خبراء يؤكدون أهمية التراث الثقافي في التنمية المستدامة

بلادنا الأربعاء ١٧/فبراير/٢٠١٦ ٠١:٣٥ ص
خبراء يؤكدون أهمية التراث الثقافي في التنمية المستدامة

مسقط - يوسف بن محمد البلوشي

قال مدير قطاع بحوث الثقافة والعلوم الإنسانية في مجلس البحث العلمي د. يوسف البوسعيدي إن التراث الثقافي العماني يحظى بالدعم والرعاية السامية للعمل على توثيقه ليكون متاحا للأجيال المقبلة.

وأضاف البوسعيدي، في تصريح لـ «الشبيبة» على هامش حلقة العمل الدولية «التراث الثقافي والتنمية المستدامة» التي ينظمها مجلس البحث العلمي بحضور أعضاء اللجنة التوجيهية لبرنامج بحوث التراث الثقافي العماني، أن هناك لجنة شكلت بغرض المحافظة على التراث الثقافي العماني برئاسة رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون معالي د. عبدالله بن ناصر الحراصي، ووكيل التراث والثقافة للثقافة سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري نائبا له، وأن هناك ممثلين من مختلف الجهات المختلفة، حيث تحظى هذه اللجنة بدعم مباشر ولا محدود من صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، وكذلك فإن مجلس البحث العلمي وبتوجيه من هيئته يقوم بدور كبير فيما يخص البحث في التراث الثقافي العماني وتوثيقه وإيجاد بيئة من التواصل بين الخبراء العمانيين والعالميين لبحث مكنونات هذا التراث بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى في السلطنة وخارجها.

وأشار البوسعيدي إلى أن التراث الثقافي العماني يتميز بالعمق والقدم وتعدد المكونات به ويعد من التراثات التي تتطور بتعاقب الفترات التاريخية التي مرت بها السلطنة ولذلك فإن المحافظة عليها من الاندثار تعد من التحديات الكبيرة خصوصا مع قلة الباحثين العمانيين في مجالات التراث الثقافي. وبين البوسعيدي أن هناك جهودا كبيرة تبذل لمتابعة التغير في التراث العماني وتوثيق مراحلة المختلفة وإخضاعه لبرنامج الاستدامة من خلال التوثيق والتوعية بأهمية هذا التراث العريق الذي يعد واحدا من أكثر التراثات ثراءً على مستوى المنطقة وهناك إشادة دولية وحرص عالمي على أهمية التراث الثقافي العماني في رفد الحضارة.
وأفاد البوسعيدي بأن الدول العربية تتشارك في كثير من التراث الثقافي وهناك تداخل كبير في اللباس والمأكل والعادات والتقاليد والحرف الممارسة مع وجود اختلافات بسيطة نتيجة للعوامل الطبيعية لتلك الدول ولذلك فإن التحديات متشابهة في الدول العربية فيما يخص المحافظة على التراث الثقافي وأهمها العولمة والغزو الإعلامي والتحيز لعلوم الطب والهندسة عن العلوم الإنسانية والثقافية.
وعن حلقة العمل قال البوسعيدي إنها تهدف إلى الاستفادة من الخبرات العالمية في إدارة التجارب البحثية للتراث الثقافي وإشرافهم على مراكز التراث الثقافي في دولهم ويشارك فيها علماء وخبراء من خمس دول من مختلف دول العالم.
وأضاف البوسعيدي أنه يتم خلال هذه الحلقة مراجعة وثيقة التراث الثقافي عبر جلسات عمل يقسم فيها المشاركون إلى مجموعات تعتمد على الحوار مع الخبرات العالمية، موضحا أن حلقة العمل تأتي ضمن سلسلة من البرامج التي يقيمها مجلس البحث العلمي لبحث التراث المادي العماني.

رافد للحراك التنموي

من جانبها قالت عضوة اللجنة التوجيهية لبرنامج التراث الثقافي د. عائشة الدرمكية: أن التراث الثقافي نتاج لفكر المجتمعات وروحها ومعتقداتها التي مثلت ضمن مراحلها المتعددة نواة الحياة وهيكل استمراريتها، ولهذا فإنه يشكل مجموعة من العلاقات المتشابكة والمتداخلة التي تمتد من الاجتماعي إلى الاقتصادي والسياسي، ذلك لأن التراث الثقافي يتأسس في تلك المجتمعات بوصفه رافدا للحراك التنموي المتغير بتغير المقومات البنائية فيها.

وأضافت خلال فعاليات حلقة العمل الدولية: سنجد أن المجتمعات قد عاشت حياتها بما تنتجه من تراثها الثقافي سواء أكان ماديا أو غير مادي، ضمن مجموعة من الأيديولوجيات التي مثلت في مراحلها استراتيجية حياة تنموية شاملة تتعلق بالخصائص الاجتماعية والمعرفية والاقتصادية، ولذلك فإننا إذا ما أردنا إحداث استراتيجيات تنموية تتناسب وعصرنا الحديث فلابد أن يكون التراث الثقافي جزءا مهما منها، لأنه يمثل الركيزة الأساسية على المستويين المعرفي والقيمي، فهو معطى حركي ينقل حضارة المجتمع من مستوى معرفي إلى آخر اعتمادا على الحركة التنموية المتزامنة مع كل عصر.

وأشارت إلى أن الحركة التنموية في المجتمعات تقوم على تشييد بناءات وهياكل اقتصادية واجتماعية وثقافية مدروسة وذات أبعاد معرفية واضحة، ولهذا فإن تلك الحركة التنموية تعمل على تجسير المسافات بين تلك الجوانب التي تقوم عليها وتتأسس على نتائجها، وبين المجتمع الذي ينتجها ويدفع بها إلى الحراك التنموي، ولهذا فإن أهم الإشكالات التنموية التي قد تظهر في بعض الدول هو اشتغالها على المجالات الاقتصادية والسياسية بوصفها أساس الاستراتيجيات التنموية متناسية المجالات الثقافية والمعرفية باعتبارها غير مؤثرة على هذه الاستراتيجيات محدثة بذلك مجموعة من المشكلات التي سيؤثر تفاقمها على الحراك التنموي لتلك الدول.

وأكدت الدرمكية في كلمتها: على الرغم من أن التنمية المستدامة ترتكز في الأساس على توفير الحاجات الأساسية للمجتمعات من المأكل والمشرب والملبس، فإن هذا المفهوم تطور بتطور مفهوم المجتمعات وحاجاته الأساسية المادية وغير المادية، لتكون في جوهرها - بحسب اللجنة العالمية للبيئة والتنمية - عملية تغيير يكون فيها استغلال الموارد واتجاه الاستثمارات ووجهة التطور التكنولوجي، والتغيير المؤسساتي أيضا، في حالة انسجام وتناغم، وتعمل على تعزيز إمكانية الحاضر والمستقبل لتلبية الحاجات والمطامح الإنسانية، إلا أن تلك الحاجات والمطامح تتغير أيضا من مجتمع إلى آخر ومن جيل إلى آخر ليشكل المستوى الثقافي بعناصره ومجالاته المتعددة أساساً مهما تقوم عليه التنمية المستدامة لأنه منطلق البيئة الاجتماعية والحضارية والفكرية لأي مجتمع.
وقالت إن التنمية المستدامة بذلك تتأسس على المجتمع وتنطلق منه إلى إيجاد موارد اقتصادية وسياسية واجتماعية تضمن الحياة الكريمة لأفراده، وهذه الحياة ضمن هذا التعريف لا تقوم على جانب دون غيره كما أسلفنا وإنما تشتغل في منظومة متكاملة تمثل الثقافة ركنا مهما منها، على أن هذه الثقافة تقوم في الأصل على مرتكزات أساسية يشكل التراث مرتكزاً أولياً في منظومتها، ولعل التنوع الثقافي الذي تحظى به المجتمعات المعرفية ثروة مهمة من ثروات التنمية التي تقوم عليها الاستراتيجيات التنموية في العالم اليوم، وهو تنوع فكري ومعرفي تعتز به المجتمعات وتعده ثروة تنموية مهمة.

دور السلطنة

وحول دور السلطنة، قالت: تولي السلطنة التراث الثقافي أهمية كبرى ولعل وجوده أساسا وهدفا من أهداف الخطط التنموية للدولة واحد من الشواهد المهمة في ذلك، وهناك التجارب الكثيرة والمتعددة التي قامت عليها المؤسسات المعنية بالتراث في السلطنة سواء تلك المشروعات القائمة في وزارة التراث والثقافة أو الهيئة العامة للحرفية أو تلك التي تشتغل عليها وزارة السياحة أو الزراعة والثروة السمكية وغيرها من المؤسسات كل منها تأخذ المبادرات والمشروعات التي تُعنى بها، بالإضافة إلى تلك المبادرات والمشروعات العمانية الفردية التي يقوم عليها الشباب العماني والتي أصبحت منافسا مهما في الأسواق المحلية والإقليمية.

وفي ختام كلمتها قالت: إن هذه الحلقة الدولية تسعى إلى رصد تلك التجارب الدولية والإقليمية والمحلية لتأسيس رؤية واضحة عن دور التراث الثقافي في بناء استراتيجية المشروعات التنموية المستدامة بما يخدم وضع وثيقة عمل استراتيجية ترفد برنامج التراث الثقافي بمجلس البحث العلمي والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بالسلطنة، ليكون لهذا البرنامج رؤية تنموية تنبع من حاجات المجتمع الثقافية والفكرية وتنطلق من مخرجات تلك التجارب والمشروعات ونتائجها بغية الوصول إلى خطوات عملية يمكن للبرنامج السير ضمنها لتحقيق تلك التنمية ورفدها بمعطيات جديدة تتطور تدريجيا بتطور مجتمعنا العماني ثقافيا ومعرفيا.

أولوية وطنية

بعد ذلك قدمت عائشة البحرية، من مجلس البحث العلمي وعضوة اللجنة التوجيهية للبرنامج عرضا مرئيا تضمن الحديث عن أهمية الاهتمام بالتراث كأولوية وطنية، من حيث إن التراث مصدر من مصادر المعرفة، ويعد مصدرا مهما للثقافة المحلية ويعزز دورها في الحياة المعاصرة، ويحمل في طياته الدروس والعبر ويحمل قيم ورسائل مختلفة، ويمثل هوية المجتمعات البشرية، ومصدرا من مصادر الدخل القومي.
وأضافت في عرضها أن من الأهداف الرئيسية لبرنامج التراث الثقافي العماني توفير بيئة بحثية محفزه لبحوث التراث الثقافي العماني من حيث إنشاء آليات للتواصل والحوار بين جميع فروع بحوث التراث الثقافي، وتوفير البيانات والمعلومات الضرورية لإجراء البحوث في مجال التراث الثقافي، وعقد حلقات عمل متخصصة في مجال التراث الثقافي، وإعداد الموسوعات المرجعية لمواد التراث الثقافي بأشكاله المتعددة، وتعزيز دور الجهات المختلفة في الدولة في جمع وحصر وتوثيق مختلف مواد التراث الثقافي، والعمل مع الجهات المختصة في المجلس على إنشاء نظام للمعلومات يحتوي على قواعد بيانات شاملة لجميع مواد التراث الثقافي.
وحول الأهداف المرجوة من حلقة العمل بينت عائشة البحرية أنها تضم عرض تجارب دول ومنظمات في إدارة مراكز بحثية في مجال التراث الثقافي، ومناقشة دور التراث الثقافي في التنمية المستدامة، ومشاركة الجهات المعنية والمهتمين في مجال التراث الثقافي العماني في الصياغة النهائية لبرنامج التراث الثقافي العماني، وإيجاد روابط مشتركة وبناء علاقات بحثية مع المختصين والباحثين الدوليين في مجال التراث الثقافي.
في المحور الأول بعنوان عرض تجارب دولية لدور التراث الثقافي في التنمية المستدامة، قدم د. أحمد مرسي من جمهورية مصر العربية ورقة عمل حول التراث الثقافي غير المادي والتنمية المحلية المستدامة (تجربة مصرية)، وقدم نايجل إنكلادا من دولة بيليز ورقة عمل حول المؤسسات البحثية والمجتمعات تحديد لدورها في التنمية المستدامة، وقدم د. خليفة آل خليفة من مملكة البحرين ورقة عمل حول تنمية وتطوير المراكز الثقافية البحثية في البحرين.

وفي المحور الثاني قدمت د. نجوى عدرة ورقة عمل بعنوان نهج التراث الثقافي والتنمية المستدامة بسلطنة عمان، وقدم د. علي الريامي من جامعة السلطان قابوس ورقة عمل بعنوان قراءة في واقع مشروعات التراث الثقافي البحثية والتنمية المستدامة، وقدمت د. ايفرم اوزونيل ورقة عمل بعنوان من أجل تدابير صون جديدة: التنمية المستدامة من أجل التراث الثقافي غير المادي.

وتتواصل فعاليات الحلقة في يومها الثاني بإقامة جلستي عمل، الأولى بعنوان مشروعات التراث الثقافي البحثية والخطط التنموية، والثانية عن مسودة استراتيجية برنامج التراث الثقافي.