أفريقيا والخروج البريطاني

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:١٨ ص
أفريقيا والخروج البريطاني

كارلوس لوبيز

في الوقت الذي تركز فيه بريطانيا على الشكل المحتمل لعلاقتها بالاتحاد الأوروبي بعد خروجها من الكتلة، والمنتظر حدوثه فعليا في وقت ما من العام 2019، تتأهب بقية دول العالم لعصر ما بعد الخروج البريطاني. ويمثل الاستعداد لهذا الطلاق الحتمي بالنسبة لكثير من دول أفريقيا على الأخص مسألة ضرورة اقتصادية، وليس مجرد خطوة تحوطية حذرة.

نجد كثيراً من المحللين يتتبعون باهتمام مبالغ فيه الحضور الاقتصادي للصين في أفريقيا (في العام 2015، قُدر عدد المشروعات التنموية الصينية الجارية في القارة بحوالي 2650 مشروعاً). لكن بريطانيا اعتادت أن تكون على مر السنين شريكاً استثمارياً للقارة أكثر التزاما. فبنهاية العام 2014، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لبريطانيا في أفريقيا 42.5 بليون جنيه استرليني (حوالي 54.1 بليون دولار)، أي أكثر من ضعف حجم مصالحها الاستثمارية، والتي بلغت 20.8 بليون جنيه استرليني في العام 2005. وقد تدفقت الاستثمارات المباشرة الأجنبية البريطانية بشكل كبير إلى قطاعي خدمات الاتصالات والخدمات المالية، لكن المساعدات التنموية ومشروعات البنية الأساسية كانت أيضا محط تركيز.

إلا أنه من المحتمل أن يأخذ هذا الاتجاه التصاعدي منحى معاكساً إذا أفضت مفاوضات الخروج البريطاني مع الاتحاد الأوروبي إلى تآكل الثقة في السوق البريطانية. وقد تبدو مبررات وأسباب البحث عن فرص في الخارج أقل إغراءً حينما تُضطر بريطانيا لدعم وترميم اقتصادها.
وربما كان التأثير على قطاع الخدمات المالية أكبر وأهم تأثير ستشعر به أفريقيا حال تنفيذ «خروج صعب من الاتحاد الأوروبي». ولا شك أن حكومة تيريزا ماي ستسعى خلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لضمان الحفاظ على مكانة حي المال والأعمال في لندن بوصفه المركز المالي الأول في أوروبا. وقد تقوم المؤسسات المالية العاملة في لندن بسحب أسهمها والرحيل فجأة إلى أوروبا القارية حال إخفاق ماي في مهمتها. بيد أن أفريقيا قد تعاني من جراء ذلك.
ولتوضيح ذلك، نجد على سبيل المثال أن منتجات التكنولوجيا المالية المطورة في لندن ساهمت إلى حد ما في تقوية القطاع المصرفي الأفريقي في السنوات الأخيرة ــ بما في ذلك توسيع الأنشطة المصرفية عبر الحدود. كذلك اعتمدت الحلول المالية المتطورة المستخدمة لتحديث مؤسسات مثل بنك ستاندارد، وهو أكبر مصارف أفريقيا، على خبرة المؤسسات العاملة في بريطانيا. وإذا تسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إضعاف دور لندن كمركز مالي، فإن الأضرار المصاحبة التي قد تحل بأفريقيا يمكن رصدها وقياسها بانخفاض ثقة المستثمرين، وحدوث فجوات في الخدمات المصرفية، وتعطل الشبكات والعمليات المصرفية. بمعنى آخر، سيتوقف محرك التحديث المالي في القارة.
كذلك قد يؤدي ضعف قطاع الخدمات المالية البريطاني إلى تناقص المواهب الخبيرة بأحوال الأسواق الأفريقية، مما قد يضر بالتجارة بين بريطانيا وأفريقيا على نطاق أوسع. وللأسف، قد تكون بريطانيا أكثر أهمية لمستقبل أفريقيا في هذا الصدد، وليس العكس. فمع انخفاض العجز التجاري البريطاني المرتبط بأفريقيا عن 5%، يُصبح من المرجح أن لا تقترب القارة من الأولويات العليا التي تشغل تفكير حكومة بريطانيا حالياً.
وقد تتضرر العلاقات الدبلوماسية أيضا إذا صارت بريطانيا أكثر انكفاءً على ذاتها وأغلقت أبوابها أمام المسافرين والطلاب الأفارقة الساعين للالتحاق بالجامعات البريطانية. بإيجاز شديد، يمكن القول بأن الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية التي قويت واشتد عودها عبر عقود ماضية قد تهترأ وتبلى مع تقدم المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
ورغم كل هذا، لا ينبغي لنا أن نبالغ في تقدير حجم المخاطر التي قد يسببها الخروج البريطاني للقارة الأفريقية، وذلك لشيء واحد وهو أن التجارة لم تعد العمود الفقري للعلاقة بين الطرفين. فعدد الدول الأفريقية التي تتنافس على الوصول للسوق البريطانية قليل ومحدود، بينما الكثير منها يسعى لتعزيز وتوسيع التجارة بين بعضها بعضا.
كما أن أفريقيا تتعلم الآن الاعتماد على نفسها بطرق أخرى. فمنذ العام 2000، بلغ متوسط إجمالي المساعدات السنوية المقدمة لأفريقيا 50 بليون دولار، بينما نمت الإيرادات الضريبية بشكل مذهل خلال الفترة ذاتها من 163 بليون دولار إلى 550 بليون دولار. وقد أسهمت عوامل كثيرة مثل زيادة تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي، وإتاحة استخدام الديون السيادية، والارتفاع الحاد في تحويلات المهاجرين في حدوث تغيير في قاعدة الإيرادات بعيداً عن السلع. وصار قادة أفريقيا مشغولين اليوم ببناء تحالفات مع جيرانهم، وتحسين بيئات الأعمال، والتعاون في مشروعات تصنيعية.
لكن رغم تقلص اعتماد الدول الأفريقية على المساعدات الخارجية، إذ باتت أقل اعتمادا عليها من ذي قبل، تبقى علاقاتها بالدول المانحة عامة، وبريطانيا خاصة، مهمة للغاية. إذ تعد بريطانيا، مقارنة بدخلها القومي الإجمالي، من بين أكثر مانحي المساعدات سخاءً في العالم، وهي مكانة تعطي بريطانيا صوتا أكبر في صياغة وتشكيل أجندة التنمية الدولية. ومع تطور شكل المساعدات البريطانية من المنظور الضيق المتمثل في الحد من الفقر إلى تمويل مشروعات الأعمال في بلدان مثل إثيوبيا ورواندا، برزت بريطانيا كحليف رئيس في مجال مساعدة أفريقيا في تنفيذ استراتيجيتها التنموية. وإذا أفضى الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى تقليل انخراط بريطانيا دوليا، فستعاني الأطراف التي اعتادت تلقي المساعدات البريطانية من تبعات هذا الأمر.
بوسع مؤسسات الأعمال والحكومات في أفريقيا أن تخطف اهتمام بريطانيا وتجعلها تركز عليها مجددا، إذ تستطيع أفريقيا لعب دور أكثر مركزية في التخطيط الاقتصادي البريطاني بتقديم الحوافز المناسبة. لكن لكي يحدث ذلك، يتعين على قادة أفريقيا مساعدة نظرائهم في بريطانيا على رؤية تغيير ينعكس في شكل فرص حقيقية. وفي الوقت الذي تتأهب فيه بريطانيا للانسلاخ عن الاتحاد الأوروبي، يجب على أفريقيا أن تنتهز الفرصة لتقدم نفسها كبديل يعتمد عليه.

الأمين التنفيذي الأسبق للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.