مسقط - يوسف محمد البلوشي
أكد عبد الله بن سالم بن خميس العريمي رئيس فريق عمل متابعة ظاهرة التجارة المستترة للمنشآت التجارية وسبل معالجتها ومدير دائرة التدقيق والرقابة على المنشآت التجارية بالوزارة أن أهم وأكبر التحديات التي أدت وساهمت في تمكين التجار المستترة بالنسيج التجاري بالبلد هو الغطاء القانوني والسرية التي تتميز به التجارة المستترة، إذ تعمل بشكل نظامي وتتحصن بمستندات ووثائق رسمية وتقوم بتقديم المتطلبات اللازمة للأعمال التجارية للجهات الرسمية بشكل متكامل في أحيان كثيرة، والرابط هو التعاون المحكم السري والوثيق بين العامل الوافد والتاجر. جاء ذلك في تصريح خاص لـ «الشبيبة» أوضح فيه أيضا أن الآثار السلبية للتجارة المستترة واسعة، فطالما يتصرف العامل الوافد كالمالك في إبرام العقود والصفقات، ويقوم بتحويل العائد من المبيعات في حسابه الخاص ويعمل على زيادة أعداد الوافدين والهيمنة على بعض الأنشطة التجارية، بالتأكيد سيساهم في إيجاد بيئة تنافسية غير متوازنة بالسوق، وغالباً ما تكون السلع المعروضة والخدمات المقدمة من الفاعلين بالتجارة المستترة على حساب الجودة. مصاحبة ومؤدية بذلك إلى زيادة حالات الغش التجاري، والمنافسة غير المشروعة للمواطنين وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ومعظم الأرباح الناجمة منها تحول للخارج. وكذلك يمكن أن تؤدي إلى تورط التاجر العماني في تعاملات وديون يتحمل أعباءها.
إجراءات عديدة
وعن إجراءات مواجهة هذه الظاهرة قال العريمي: «تم اقتصار تسجيل مؤسسة فردية واحدة للشخص الطبيعي الواحد، وتم البدء في هذا الإجراء منذ بداية العقد الفائت والهدف منه تقليص تعدد السجلات للفرد الواحد، إذ لوحظ أن تعدد السجلات لها علاقة بتفشي ظاهرة التجارة المستترة، وتصاعد الأيدي العاملة الأجنبية. كما تم استدعاء عدد (130) شخصاً من ملاك المؤسسات الفردية والشركات الذين يفوق عدد منشآتهم أكثر من 50 منشأة تجارية، وذلك للتحقق والتأكد من صحة بيانات ومعلومات منشآتهم ووجود عقود الإيجار والتراخيص البلدية والالتزام بنسب التعمين وإعداد وتقديم القوائم المالية. كما تم إيقاف عدد (46) من أصحاب هذه السجلات المتعددة عبر نظام استثمر بسهولة ولن يتم رفع هذا الإيقاف عنهم ما لم يتم استيفاء المتطلبات المشار إليها. وتتخذ الوزارة هذا الإجراء للحد من التجارة المستترة وعدم استغلال التسهيلات المقدمة من الوزارة للحصول على أكثر من سجل تجاري وتركه دون استغلال أو التهرب من الضرائب أو الدخول في شراكة مع أقارب وأصدقاء للحصول على القوى العاملة الوافدة فقط، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة أعداد القوى العاملة الوافدة الهاربة والسائبة وتفشي التجارة المستترة. والتوجه لدى الوزارة خلال الفترة المقبلة استدعاء الأشخاص الذين يملكون مؤسسات فردية أو حصص في أقل من 50 منشأة تجارية، وقد حد هذا الإجراء من تصاعد الأيدي العاملة السائبة والهاربة والمتاجرة بالتراخيص العمالية، وكذلك التجارة المستترة من جانب آخر، معززاً هذا الإجراء من توثيق العقود للتصرفات القانونية للمنشأة الفاعلة والملتزمة بقانون العمل والقوانين الأخرى ذات الصلة. إضافة إلى صدور القرار الوزاري رقم 55 / 2013 بتشكيل فريق عمل متابعة ظاهرة التجارة المستترة للمنشآت التجارية وسبل معالجتها، وتحديد آليات تنظيمية لمعالجة هذه الظاهرة وتصحيح أوضاع هذه المنشآت.
برنامج توعوي
مضيفاً: «وقام الفريق باتخاذ عدد من الإجراءات أهمها تنفيذ خطة إعلامية تتضمن برنامجاً توعوياً للتوعية والتعريف بظاهرة التجارة المستترة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية مقرون بفترة زمنية معينة عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، وكان لهذا الدور الأثر الإيجابي في توفير وتعزيز البعد التوعوي حول الآثار الخطيرة لهذه الظاهرة لاسيما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية التي تسببها التجارة المستترة والتوجيه نحو تصحيح أوضاع المنشآت التجارية بما يتفق مع قواعد القانون. كما قام الفريق بالتنسيق مع الجهات الرسمية المختلفة بعدم قانونية إبرام مذكرات التفاهم والاتفاقيات الجانبية التي تنص على استبعاد أي شريك وإعفائه من تحمل الخسائر أو عدم حصوله على أرباح أو حصوله على مبلغ ثابت باعتبار أن هذه الاتفاقيات تخل بأحد أركان الشركة التي تؤدي إلى بطلانها وصورة من صور التجارة المستترة. كما تم أيضا تعزيز الدور الرقابي الميداني على المنشآت التجارية لمعاينتها على أرض الواقع والتحقق من استيفائها لمتطلبات ممارسة الأعمال التجارية. لاسيما الشركات الخاضعة لقانون استثمار رأس المال الأجنبي. وقام الفريق كذلك بمتابعة مالكي المؤسسات الفردية والذين لديهم سجلات تجارية منتهية لتجديد سجلاتهم خلال فترة زمنية معينة، ويمكن للوزارة القيام بإلغائها في حالة عدم التجديد وفقاً للقوانين المعمول بها بالنسبة للمؤسسات الفردية. وكذلك التقيد بالرقم المدني في تسجيل واستخراج السجلات التجارية للحيلولة دون تجاوز تسجيل أكثر من مؤسسة فردية باسم الشخص الطبيعي الواحد. كما أن الفريق رفع توصية باستحداث تنظيم قانوني يكافح ويتصدى للتجارة المستترة بشكل مباشر من حيث التعريف والتجريم ورصد العقوبة المناسبة لها.
تعاون قوي ووثيق وسري
العريمي قال أيضا: «توجد أسباب كثيرة تقف وراء انتشار هذه الظاهرة أهمها الغطاء القانوني الذي تتميز به المنشآت التجارية التي تمارس التجارة المستترة، إذ تعمل بشكل نظامي، كما يوجد تعاون قوي ووثيق وسري بين العامل الوافد والتاجر. إضافة إلى قصور الوعي والإدراك لدى البعض تجاه مخاطر التجارة المستترة. وكذلك سهولة استخراج التراخيص المختلفة والتسجيلات التجارية، وحرية التحويلات المالية. وضعف روح المغامرة والخوف من الخسارة.
5- التفويض المطلق للوافد بالإدارة والتوقيع وقيامه بإبرام العقود والاتفاقيات والإشراف والتنفيذ على أوجه المنشأة التجارية كافة، وعدم تفرغ صاحب المنشأة لإدارة مشاريعه. ومن الأسباب أيضا قلة التعمين في الوظائف العليا للمنشأة التجارية، مما جعل الوافد هو صاحب القرار الأول والذي بدوره يساهم في زيادة أعداد القوى العاملة الوافدة من بني جنسه. وإيجاد مصادر دخل أو تعزيزها بطريقة أكثر ربحية وسهلة وسريعة. إضافة إلى عدم إفساح المجال للمنشآت التجارية العمانية المملوكة جميع حصصها لعمانيين 100% والتي تدار بأيدٍ عاملة وطنية في التزايد فيما بينها في المناقصات التي تقل عن مبلغ محدد والتي لا تتطلب تقنية حديثة أو مهارات فنية خاصة من الخارج. والاقتصار عليها دون مزاحمة من الشركات العالمية والشركات الخاضعة لقانون الاستثمار.
هدف لدى الوزارة
مضيفا: «أن ظاهرة تعدد السجلات التجارية أصبحت بحد ذاتها تحدياً، وتقليصها والحد من تصاعدها غير الموضوعي هدف لدى الوزارة، والتاجر الفعلي والجاد قد يكتفي بمنشأة تجارية واحدة تستوعب عشرات الأنشطة التجارية، بحيث تتسم بالتنظيم والمصداقية. وتشجع الوزارة دمج السجلات التجارية لما سيسهل ذلك على المؤسسات والشركات عملية إنجاز معاملتها التجارية، والتفرغ لإدارة مؤسسة واحدة فقط بدل من مؤسسات أو شركات عدة، وكذلك توجيه الشركات إلى اتخاذ قرار الاندماج بإحدى الطرق القانونية: الأولى طريقة الضم وهو حل شركة أو أكثر ونقل ذمتها المالية إلى شركة قائمة، والثانية طريقة المزج وهي حل شركتين أو أكثر وتأسيس شركة جديدة تنتقل إليها ذمة كل من الشركات المندمجة، أما المؤسسات الفردية فيمكن تحويل أعمالها وأنشطتها لأي مؤسسة أو شركة قائمة دون اتخاذ إجراءات الاندماج، وقد استجاب لهذا التوجه بعض التجار، مع الإشارة إلى أن دمج السجلات له فوائد عديدة منها للتاجر حيث يؤدي الاندماج إلى وجود منشأة صلبة وقوية ولديها مقومات تنافسية في سوق حر، كما أنه سيؤدي إلى تقليص الأيدي العاملة الوافدة السائبة والهاربة والحد من تفشي التجارة المستترة، كون تعدد السجلات هو أرض خصبة لهذه الظاهرة.
عدم تفرغ التاجر العماني
العريمي اختتم حديثه قائلا: «التجارة المستترة يمكن أن تتوغل إلى أنشطة تجارية مختلفة وعادة في البداية تستهدف الأنشطة التجارية ذات التكلفة القليلة، إذ إن التاجر الوافد المتستر هو من لا توجد لديه الملاءة والقدرة المالية لتنظيم هذه العلاقة عبر قانون استثمار رأس المال الأجنبي والدخول كمستثمر إلى السلطنة، وبالتالي يلجأ إلى التستر كأحد الأسباب الرئيسية. كما لوحظ أن نشاط المقاولات يضم أعداداً كبيرة من الوافدين وتوجد به أقل نسبة تعمين مسجلة. وأخيراً نرى أن وراء انتشار التجارة المستترة أسباب عديدة كما أشرنا ويأتي عدم تفرغ التاجر العماني كأحد الأسباب الرئيسية الذي يغذي تصاعد هذه الظاهرة.