فوزي بن يونس بن حديد
الشباب عماد الأمة وعمود الوطن، بهم يرقى المجتمع إلى مصاف الدول المتقدمة، يصنعون الحياة ويشعّون وهجها، ويرسمون لوحات من الإبداع لتغيير البوصلة نحو خدمة من يحبّ الحياة، ومنذ العصر الذهبي كان الشباب ولا يزالون يمثلون الحلقة الأقوى في أي مكان وفي أي زمان، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يهتم بالشباب ويعتمد عليهم في المهمات الصعبة في الحياة، فقد أسند قيادة الجيش لشاب لم يتجاوز عمره 18 عامًا بعد أن رأى فيه ملامح القيادة الشابة وظهرت عليه علامات الفتوة والذكاء وتسيير الأمور رغم أن الجيش الإسلامي آنذاك كان يضم كبار الصحابة والأقوياء.
يمكن لنا أن نفهم أن الشباب بتوازنهم في الحياة يصنعون المعجزات وتتلألأ على جباههم قيادة المجتمع نحو بر الأمان بمسؤولية واقتدار، وحينما تنطلق القدرات وتتفتق المواهب وتظهر الجدية وملامح البطولة يكون المجتمع في أمن وأمان، وحينما يدرك الشاب المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه تجاه وطنه يعمل بجد وإتقان، وحينما يفهم الشاب رسالته في الحياة يُنتج ولا يستهلك إلا قليلًا لأنه فقه معنى الادخار، وحين لا يستنكف عن التبحّر في عالم الصناعة والتجارة وسائر الأعمال تنمو أرباحه وتتكاثر وتتضاعف، وحين يولّي وجهه شطر العمل ولا شيء غير العمل يحقق لوطنه الرقي والازدهار.
فالشباب هم قوة الأمة ونهضتها تزهو وتتزين للعيان، لأنهم رأس مالها وعُدّة مستقبلها، لهم دور كبير ومهمّ في بناء المجتمع، لذلك عني الإسلام بهذه النجوم التي تضيء سماءه، فنحن بحاجة إلى الشباب المؤمن الحريص العاقل المستشعر لواجباته تجاه دينه ووطنه المتحمّل للمسؤولية والأمانة في بيته مع أهله، وفي وطنه وبين أفراد مجتمعه، نحن بحاجة إلى الشباب المخلص الذي يحوّل الخيبة إلى أمل، واللهو إلى عمل، يشتاقون إلى المعالي ويذللون الصعاب ويصنعون المستحيل ويقفون في وجه الذل والهوان.
ولكن أمام هؤلاء الشباب تحديات كبيرة ومشاكل عويصة، نخسر أعدادًا كبيرة منهم كل يوم بفعل نوائب الدهر، فمنهم من يموت في الحوادث نتيجة التهور والطيش والعبث بالمركبات، ومنهم من يلهو ويعبث بالمسكرات والمخدرات فيقع فريسة لرفقاء السوء ويصبح عالة على المجتمع، ومنهم من يستنكف عن العمل ويريد المال بأي ثمن، كل هذه الصعوبات وغيرها تجعل الشباب يبتعد عن الأسرة التي نشأ فيها ويهجر والديه وإخوانه ويفضل أن يعيش وحيدًا منعزلًا، يختار حياته بنفسه، يريد أن يعيش شبابه قبل فوات الأوان كما يزعم ويعتقد، يريد أن يتمتع بملذات الدنيا ما دام صغيرًا، يريد أن يشتري ما بدا له من اللباس وغيره من الكماليات ولا يلتفت إلى والديه وقلباهما عليه يحترقان كل يوم مئة مرة، لا ينظر إلى البيت الذي نشأ فيه وترعرع ماذا ينقصه وكيف يزيّنه ويساهم في إصلاحه.
ومنهم من يغتر بالحياة الأخرى عندما يسافر إلى بلدان لم يعرفها إلا بالاسم فينبهر بالحرية الوهمية والفوضى العارمة والإباحية المطلقة فيحتار وأمامه خياران إما أن يكون أو لا يكون، إما أن يبحر في العالم الآخر وتتغير أوصافه ويرجع إلى وطنه بفكر جديد وخلق عجيب، وإما أن يبقى على حاله ويشكر الله عز وجل أنه يعيش في وطن يتحلى بالخلق الرفيع والتعامل الفضيل الذي يدعو إليه رب العالمين.
فعلى الشاب أن يضع نصب عينيه ما يعتريه من ظروف في حياته فقد ينجرف وراء دعوات هنا وهناك قد تفسده وتجعله يتمرّد على وطنه وعائلته ثم يندم على ذلك أشد الندم حيث لا ينفع الندم، وقد تغريه أفكار ومعتقدات دخيلة فيتبناها ويحاول الدفاع عنها حتى لو واجه المجتمع كله فيقع في صدام فكري يتعارض مع نشأته وفطرته.