي محدد، يلتزم معايير الأداء، ويكتسب صفته الاعتبارية عبر التشريعات النافذة والقوانين المُنظّمة».

وتسمح أنظمة الدوام المرن -المطبقة في العديد من الدول- لمتلقي الخدمة، أو «المراجعين، إنجاز غاياتهم خلال ساعات تتناسب وظروفهم».
وينبه العويسي، الذي ينحاز لصالح «الدوام المرن»، إلى «ضرورات التنظيم والتقنين، والبناء على الإيجابيات ومعالجة السلبيات، حال الأخذ بالنظام»، مبيناً أن الأمر بحاجة إلى «مزيد من الوعي والضبط»، و«إيجاد ثقافة عمل قادرة على استيعاب ذلك».