مسقط-
للوقاية من المخاطر الصحية الناجمة عن سوء الاستخدام احذروا عبوات المياه المعرّضة لأشعة الشمس، يُمثّل الماء شريان الحياة الذي لا نستطيع الاستغناء عنه مُطلقًا، ونظرًا لهذه الأهمية فقد تسابق المستثمرون والمصانع إلى تقديم الماء للمستهلكين عبر عبوات بلاستيكية مختلفة الحجم والشكل، تخضع لمواصفات قياسية أقرتها منظمات عالمية وإقليمية. لكنّ الماء الذي يُعطي الصحة للإنسان قد يكون ضارًا به إذا تم تجاهل الاشتراطات الصحية التي ينبغي الالتزام بها في إنتاجه ونقله وتوزيعه، لا سيما تعريضه المباشر لأشعة الشمس خصوصا في المركبات حيث يتسبب ذلك في تفاعلات تنتج عنها مواد ضارة.
في البداية يقول هلال بن سعود الإسماعيلي مدير دائرة تنظيم ومراقبة الأسواق إن الهيئة العامة لحماية المستهلك تقوم بجهود كبيرة في سبيل مراقبة كل ما يمس صحة وسلامة المستهلك، وفيما يتعلق بسلامة مياه الشرب فإنه تتم معاينة أماكن حفظها بالمحلات والمراكز التجارية المختلفة بالإضافة إلى توعية المحلات والمراكز التجارية (عن طريق توزيع منشورات إرشادية) بضرورة مراعاة طرق تخزين المياه بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة المضرة، والتي قد تؤدي إلى إخلال في مكونات المياه، كما قامت الهيئة بمخاطبة الجهات الحكومية المعنية بضرورة إلزام شركات تعبئة المياه بالاشتراطات الصحية أثناء نقل وتوزيع المياه على المحلات والمراكز التجارية والمنازل والمنشآت الأخرى كالوزارات وشركات القطاع الخاصة.
وأضاف الإسماعيلي أن الهيئة قامت بتسجيل بعض المخالفات لبعض الشركات وفقا للمادة (22) من قانون حماية المستهلك رقم 66/2014 والمادة (21) مــن اللائحـة التنفيذيـة لقانون حماية المستهلك رقم 77/2017 يتم مخالفة المنشآت التجارية التي لا تلتزم بالاشتراطات الصحية والقرارات واللوائح المعمول بها في هذا الشأن.
بين المستهلك والتاجر
ووجه الإسماعيلي المستهلكين إلى القيام بعدد من الإجراءات لأجل سلامة مياه الشرب المستخدمة كعدم تعريض المياه إلى أشعة الشمس المباشرة داخل المحل وحفظها في مكان غير مواجه للأشعة، بالإضافة إلى حفظها وتخزينها بعيدا عن أي مواد ضارة وملوثة وعن مصادر الحرارة المرتفعة، وأوضح أنه لابد للمزودين أيضا الالتزام بعدم بيع وعرض وتسويق المياه خارج المحل، مما يعرضها لحرارة الشمس وظروف الطقس الأخرى، بل يتم حفظها في درجة حرارة مناسبة داخل المحل . وعلى المستهلك بدوره أن ينتبه لوجودها في ظروف تخزين موائمة.
وعي المستهلك
وأشار الإسماعيلي إلى أن المستهلك بشكل عام لديه وعي جيد بعدد مرات استخدام عبوات المياه البلاستيكية للشرب، ففي استطلاع تم نشره على حساب الهيئة بتويتر تبين أن 48% من المستهلكين يستخدمون عبوات المياه لمرة واحدة فقط وهو أمر صحي وجيد، بينما 14% منهم يستخدمونها لمرتين و38% فقط يستخدمونها لأكثر من مرتين، ولكننا نأمل أن يتزايد هذا الوعي مستقبلاً.
خطر الحرارة والبرودة
ويعتبر الباحث مشارك في قسم التربة والمياه والهندسة الزراعية بكلية العلوم الزراعية والبحرية في جامعة السلطان قابوس د.منصور بن حمد بن سلطان الهدابي أنه كي نفهم الأخطار والمشاكل الصحية والبيئية المرتبطة بالعلب البلاستيكية المستخدمة لحفظ مياه الشرب يجب علينا أولاً أن نفهم طبيعة المواد الكيميائية الداخلة في تصنيع هذه العلب والعوامل المؤثرة عليها .ويضيف: «عندما تتعرض العلب البلاستيكية للبرودة الزائدة أو الحرارة الزائدة فإن ذلك سيؤثر تأثيرًا سلبيًا على صحة الإنسان، حيث إن الكثير من المواد الكيميائية الموجودة على سطح هذه العلب ستتحرر وتنتقل لمياه الشرب وهناك الكثير من هذه المواد مصنفة على أنها مواد مسرطنة .ويوضح الهدابي أنه يجب نقل علب مياه الشرب وحفظها تحت درجات حرارة معينة ويجب أيضا حفظها بعيدًا عن أشعة الشمس المباشرة حتى لا تتكاثر الطحالب فيها. من جانب آخر أشار الأستاذ منصور إلى أن هناك الكثير من العلب البلاستيكية التي لا يمكن استخدامها إلا لمرة واحدة فقط، لذلك لجأت العديد من الشركات لوضع علامة أسفل العلبة توضح ما إذا كانت هذه العلبة للاستخدام الواحد أو يمكن إعادة استخدامها وتدويرها لأكثر من مرة».
فلاتر المياه
ويؤكد الهدابي أن هناك الكثير من الأبحاث التي قام بها طلبة جامعة السلطان قابوس تُعنى بجودة مياه الشرب ومنها ما هو متعلق باستخدام مياه الشرب المعبأة والظروف البيئية التي تؤثر عليها، كما أن هناك أبحاثًا أخرى أجريت لدراسة جودة مياه المنازل بعد استخدام الفلاتر، فالكثير من الناس يلجأ هذه الأيام لتركيب الفلاتر المنزلية لتنقية المياه الموجودة بخزانات المنازل، وبالتالي استخدامها للشرب بعد عملية الفلترة لتقليل استهلاك المياه المعبأة، لكن وللأسف الشديد الكثير من الناس يجهل كيفية استخدام هذه الأجهزة، وإن هناك عمرًا افتراضيًا لأي فلتر، وبالتالي يجب استبداله بعد فترة، ولذلك تجد المياه التي تخرج من هذه الفلاتر غير صالحة للشرب ،حيث إنها منزوعة الأملاح وكذلك بها الكثير من الشوائب والبكتيريا .ويتمنى الهدابي -كونه مستهلكًا للمياه المعبأة -من الشركات المصنعة أن توضع العلامة الخاصة بنوعية العلبة ومدى إمكانية استخدامها لأكثر من مرة في سطح العلبة بخط واضح بدلا من أسفلها، كما يتمنى أن تكون هناك رقابة على الطريقة التي يتم بها نقل المياه وحفظها حتى تصل للمستهلك وهي بجودة عالية.
مواصفة قياسية
ويذكر أحمد بن عبدالله بن أحمد المعولي- رئيس قسم التحاليل العامة للمياه والمعادن الثقيلة في مركز مختبرات الأغذية والمياه بوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه -أن هناك مواصفة فنية قياسية خليجية لمياه الشرب المعبأة أصدرتها هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ،ويشير المعولي إلى أن المواصفة القياسية تتضمن بنودًا عديدة بدءًا من الإنتاج، وانتهاءً بالنقل والتوزيع. موضحا أنه فيما يخص النقل والتخزين والتداول فإن المواصفة أوجبت أن يتم نقل مياه الشرب المعبأة بأية وسيلة نقل مناسبة تفي بحمايتها من التلف والتلوث، تحت نفس الظروف والتخزين، وأن تخزن مياه الشرب المعبأة بعيدًا عن أية مواد سامة أو ضارة وبعيدة عن مصادر الحرارة المرتفعة وعن مصادر التلوث وفي درجة حرارة الغرفة .وأن تخزّن مياه الشرب المعبأة في أماكن جيدة التهوية، ويجب ألا تعرض مياه الشــرب المعبأة عند بيعــها أو تســويقها خارج محـلات البيع، حيث يؤدي ذلك إلى تعريض مياه الشرب المعبأة إلى أشــعة الشـمس وحرارتها، وظروف الطقس الأخرى.
عدم الاستخدام والإبلاغ الفوري
ويؤكد سعيد بن محمد بن سيف الرواحي -الذي كان مشرفا على تأسيس مصنع لمياه الشرب في ولاية قريات -أن وضع الماء تحت أشعة الشمس يؤدي إلى خطورة عالية، وذلك بسبب أن تلك الحرارة تؤدي إلى ذوبان مادة سامة ناتجة من العلبة، بتلك الحرارة وتنتج عنه مادة سامة خطيرة عند استخدام الشخص لذلك الماء، موضحا أنه يُنصح بعدم تعريض تلك العبوات للحرارة الشديدة، وكذلك التبريد العالي الذي يؤدي إلى تجمّد الماء فهو أيضا خطير، فعند الذوبان تنتج تلك السموم وتختلط بالماء .وينصح الرواحي المستهلكين بعدم شراء تلك المياه واستخدامها إذا وجدوها في وضع غير صحي، وأن يقوموا بإبلاغ الجهات المختصة لوقف تلك الشركات التي لا تلتزم بالاشتراطات الصحية، حفاظا على صحة الناس.
جهل بالاشتراطات الصحية
ويقول محفوظ بن محمد بن عبدالله القصابي -رجل أعمال -إن الأغلبية تشتري المياه المعدنية للشرب من المحلات الصغيرة أو المحلات التجارية الكبيرة، والأغلبية تشتري بكميات كبيرة لحفظها لأيام في المنزل، وأيضا أغلب الشركات الكبيرة تشتري المياه من الشركات الموزعة للمياه المعدنية المعبأة في قارورات بلاستيكية كبيرة للاستهلاك المستمر الكثير، وأصبح استهلاك المياه المعدنية منتشر النطاق .مضيفًا أن بعض المحلات التجارية سواء الكبيرة أو الصغيرة تتكدس لديها البضاعة مما يضطرهم إلى ترك عبوات المياه أمام المحل لفترة طويلة مما يعرضها لأشعة الشمس التي تؤثر بلا شك على هذا المنتج .ويؤكد القصابي أن ذلك يعود ربما لجهل بعض العاملين في هذه المحلات لشــروط المحافظة على جودة الماء.
ويقول القصابي إن دراسة بريطانية حديثة أكدت أن شرب المياه المعبأة في قارورات بلاستيكية ومتروكة في مكان يعرضها لأشعة الشمس، يؤدي إلى الإصابة بمرض سرطان الثدي لدى النساء والرجال .كما أكدت الدراسة ذاتها- التي أجراها الباحث شيريل كرو المتخصص في جراحات الأورام عام -2012 أن المياه المتروكة في السيارات تتعرض لأشعة الشمس والركود، مشيرا إلى أن الحرارة تتفاعل مع المواد الكيميائية المصنوعة منها العبوة البلاستيكية، وتقوم بتحرير مادة» الديوكسين «شديدة الخطورة، التي تظهر بنسبة كبيرة في عينات الأنسجة المسببة لسرطان الثدي، وتمنى القصابي من الجهات المعنية بالرقابة والمختصة بالقيام بدور فعال لمراقبة المصانع المنتجة للمياه المعدنية وضبط المخالف منها، وأيضا وضع شروط وأحكام للمؤسسات والمحلات التجارية في طريقة حفظ المياه المعدنية، وكذلك نشر الوعي للمواطن بكيفية الحفاظ على جودة المياه وحفظها للاستهلاك والتأكد من أن جميع المصانع المصنعة والموردة والمؤسسات والمحلات التجارية لديها الخبرة في مجال الحماية والتأكد من شروط السلامة العامة والإجراءات المتبعة في حاﻻت الطوارئ وتوفير المعدات المطلوبة والأمكنة المناسبة للحفظ والتخزين، وإلزام الموظفين باتباع الإرشادات في كيفية الحفاظ عليها في الأماكن المناسبة.
إجراءات وتشديد الرقابة
ويقول إسماعيل بن محمد بن سالم العامري -مستهلك :تعودت أن أشتري المياه من المراكز التجارية في حال الاضطرار، كأن أكون في الطرقات أو عند السفر، لكني في الأساس أشتري المياه من أحد المحلات التي أثق بأنه يحفظها في أماكن آمنة .ويؤكد العامري أنه يعلم الخطورة التي ترافق وضع المياه في الشمس، بسبب أن المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية تتأثر بالشمس ويؤدي التعرض لها إلى ذوبانها حتى ولو بصورة غير مرئيّة لنا، كما أن الماء يتغير من ناحية الطعم والرائحة، الأمر الذي يسبب السرطان وأمراضًا أخرى.
ويؤكد إسماعيل أن الجهود الرسمية من قبل الجهات المختصة في السلطنة مثل الهيئة العامة لحماية المستهلك ووزارة البلديات مستمرة للجميع ولها الشكر على ذلك، خصوصا لمنع وضع المياه خارج المحلات وتعريضها للشمس، حيث إن هناك عقوبات لمن يفعل ذلك من المحلات التجارية، متمنيا من الجهات ذات العلاقة اتخاذ الإجراءات اللازمة وبحسم ضد كل من يقوم بتخزين المياه بصورة غير صحية، كما يتمنى تشديد الرقابة على المخازن التي يملكها الموزعون والتي غالبا ما تكون تحت إدارة القوى العاملة الوافدة.