جمال زويد
قرية المذنب هو اسم محافظة تُعدّ البوابة الجنوبية لمدينة القصيم التي هي من أعرق مناطق المملكة العربية السعودية وأكثرها غناء بالزراعة وكنوز التراث والآثار. وتضم هذه المحافظة معالم تاريخية يفوح منها عبْق الماضي وأريجه الذي يعود لما قبل القرن العاشر الهجري من خلال قرية (المَذنَب) التي جرت كثير من أيام العرب في محيطها ووجدت فيها قبائلهم واتخذها الكثيرون منهم موطناً لهم، وأهمهم قبيلة باهلة (البواهل) حيث لا يزال هناك القصر المعروف باسمهم (قصر باهله) ولهم في المنطقة ذاتها أطلال مقامة.
وأطلق تسمية (المذنب) عليها منذ العصر الجاهلي حيث معناها صفة لطبيعة الأرض التي تنحدر نحوها الأودية وتسيل إليها مياهها عبر الرياض المتوالية، وقد قال عنها الشاعر لبيد بن ربيعة العامري:
سفها ولو أني أطيع عواذلي
فيما يشرن به يسفح المذنب
ولأنها -المذنب- كذلك من حيث احتوائها على هذا الكّم الكبير من التراث والتاريخ قررت الهيئة العامة للسياحة والآثار بالمملكة العربية السعودية منذ بضع سنوات تحويلها إلى قرية تراثية، حافظت فيها على آثارها وبيوتها الطينية وعرضت فيها الآلاف من القطع الأثرية، وصارت تستحوذ على جلّ اهتمام السيّاح واستقطبت الزوار في مهرجانات موسمية جعلتها من أهم المحطات السياحية والثقافية حتى أنها حصلت على العديد من الجوائز في مضمارها ومجالها، وأهمها جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني.
في شهر ديسمبر الفائت كنت هناك، في قرية (المذنب) حيث جمالية المكان تتفوّق على مفردات الوصف، كما أن ضيافة القائمين عليها والاستعراض الذي قدّمه المرشدون السياحيون أعطتها بعدها السياحي والحضاري الذي تستحقّه. وهو الأمر الذي يدفعني للقول -بلا تردد- أن دولنا الخليجية كلّها، تغصّ بمقوّمات جذب واستقطاب في مختلف المجالات، سواء الطبيعية منها أو التاريخية التي هي كفيلة بأن تكون محطات تُشدّ إليها الرحال في سياحة لا تنقصها الترفيه والراحة مثلما هي منصة نتعلّم منها تاريخنا ونتعرّف -نحن وأبناؤنا- من خلالها على تراثنا.
إن اهتمامنا بتطوير السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن يكون الاتجاه نحوه كخيار استراتيجي ومحطة فاصلة تسهم في وقف نزيف الأموال المصروفة على السياحة في خارجه، وتتناسب مع الحاجة الآن لتنويع مصادر الدخل القومي. وقبل ذلك الإيمان بأن لدينا مقدّرات ومقوّمات حقيقية للسياحة بأنواعها المتعددة.
كاتب بحريني