الخلافات السياسية تعيق حل أزمة سد الموصل

الحدث الأحد ٢١/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:١٠ م
الخلافات السياسية تعيق حل أزمة سد الموصل

مسقط – محمد محمود البشتاوي

لا تقتصر مشكلة سد الموصل على عيوبهِ الفنية المتعلقة بالخواص الجيولوجية لأرض السد، وإنما تشمل أيضاً تعقيدات أمنية، وأزمة سياسية قائمة على تباين وجهات النظر، وتناقضها بين الأطراف القادرة على حل أزمة السد؛ بدءاً من الداخل العراقي الذي تفترق فيه بغداد عن أربيل في ظل اتساع الهوة مع توجه قوى في "كردستان العراق" لطرح استفتاء حول مسألة "الاستقلال"، وخلاف آخر يتصل بالموازنة العامة بين الطرفين.
قوات البشمركة الكُردية تسيطر اليوم على السد بعد أن طردت منه داعش العام الفائت، بالتعاون مع الجيش العراقي، وبإسناد جوي أمريكي، بيدَ أن هذه العملية المشتركة لم تبدد سُحب النزاع مع بغداد، وإنما جاءت في تعاون بين هذه الأطراف ضد التنظيم الذي سيطر على منطقةٍ خطرةٍ تهدد العراق بكارثة محتملة.

تباينٌ وخلافٌ
كما أن ثمةَ تباينٌ وخلافٌ آخر بين الحكومة المركزية العراقية والحكومة التركية لاسيما مع إثارة مشكلة الجنود الأتراك في "بعشيقة" بالموصل. يُضاف إلى سلة الخلافات اعتراض بعض القوى العراقية على أي دور أمريكي محتمل في مشكلة السد مع تشكيك هذه القوى بأهداف ونوايا واشنطن تجاه بغداد.
وفي ظلِّ هذا التنافر، تضيعُ البوصلة، ليتمسكَ كلُّ طرفٍ بمصالحهِ، ورؤيته في كيفية توظيف مسألة السد بما يخدم أجندته؛ فموقع السد ومحيطه اجتمع فيه الخصوم والفرقاء، وجاءَ "داعش" ليكملَ المشهد المعقد إذ أن التنظيم المُجمع على خصومته من الأطراف السابقة، يمثل مشكلة إضافية للسد؛ فسبقَ له أن احتله، وسرقَ معدات وتجهيزات الصيانة، وطرد الخبراء من المنطقة، الأمر الذي عطل المعالجة الفنية القائمة على حقن جسم السد بخليط الإسمنت والبنتونايت، وهو ما عرض جسم السد المبني على طبقة جبسية هشة إلى إجهادات.
تتمدد الخلافات لتشملَ مستوىً آخر يتمثل في العجز المالي الذي تعاني منه الحكومة العراقية، وتراجع الدخل القومي لبغداد مع انخفاض أسعار النفط، علاوةً على الفساد الذي وعدت حكومة حيدر العبادي بمكافحته، الأمر الذي يجعلُ من مُعضلة السد جزءاً من المناخ العام الموبوء بالحربِ والأزمات السياسية، وليسَ باعتبارهِ مشكلة فنية تتعلق بخطأ اختيار الموقع، والطبيعة الخاصة بالصخور الجيرية التي أنشِئَ عليها، والمعرضةُ دوماً للتآكل والحت، وما يتبع ذلك من خطر انهيار السد في أيِّ لحظة.
محمد زاهد جول، المحلل السياسي التركي، يحذر في حديثهِ لـ "الشبيبة"، من أن الخطورة على انهيار السد "ليس من طرف تنظيم داعش فقط، وإنما من أية عملية تحرير للموصل قد تباشرها الحكومة العراقية نفسها، فعدم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية سد الموصل قد تؤدي إلى أضرار أكبر من سد الموصل، تؤدي إلى انهياره، وبالأخص إذا شاركت القوات الأمريكية الجوية، بحيث يصعب تحديد الجهة التي قد توجه ضربات مؤذية للسد لا يمكن تحديد هويتها".
كما ويشير إلى أنه قد يصعب التنسيق بين الخطط العسكرية التي تهتم بها الحكومة العراقية ورئيسها حيدر العبادي لاستعادة الموصل مع العمليات التي تقوم بها الشركة الإيطالية، لأن الفصل بينهما قد يكون مستحيلاً، مما يتطلب أن تعطى الأولوية لأعمال صيانة السد لضمان عدم تعرضه للانهيار من جراء العمليات العسكرية، أو من جراء محاولة البعض إلى افتعال أخطار حقيقية على سكان الموصل في حالة عدم مساهمتهم في محاربة تنظيم داعش، أي أن الخشية أن يستغل السد من أعداء تنظيم "داعش" أمر ممكن كما أن احتمال تعرض السد لأخطار من التنظيم لا يمكن نفيه.
ويوضحُ أن "أعمال الصيانة التي بدأت بها الشركة الإيطالية قد تستغرق سنة ونصف من بداية هذا العام، بينما تحاول الحكومة العراقية استعادة الموصل خلال هذا العام، وفي المقابل تستبعد أمريكا إمكانية استعادة المدينة بأقل من سنتين، وهذا يزيد من مخاطر تعرض السد إلى إصايات خطرة قد تساعد على انهياره، إن لم تكن الخطة العسكرية الحكومية تشمل خطة متكاملة لحماية السد من الانهيار أو تعرضه للأخطار أكثر، وبالأخص أن السد تعرض إلى أخطار كبيرة خلال العام الفائت، حيث لم يتم تزويد الفراغات المتفككة بالإسمنت اللازم".

حرب نفسية
وفي هذا السياق؛ لا ينظر السياسيون إلى مسألة السد، ومشكلاته الفنية، بعينِ الخبراء والمختصين في هندسة السدود، وإنما بعين الشك والريبة، إذ أن هذه الأزمة "ضُخمت"، أو "وظِّفت في سياق ما بين الأطراف المتنازعة" في العراق، أو هي مشكلة فنية قائمة يُرادُ لها أن تكونَ عاملَ ضغطٍ على العراق حكومةً وشعباً، فبعد حرب العراق 2003 قيل إن "السد مهدد بالانهيار بسبب عدم تدعيم خرساناته، وفي حال انهياره فإنه سيؤدي إلى غمر مدينة الموصل وقتل مئات الآلاف من سكانها، والمدن الواقعة على مجراه، والمجاورة لمجرى نهر دجلة. طبعا، عندما يكون انهيار السد مهما جدا، يصبح السد سلاحا خطيرا، يحاول العدو الابتزاز به والتهديد بهدمه، وفي معظم الأحوال، يكون ذلك من أسلحة الحرب النفسية، ويكون كذلك من الأسلحة النفسية، الإدعاء باحتمال انهياره"، بحسب ما يرى المهندس الأردني علي حتر، الناشط السياسي والباحث المتهم في شؤون البيئة في حديثهِ لـ "الشبيبة".
ويتابع حتر: منذ ابتدأ القول إنه سينهار، مرت 12 سنة، وهو صامد، وهو ما يمكن أن يؤكد أن القول يندرج في نطاق الحرب النفسية. وعندما سيطر تنظيم داعش عليه، لم يهدمه لأنه كان بحاجة للكهرباء منه. وعندما حوصر داعش، وتراجع عنه، كان بإمكانه أن تدمره، لو كان سهل التدمير"، محذراً من أن هذا "لا يعني أن الدولة بإمكانها إهمال الموضوع".
ويرى أن أي سد معرض لخطر الانهيار، وليس سد الموصل فقط، مؤكداً أن "فرضية انهيار السد احتمال ليس واردا الآن ، إذ أنه "في أغلب الأحيان يعيش السد أكثر من العمر التصميمي، لأن الظروف التي يصمم لها، لا تحصل دائما".
ويعيد حتر تأكيد فكرته السابقة مؤكداً أن "انهيار السدود ليس نادرا، ففي الولايات المتحدة نفسها، رغم كل إمكانياتها، انهار خلال القرنين الفائتين، 31 سدا. ومنذ سد مأرب في اليمن، عام 575 قبل الميلاد، حتى يومنا هذا، نشرت في (ويكيبيديا) قائمة بـ81 سد، انهارت في العالم لأسباب مختلفة، أولها سد مأرب عام 575 قبل الميلاد، وآخرها انهار قبل شهرين 2015 في البرازيل، ومجموعة كبيرة من السدود في أوروبا".

سلاح نهائي
والنظر إلى هذه القضية من منظور "الحرب النفسية" لم يستبعدهُ جول إذ يقول إن "استخدام السد كأداة من أدوات الحرب، قضية أخطر من المشكلة الفنية؛ "بسبب عدم معرفة ما يفكر به الجيش الأمريكي الذي أجرى دراسات فنية في بنية السد، وقرب أساساته، أو من قبل تنظيم داعش" الذي سيطر من قبل على تلك المنطقة، ويتساءل قائلا: لا أحد يعرف من وضع فكرة انهيار السد كسلاح نهائي في المعركة إن ضاقت به السبل في مواجهة أعدائه؟.
سؤال افتراضي في ضوء التهديدات المتصاعدة حيال أزمة تعددت أطرافها؛ فالسد الواقع في الموصل هو تحت إشراف قوات البيشمركة الكردية، وتنظيم داعش لا يبعدُ كثيراً عن السد، فيما تدفق المياه يأتي وبنسبة 50% من الأراضي التركية، علاوةً على الاستعدادات الرسمية العراقية لمنع وقوع الكارثة، يضاف إليها التحذيرات الأمريكية والدولية، واستعداد بعض الدول لتقديم خدماتها في هذه القضية؛ فكيف يمكن لهذه الأطراف المتباعدة - باستثناءِ داعش - أن تعالج هذه المسألة؟.
يجيب جول المقرب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة: الحكومة التركية لا تيسيطر على الأرض التي يقع عليها السد، وإن كانت أمام مسؤولية إقليمية، ولكن بما يسمح به نظام الحكم العراقي، أو يقبل للتعاون فيه، حيث ترفض الحكومة العراقية المركزية في بغداد التعاون مع تركيا، وموقف الحكومة العراقية والمحور الذي ترتبط به لن يوافق على مشاركة تركيا في المساعدة في مواجهة أخطار انهيار السد، ولعل ما أثاره وجود بضع مئات من الجنود الأتراك في معسكر بعشيقة قرب الموصل ولأسباب فنية وتدريبية، يمثل دليلاً على ضعف احتمال طلب المساعدة من تركيا، سواء في المجال العلمي أو الأمني، أو التدابير الواجب اتخاذها، ولكن تبقى الحاجة إلى تركيا أكبر في حالة ظهور مخاطر كبيرة لانهيار السد، حيث أن مصادر مياه السد من نهر دجلة تأتي من مصبات في الأراضي التركي.
وفي حال وقع السد تحت سيطرة تنظيم داعش، فإن خطر الكارثة بانهياره تتعاظم، "سواء قصد التنظيم استعمال السد ورقة تهديد ضد من يهاجمه، أو لم يوفر الصيانة اللازمة له يومياً"، وفي ضوء ذلك – والحديث لجول – فإن "الجهات الحكومية العراقية والدولية المعنية بالسد عليها تحمل المسؤولية، وتتدرج المسؤولية أولاً عبر الحكومة العراقية، وثانياً الحكومة الأمريكية، وثالثاً حكومة إقليم كردستان العراق، وكذلك الجهات الدولية ذات الصلة والاهتمام الدولي بالسدود العالمية وأخطارها".

تتناقض التقديرات
ويشير جول في هذا الصدد إلى أن الخبرة التركية الكبيرة في بناء السدود وصيانتها "قادرة على تقديم الاقتراحات اولاً، وتنفيذها ثانياً، ولكن ذلك يتطلب تعاونا من الحكومة العراقية، ولكن طبيعة الحكومة العراقية ومواقفها من الحكومة التركية، وظروف الحرب على تنظيم داعش فرض أن تكون الأولويات مختلفة بين الدول، وهذا يثير اختلافات في تقدير الأخطار الناجمة عن ذلك، ومن هنا تتناقض التقديرات لهذه الأخطار بين مدع بخطر حقيقي مثل التقارير الأمريكية، وبين تقارير ترى بأن الحديث عن الأخطار مبالغ فيه، وربما تستعمل لأهداف سياسية وأمنية وتجارية فقط".
ورغمَ أن الحلول الفنية قدِّمت إلا أن المسألة ما تزال بِيَدِ السياسيين؛ يقول جول: عرضت الحكومة التركية عن طريق سفيرها في العراق فاروق قيماقجي الذي التقى زعيم مكتب إئتلاف متحدون للاصلاح أسامة النجيفي، وتباحثا في شأن السد والأخطار المشتركة على العراق وتركيا، وقال السفير التركي بعد الاجتماع:" إن أنقرة عرضت على الحكومة العراقية تقديم المساعدة والدعم عبر الشركات التركية المتخصصة لأجل معالجة وضع السد، وهم جاهزون للعمل بالتنسيق مع الجهات المعنية بذلك"، مشيرًا إلى أن "50% من مياه دجلة تنبع من أراضٍ عراقية، وليس لتركيا سدود ضخمة على النهر باستثناء سدود صغيرة لتوليد الطاقة الكهربائية"، بينما دعا النجيفي تركيا، إلى زيادة الدعم في المجال العسكري أولاً، وبالتنسيق مع الحكومة العراقية ثانياً، وكذلك المساعدة في الأخطار المحتملة التي تثيرها حالة سد الموصل، والسيطرة على حالة نهر دجلة".
ويستطردُ قائلا: حيث أن ما يعادل نصف مياه السد تأتي من الأراضي التركية، فإن أي عملية إصلاح للسد لا بد أن تتعاون مع تركيا، لأن الأخطار تقع على العراقيين أكثر من الأتراك، وتزايد المخاوف ازاء احتمال الانهيار حقيقية، والأخطار ليس محصورة في انهياره وإنما في ان يؤدي انهيار السد المتزعزع الى تدمير الجزء الاكبر من الموصل واغراق مناطق واسعة في بغداد، فالسد يبعد حوالي 40 كلم شمال شرق مدينة الموصل، أي ان الخطر الأكبر هو على مدينة الموصل قبل غيرها.
ويختم جول حديثه: إن الرؤية التركية كما عرضها السفير التركي في العراق هي استعداد تركيا تقديم استشارات هندسية، والقيام بأعمال صيانة، ولكن ذلك لا بد أن يتم مع حكومة بغداد أولاً، ومع حكومة أقليم كردستان العراق، وحيث أن الحكومة العراقية المركزية في بغداد قد أوكلت الصيانة إلى شركة أيطالية، فإن الدور التركي قد لا يكون مسؤولا عما يجري الآن أو ما سيجري في المستقبل، لأن السيطرة بيد العراقيين، وكذلك حماية السد بيد العراقيين، وستبقى المسؤولية على العراقيين أنفسهم.

أخطر من الإرهاب
من جانبه؛ يرى حتر أن "السد حديث البناء، مما يعني أن مخططاته موجودة. وهذا يعني أنه من الممكن دراسته لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع انهياره، أو لتقليل الخسائر المحتملة. يقال إن السد بُني على تربة ذات طبيعة غير قادرة وحدها على التحمل، لذا توجب حقن خرسانة في السد بشكل دوري لضمان عدم انهياره وقد بدأت هذه العملية في منتصف الثمانينيات".

ويبين "إن الخسائر الهائلة التي يمكن أن تنتج عن انهياره، إذا حصل، تفرض على الدولة العراقية تشكيل اللجان العلمية الهندسية، وشراء الأجهزة اللازمة لمتابعة السد، والتأكد من قدرته على الصمود، وعمل الفحوص الدورية وتحديد حاجاته التي تضمن بقاءه"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية مضطرة، شاءت أم أبت، أن تعمل ما يلزم احمايته، وللتأكد أن ادعاءات الجيش الأمريكي أن السد سينهار، مجرد إشاعات، بالفحوص اللازمة، ومكافحة الإرهاب ليست أهم من السد، لأن انهياره إذا حصل، يدمر في ساعات، أكثر كثيرا مما يدمر الإرهاب في سنوات".
ويختم حديثه قائلا: في انتظار شروحات وتوضيحات الحكومة العراقية حول السد، نبقى ويبقى العراقيون في قلق قد لا يكون مبررا. وفي ظل الإشاعات المنتشرة من حين لآخر، نؤكد أنه ما من جهة قادرة على معرفة ما سيحدث، دون إجراءات وفحوص هندسية، معقدة. وهذا يوضح أن كل ما يقال حاليا، لا يعدو كونه إشاعات لهز ثقة العراقيين بالسد وبالمستقبل.

الماء سلاحُ داعش
الخبير الألماني توبياس فون لوسو، وفي تحليل لهُ حملَ عنوان "الماء كسلاح: داعش على نهر دجلة والفرات" نشرها المعهد الألماني للأمن والشؤون الدولية مطلع يناير الفائت، يشير إلى أن التنظيم وفي إطار توسعهِ الإقليمي الذي بدأ منذ عام 2014، تم استخدام المياه كـ "سلاح لتعزيز أهدافه العسكرية والسياسية، فسيطر على الموارد المائية والسدود الهامة ذات الأهمية الاستراتيجية في سوريا والعراق. فعلى سبيل المثال وجه داعش جهوده للسيطرة على الجزء السوري الخاص بنهر الفرات. ومن أهم السدود الرئيسية التي نجح في السيطرة عليها سد "تشرين"، وسد "الفرات"، وسد "البعث"، أما في العراق فمنذ عام 2014 بدأ داعش يفرض هيمنته على الروافد العليا لنهري دجلة والفرات لأنه وجد في ذلك منفذًا له لتعظيم نفوذه، وإلحاق ضرر بمناطق أكبر دون الهجوم مباشرة بالاحتلال العسكري وفي غضون عام استطاع احتلال كل السدود الاستراتيجية الهامة للعراق عدا سد "الهادئ".
وتمكنت الميليشيات المتطرفة من الاستخدام الاستراتيجي الفعال للمياه كسلاح مما ترتب عليه إحداث درجة عالية من التهديد، وهو ما وصفه الباحث بأن تأثيره يعادل تأثير إلقاء قنبلة ذرية على الشرق الأوسط وذلك على المدى الطويل.
ويحذر لوسو في تحليلهِ الذي ترجمهُ "المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية" في القاهرة، ونشرهُ في الثاني من فبراير الشهر الجاري، من أن التنظيم قد يعمد إلى سياسة "إغراق المناطق" حيث "تعتمد هذه الاستراتيجية على أن من لديه السيطرة على المياه يستطيع أيضًا إغراق المناطق، إما من المنبع أو من خلال تحويل المياه وإخراج كميات كبيره من المياه دفعة واحدة، فقد شهد إبريل 2014 إغلاق داعش لسد الفلوجة، ثم فتحه لتغمر المياه المحتجزة مناطق واسعة وصلت إلى 100 كم ودمرت المرافق الحكومية العراقية، كما دمرت أكثر من 10 آلالاف منزل، وما يقدر بحوالي 200 كم من الأراضي الزراعية الخصبة. وأدى هذا أيضًا إلى إزالة كافة المحاصيل الزراعية بالكامل وقتل الماشية، وشرد حوالي 60 ألفًا من السكان الذين فقدوا مصدر رزقهم نتيجة للفيضانات".
ويتابع الباحث زميل المعهد الألماني للأمن والشؤون الدولية تحذيراته قائلا إن هنالك سياسة أخرى وهي "تسميم المياه"، إذ تستخدم المياه كسلاح من خلال تلويث وتسميم مصادر المياه مما يتسبب في إحداث أضرار بالغة، فقد شهد ديسمبر 2014 تلويث مياه الشرب بالنفط الخام ببلدة صلاح الدين في جنوب كريت، وهناك عدة تقارير أثبتت وجود إمدادات مياه مسمومة في "حلب" و"الرقة" و"بغداد".
ويذكر لوسو عدة حوادث استخدم فيها داعش المياه كسلاح كان من بينها تعتمد التنظيم إحداث نقص في إمدادات المياه والكهرباء في بعض المناطق عن طريق قطع الأنابيب والكابلات، أو من خلال تحويل مجرى السد، وفي هذا السياق، قام داعش بقطع إمدادات المياه والكهرباء في سوريا العراق عن عدة بلدات ومقاطعات مثل "قراقوش" وهي مدينة في شمال العراق فرض داعش عليها حظرًا تامًّا في يونيو 2014 لأن غالبية سكانها من المسيحيين، وذلك بعد أن استطاع فرض سيطرته على سد الرمادي في مايو 2015، وحول مجرى المياه إلى بحيرة "الحبانية" فانخفضت المياه إلى أكثر من 50%.
وويذكر أيضا أن التنظيم سيطر على سد الموصل الذي تأتي منه 45% من إمدادات الكهرباء العراقية والجزء الأكبر من إمدادات المياه للمناطق الكردية، بالإضافة إلى سيطرة داعش على أكبر خزان من أجل تدمير المنطقة الزراعية في جنوب شرق العراق.
ويختم تحليله منوهاً إلى أنه "يجب أن تبدأ أي عملية عسكرية لتحرير مناطق السدود المحتلة من قبل التنظيم؛ إذ إن داعش إذا فقد مساحات شاسعة من أراضيه فسوف يقوم بالدخول في معركة تستخدم فيها كل أسلحته بما فيها السدود المائية، مما سيؤدي إلى موجة عارمة من الفيضانات على نطاق واسع واندلاع معارك طاحنة".

*-*

مادة مشعة فقدت بالبصرة تثير المخاوف في العراق
بغداد – ش – وكالات
نشرت وسائل إعلام عراقية وثائق تكشف عن سرقة "مصدر مشع عالي الخطورة" في محافظة البصرة يمكن استخدامه في عمليات "إرهابية"، فيما تضمنت الوثائق مخاطبات من مجلس الوزراء العراقي وجهاز الأمن الوطني ووزارة البيئة، تشير إلى خطورة المصدر على المواطن وتوجه بإعلان حالة الطوارئ الإشعاعية واتخاذ الإجراءات الأمنية والوقائية حسب الخطة الوطنية للطوارئ الإشعاعية.
وتكشف الوثيقة الأولى، وهي كتاب سري ومستعجل من وزارة البيئة، صادر إلى دائرة حماية وتحسين البيئة في المنطقة الجنوبية/ قسم الإشعاع، صادر في 12 نوفمبر 2015، عن »وقوع حادث إشعاعي على مستوى وطني، تمثل بسرقة مصدر مشع عالي الخطورة من المخزن التابع لشركة وذر فورد الأميركية في محافظة البصرة (موقع الرافضية) ذي نشاط إشعاعي عالٍ".
وحذر من "المخاطر السلبية الناجمة عن بقاء المصدر المشع خارج نطاق السيطرة، والتي قد تعرض المواطنين إلى مخاطر جسيمة، خصوصاً أن المصدر يعد من المصادر الخطرة ويقع ضمن الفئة الثانية من تصنيف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن المجموعة الأمنية (B)".
وشدد كتاب وزارة البيئة، السري والمستعجل، على ضرورة »الحصول على المعلومات والصور الخاصة بالمصدر المشع من الشركة التركية، لدعم عمليات التفتيش عنه، وإجراء تفتيش رقابي ومسح إشعاعي ميداني لموقع المصدر الإشعاعي المفقود ..
من جانبه، قال مدير قسم الإشعاعات في المنطقة الجنوبية خاجاك واترنيان في حديث متلفز، بخصوص تلك الوثائق، إن »تلك الوثائق دقيقة والمعلومات التي تضمنتها لا تقبل الشك«. وكشف واترنيان عن "اتخاذ قسم الإشعاعات نوعين من الإجراءات، أولهما إجراءات أمنية، والثاني يتعلق بتنفيذ مسح ميداني في مقتربات الطرق القريبة من الحقول النفطية، فضلاً عن استخدام عجلة الكشف في عدد من ساحات وقوف السيارات في المحافظة".
وبيّن مدير قسم الإشعاعات في المنطقة الجنوبية أن "خطورة الجهاز تأتي من احتوائه على عناصر مشعة عالية الخطورة، قد تستخدم بشكل خطير إذا ما وقعت في أيدي أشخاص أو جهات غير مختصة"، مؤكداً أنّ "ذلك يشكل خطراً على المستخدمين والأماكن المجاورة".
وتواصل السلطات العراقية منذ نحو ثلاثة أشهر عمليات بحث عن مادة مشعة فقدت في محافظة البصرة، حيث كانت تستخدم للكشف على أنابيب النفط، بينما نفت مجموعة "أس جي أس" السويسرية مسؤوليتها عن هذا الاختفاء.
من جانبها، نفت مجموعة "أس جي أس" السويسرية للتفتيش أيّ مسؤولية لها عن حفظ الأمن في الحقل النفطي الذي اختفت منه المادة المشعة. وقالت المجموعة في بيان أصدرته، إن رجال أمن غير تابعين لها يتولون حراسة هذا الموقع، وإنها لا تتحمل أي مسؤولية عن الأمن فيه وليست لها رقابة على الدخول إليه.
وفي الموضوع ذاته، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن السلطات العراقية أبلغتها أنه لم يجر رصد أي مستويات إشعاع مرتفعة في أعقاب السرقة. وأضافت الوكالة في بيان "هم أبلغوا الوكالة أنه عقب سرقة مصدر مشع جرت عملية بحث مكثفة وبدأ تحقيق جنائي".
ومن البصرة إلى الكويت؛ قال مدير عام الإدارة العامة للجمارك في الكويت، خالد السيف، ، إن مديريته "شددت الرقابة والتفتيش في مراكزها الجمركية، في مجال الكشف عن المواد المشعة، بعد تلقيها تحذيرات من سرقة مصدر مشع عالي الخطورة (الإيريديوم)، في مدينة البصرة العراقية".
وأضاف السيف، في تصريح صحفي، أن "تحذيرات وردت، تفيد بأن المصدر المشع يمكن استخدامه في صناعة قنبلة قذرة، تجمع بين المواد المشعة والمتفجرات التقليدية، لتلويث منطقة معينة". وأوضح أن "التحذيرات ورد بها تنبيه للدول المجاورة، بأخذ الحيطة والحذر، وتشديد الرقابة على حدودها والمنافذ الجمركية، لما يشكله هذا المصدر من خطر".