شجاعة الفتاة.. والاعتراف بالخطأ فضيلة..

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
شجاعة الفتاة.. والاعتراف بالخطأ فضيلة..

بقدر ما صدمت الأوساط المحلية بمجازفتها ومخاطرتها عند قيادة سيارتها بسرعة وصلت لـ 200 كم /‏‏‏ ساعة، وما يمثله ذلك من خطر عليها وعلى مرتادي الطريق، ثم تصويرها لنفسها وتسجيله في مقطع وبثه في سناب شات وما لبث أن تم تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي والتعاطي معه بالسلب، وما صاحب ذلك من موجة من الاندهاش المندد بهذا الخطأ الفادح.

إلا أنه وسرعان ما قلبت الفتاة العشرينية المعادلة رأسًا على عقب لصالحها عندما اعتذرت في مقطع مصور بث كذلك في مواقع التواصل وتفاعل معه الكثيرون معجبون بشجاعتها المتمثلة في إقدامها على الاعتذار على ما بدر منها مجسدة بذلك المقولة (جل من لا يُخطئ) لكن بالاعتذار مسحت الخطأ عن بكرة أبيه.

فهذا الموقف يكتنز بالكثير من الدروس والمواعظ خاصة لفئة الشباب.
وأول المواعظ المستلهمة تكمن في ضرورة مراجعة الذات بكل شجاعة، وهذا ما جسدته الفتاة واقعيًا عبر سلوك حميد ينبغي أن يُحتذى.
فتجربة قيادة مركبة بهذه السرعة القاتلة والتراجع والاعتذار درس بليغ، لم يستوعبه البعض بالتوعية المباشرة طوال السنوات الفائتة بمخاطر السرعة وما تؤدي إليه من مهالك، إلا أنه على ما يبدو سيصل إلى أعماق وعي الكثير من هذا المقطع الذي خرج من القلب إلى القلوب، وسوف يؤتي مفعوله بشكل طيب بإذن الله، خاصة بأن النصيحة خارجة من مجرب قاس مرارة التجربة.
كما أنها لم تنكمش على ذاتها حرجًا عندما أفصحت عن العقوبة التي فرضتها عليها الشرطة، وقبولها لها بصدر رحب وإذ هي تستحقها فعلًا، هي بذلك ضربت مثلًا رائعًا في تحطيم هياكل الخجل الذي يعتري الشباب في هكذا مواقف ناهيك عن الشابات.
وبذلك قدمت درسًا آخر من دورس الفضيلة، وفي الزاوية الحرجة والحادة والمسماة بـ (الاعتراف بالخطأ) ثم تقبل العقاب، إشارة إلى أن غالبية الناس يكابرون في مثل هذه المواقف، ثم يهرعون لـ (التبرير)، وقلة من البشر يملكون الشجاعة المفضية للاعتذار، والاعتذار في حد ذاته له طعم أمر من المر، وفي هذه القلة القادرة على تجرع هذا العلقم يكمن الخيرة كله.
بالطبع فإن إشارتها للعقوبات والمخالفات التي ذكرتها لها دلالة طيبة، وتكمن في التسليم بأن لكل خطأ عقوبة، وأن القانون يطبق على الجميع بغير استثناء، وهذه رسالة واضحة الأبعاد لكل أقرانها من الشباب والشابات على حد سواء.
فهذه النماذج الواعية من أبنائنا الذين نفاخر بهم، وبشجاعتهم في الاعتراف بالأخطاء ومعالجتها وتقديم دورس للجميع خاصة من في أعمارهم بأن الأخلاق والتعامل الأمثل هو الذي يبقى والخطايا تغتفر مهما كانت وعظمت تتلاشى مع الأيام.
نأمل أن لا نقع في الأخطاء مهما صغرت، ولا نعرض أنفسنا وغيرنا للمهالك والأخطار، وأن نقر بحقيقة أن الاعتراف بالخطأ يعد سلوكا حضاريا متقدما، وهو يحفزنا لتجنب الزلل، وأيضا يدق ناقوس الخطر إزاء حقيقة أن الطريق ليس ملكا لأحد بل للكل بغير استثناء.