جين بيساني فيري
إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بعض التحديات الرئيسية اليوم - بما في ذلك تغير المناخ، والمعاشات التقاعدية والدين العام وسوق العمل - فقد يظهر لنا استنتاج واضح: أنه من الأسوأ أن تكون اليوم من فئة الشباب مقارنة مع وضعية الشباب قبل ربع قرن. ولكن في معظم البلدان، نجد أن عامل الأجيال غائب بشكل ملحوظ من النقاش السياسي. فقد كان الناس قبل خمسين عاما يتحدثون في كثير من الأحيان وبصوت عال حول «الفجوة بين الأجيال». أما اليوم، فقد أصبحت هذه الفجوة غير مرئية. وهذا أمر سيئ بالنسبة للشباب والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إذا بدأنا بتغير المناخ. فاٍن احتوائه يتطلب تغيير العادات والاستثمار في خفض الانبعاثات حتى نترك للأجيال القادمة كوكبا صالحا للسكن. وقد تم دق ناقوس الخطر لأول مرة في العام 1992 في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو. ولكن على مدى الجيل الفائت، لم ينجز الكثير لاحتواء الانبعاثات. و من غير المرجح أن يكون التقدم الذي جاء بعد الاتفاق التاريخي الذي تحقق في باريس في ديسمبر سريعا، لأن هذا الاتفاق يستند على تأجيل جهود كبيرة. لقد كانت الموافقة العالمية ممكنة وذلك من خلال المزيد من التأخير.
وبالنظر إلى الجمود الضخم الكامن في ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن الفجوة بين السلوك المسؤول وغير المسؤول ستؤدي إلى اختلاف في درجات الحرارة خلال ربع قرن فقط، وسوف يتبعها آثار كبيرة خلال 50 سنة فقط. إن أي شخص اليوم يفوق سن الستين سيكون من الصعب عليه ملاحظة الفرق بين السيناريو الأول و الثاني. لكن مصير معظم المواطنين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة حاليا سيتأثر وبشكل أساسي. في حين، سيتوجب على الأجيال الجديدة دفع ثمن الراحة التي اكتسبت من قبل الأجيال الأكبر سنا.
وبالنسبة للديون الآن. منذ العام 1990، ازداد الدين العام بنحو 40 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (وأكثر من ذلك بكثير في اليابان). ونظرا لانخفاض أسعار الفائدة إلى الصفر تقريبا، انخفض السحب الموافق للدخل في الوقت الراهن؛ لكن استقرت نسب الديون بسبب التضخم غير الموجود عمليا و بسبب النمو الضعيف. لذلك، فاٍن تخفيض الديون سوف يستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا في أعقاب الأزمة المالية العالمية، الشيء الذي سوف يحرم الأجيال القادمة من الغطاء المالي الذي قد يحتاجونه للاستثمار في عمل المناخ أو في احتواء التهديدات الأمنية.
وتمثل معاشات التقاعد المستقبلية شكلا آخر من أشكال الدين. إن نظم دفع الاستحقاقات أولا بأول والتي تستخدم من قبل العديد من البلدان هي مخططات نقل ضخمة بين الأجيال. اٍنه من الصحيح والمتوقع أن يساهم الجميع ويعمل في نفس الوقت، قبل أن يصبحوا مجرد متلقين في التقاعد. في حالة مثالية ثابتة، فإن أنظمة التقاعد لن تقوم بإعادة توزيع الدخل عبر أفواج ولدت في مراحل مختلفة من الزمن. كما يقول المتخصصون، إنها ستكون محايدة عبر الأجيال.
لكن المزدادين في فترة طفرة المواليد (أولئك الذين ولدوا بين منتصف سنة 1940 ومنتصف سنة 1960) كانوا يدفعون مبالغ زهيدة في مخططات دفع الاستحقاقات أولا بأول، لأن النمو الاقتصادي وحجم السكان وانخفاض متوسط العمر المتوقع لآبائهم جعل تمويل المعاشات التقاعدية سهلة. لقد ذهبت كل هذه العوامل الآن في الاتجاه المعاكس: تباطأ النمو وأثر الوزن الديمغرافي الثقيل للجيل القديم على مسار أطفالهم، حيث من المتوقع أن يعيشوا طويلا.
وكانت البلدان التي أدخلت إصلاحات التقاعد المبكر قادرة على الحد من العبء الناتج على الشباب، والحفاظ على التوازن بين الأجيال بشكل عادل تقريبا. ولكن الدول التي تأخرت في وضع الإصلاحات لم تحافظ على هذا التوازن وأصبح الشباب في وضع سيئ.
و أخيرا، بالنسبة لسوق العمل، على مدى العقد الفائت، فقد ساءت الظروف للوافدين الجدد بشكل ملحوظ في العديد من البلدان. وبلغ عدد الشباب الذين تم تصنيفهم على أنهم غير نشيطين في أي إطار (لا في التوظيف ولا في التعليم ولا في التدريب) حاليا 10.2 مليونا في الولايات المتحدة و 14 مليونا في الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من هؤلاء الذين دخلوا مؤخرا سوق العمل يعانون من انعدام الأمن الوظيفي ونوبات متكررة من البطالة. ففي أوروبا القارية، العمال الشباب هم أول من يعاني من الركود الاقتصادي.
وفي كل هذه القضايا المتعلقة بالمناخ والديون والمعاشات التقاعدية وفرص العمل - عانت الأجيال الشابة حالة أسوأ بسبب التطورات على مدى ربع القرن الفائت. والخلاصة هي أن هناك أحيانا مزيدا من الفقر في أوساط الشباب يفوق بكثير ما هو عليه في فئة كبار السن. ويجب أن تكون لهذه القضية تداعيات سياسية كبرى، مع انعكاسات كبيرة على المالية العامة والحماية الاجتماعية والسياسة الضريبية وتنظيم سوق العمل. ومن شأن ذلك أن يعزز حتمية إحياء النمو من خلال سياسات الزيادة الإنتاجية.
ومع ذلك، فإن للفجوة بين الأجيال الجديدة قليل من التأثير السياسي المباشر. فلا تذكي النقاش الانتخابي، ولم تؤدي إلى ظهور أحزاب أو حركات جديدة. بدلا من ذلك، فإن الفجوة بين الأجيال تظهر أكثر في المشاركة الانتخابية.
في أحدث الانتخابات النصفية الأميركية، كانت نسبة المشاركة بين المواطنين الشباب أقل من 20٪، مقارنة بأكثر من 50٪ لكبار السن الناخبين. ويمكن ملاحظة اتجاهات مماثلة في بلدان أخرى. وعلى الرغم من زيادة حالة عدم اليقين التي يواجهونها، فاٍن المواطنين الأصغر سنا هم أكثر انفصاما من السياسة الانتخابية على عكس آبائهم وأجدادهم حين كانوا في نفس العمر.
و تفسر هذه الفجوة بين الأجيال في المشاركة الانتخابية سبب اهتمام السياسيين بكبار السن أكثر من الشباب. ولكن في مجتمعات الشيخوخة، كلما امتنع الشباب عن التصويت، كلما كانت قرارات البرلمانات والحكومات متحيزة ضد مصالحهم.
صحيح أن الوالدين ليسا أنانيين عموما. بل إنهما يقومان بمساعدة أطفالهم من خلال التحويلات الخاصة والمنح. ولكن فقط ذوي الدخل والثروة يستطيعون توفير هذا الدعم الكبير. إن نتيجة إهمال الشباب بشكل جماعي ودعمهم بصفة خاصة يؤدي إلى عدم المساواة الاجتماعية على نطاق واسع.
السؤال الرئيسي بالنسبة لجميع الديمقراطيات هو كيفية معالجة التمييز بيم الأجيال في النظام السياسي. هناك بعض الحلول: التصويت الإلزامي وتحديد مدة ولاية المسؤولين المنتخبين وإنشاء برلمانات شبابية أو هيئات خاصة لبحث القضايا المشتركة بين الأجيال، على سبيل المثال. لكن ستكون هذه التدابير إما صعبة التنفيذ أو متوسطة الفعالية إلى حد ما نظرا لحجم التحديات.
من الواضح أن الاتجاهات الحالية غير مقبولة سياسيا واجتماعيا. لكن من غير الواضح معرفة متى وكيف سيدرك الشباب هذا ويجعلون صوتهم مسموعا.
أستاذ في كلية هيرتي للإدارة في برلين، ويشغل حاليا منصب المفوض العام لشؤون التخطيط السياسي للحكومة الفرنسية.