نينا خروشوفا
لقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي الذي يصادف نهاية العام متهورا وعدائيا وتلقائيا وهو في ذلك يشبه مرشحه المفضل للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب . لقد أجاب بوتين على سؤال يتعلق بحالة البلاد وذلك من خلال النكتة التالية :
يسأل رجل الآخر كيف هي الحياة ؟ فأجاب الرجل حياتي هي عبارة عن خطوط سوداء تليها خطوط بيضاء والآن أنا أعيش في الخطوط السوداء وبعد ستة أشهر إلتقى الرجلان مجددا وسأل الرجل الأول الثاني عن الحياة مجددا وقال له أنا أعرف أن حياتك هي عبارة عن خطوط ولكن في أي خط تعيش الآن ؟ فأجاب الرجل الثاني حياتي خط أسود الان حيث يبدو أنها كانت خط أبيض في المرة الماضية .
لقد كان بقية المؤتمر الصحفي لبوتين مليء بالسخرية التي تشبه النكته السابقة فلقد أدعى مرارا وتكرارا بأن روسيا واقتصادها الذي يتداعى بسرعة في حالة إزدهار وهو كلام لا يصدقه حتى أشد المؤيدين تحمسا لبوتين .
لقد أصبحت معتادة بعد 15 سنة من العروض التي تشبه هذا العرض على كلام بوتين الغامض الذي يحتمل الوجهين على طريقة جورج أورويل فالحرب هي السلام والجهل هو القوة 0000 الخ ولكن في هذه المناسبة كان هناك تركيز زائد على الكلام المنمق والطنان.
لقد أصر بوتين على أن إنخفاض الناتج المحلي الإجمالي الروسي- حوالي 3،7% في العام الفائت- قد تسبب به بشكل أساسي تراجع أسعار النفط حيث أشار بشكل عارض إلى العقوبات الغربية والتي تم فرضها ردا على ضم شبه جزيرة القرم وبينما تفاخر بوتين بإن روسيا لديها 364 مليار دولار أمريكي على شكل احتياطي عملات أجنبية ، رفض في أن يأخذ بعين الإعتبار معدل التضخم السنوي الذي أصاب البلاد بالشلل أو أنه قد تم بالفعل تخصيص مجالات إنفاق معظم تلك الاحتياطات.
إن إصرار بوتين على سلامة الإقتصاد الروسي يجعلنا نتذكر النكتة التي أشار إليها أعلاه فبعكس تأكيداته فإن من المرجح أن الخط الأسود الحالي سوف يبدو خطا أبيضا مقارنة بالذي سوف يحصل مستقبلا وبالفعل فلقد وصفت مجموعة من الإقتصاديين الروس في وقت سابق من الشهر توقعات الحكومة بتجدد الإنتعاش في العام القادم على إنها توقعات ليس لها علاقة بالواقع .
لقد منح المؤتمر الصحفي السنوي أيضا فرصة لبوتين بإن يحاول جاهدا التركيز على إيجابيات التدخل الروسي في سوريا فعلى الرغم من السرية التي عادة ما تحاط بها الخسائر العسكرية الروسية فإنه سوف يكون من الصعب التخفيف من إستياء الرأي العام عندما تبدأ الجثامين بالعودة إلى الوطن.
لقد طمأن العالم بإن روسيا لن تكون " أكثر سورية من السوريين أنفسهم " وأصر على أنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تفرض شكل العملية السياسية هناك فطبقا لبوتين فإن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط غير متجانسة بالمرة وهذا ما تطلب التدخل الروسي . لقد ذكر بوتين كذلك – على الرغم من الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك – بإن الوجود الروسي في سوريا لن يتجاوز إنتهاء الصراع ولكن روسيا لديها بالفعل قواعد بحرية وجوية في طرطوس واللاذقية وهي ممتلكات يلتزم بوتين بالدفاع عنها.
إن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وغزو شرق أوكرانيا يوحي بإن بوتين يعمل على ضم المناطق عوضا عن التخلي عنها –على الأقل ليس بدون أن يحصل على شيء بالمقابل . لقد أشاد بوتين في أحد المرات بكاثرين العظيمة وقال إنها الحاكم الروسي المفضل بالنسبة اليه وذلك نظرا " لأنها سفكت دماءا أقل ولكنها جمعت أراضي أكثر من بيتر العظيم " وفي سنة 1772 أرسلت كاثرين سفينة حربية لسوريا لمساعدة الأهالي هناك في مقاومة الإمبراطورية العثمانية وبعد سنتين إختارت كاثرين أن تترك المنطقة بعد أن رضيت بالتنازلات العثمانية المتعلقة بشبه جزيرة القرم ويبدو أن بوتين يريد نتيجة مماثلة .
ومثل كاثرين يأمل بوتين في مقايضة غزواته .إن من الواضح أن أوكرانيا ما تزال الأولوية القصوى بالنسبة لبوتين فالكرملين يشعر بإن التدخل في سوريا– وهو صراع يعتبر الشاغل الرئيسي لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية- يعطي روسيا النفوذ والتأثير بالنسبة لشركاء أوكرانيا الغربيين . إن العواقب بما في ذلك الخسائر العسكرية وخطر الإنتقام من تنظيم داعش لا تعتبر شيئا كبيرا مقارنة بإمكانية حصول مقايضة كبيرة تؤمن مكاسبه في مناطق أقرب للوطن .
إن بوتين واثق جدا بإنه يمتلك جميع الأوراق الرابحة لدرجة إنه أصر على التخفيف من تهديداته الإعتيادية ضد الأمريكان حيث ذكر أنه يدعم جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتعامل المشترك مع القضايا " التي يمكن حلها فقط معا " وبإنه جاهز " للعمل مع أي رئيس ينتخبه الشعب الأمريكي."
لكن لا ريب أن هناك مرشح رئاسي أمريكي محدد يريد بوتين رؤيته في البيت الأبيض فلقد أشاد بوتين بعد المؤتمر الصحفي بترامب ووصفه بإنه " شخص ينبض بالحيوية وموهوب والمتصدر المطلق للسباق الرئاسي ".
إن من المؤكد بإن الرجلين يستحقان بعضهما البعض فكلاهما يتمتع بالبراعه في مجال العملية الدعائية والأداء التمثيلي وكلاهما مستعد ومتحمس لإستخدام الترهيب والتبجح والكذب من أجل المضي قدما. قارن بين نصيحة ترامب من كتابه "كيف تصبح غنيا ( عندما يؤذيك شخص ما يتوجب عليك أن تطارده بأقصى ما تستطيع من عنف وشراسة ) ووصف بوتين لكيفية قتال الإرهابيين ( سوف نطاردهم ونقتلهم حتى في المرحاض ).
لقد بنى ترامب حملته على الجهل الذي يتم تصويره على أنه قوة . إن شعاره المبسط " إجعل أمريكا عظيمة مجددا" يشبه أفكار بوتين عن كيفية تحويل إنعدام الكفاءة وضعف الشخصية لما يبدو أنه السلطة المطلقة والقيادة الجريئة .
يخطط بوتين للبقاء في السلطة لعقد آخر على الأقل ولو أنتخبت الولايات المتحدة الأمريكية ترامب كرئيس سوف يكون لها صديق في روسيا ولكن ليس في أي مكان آخر تقريبا.
أستاذة العلاقات الدولية ومساعدة عميد كلية نيو سكول، وكبيرة زملاء معهد السياسة العالمية في نيويورك.