خبير دولي لـ «الشبيبة»: انهيار سد الموصل قد ينهي دولة العراق (1-2)

الحدث الأربعاء ١٧/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
خبير دولي لـ «الشبيبة»: انهيار سد الموصل قد ينهي دولة العراق (1-2)

مسقط – محمد محمود البشتاوي

يقفُ العراق اليوم على عتباتِ كارثةٍ جديدةٍ تتجاوزُ تحدياته الأمنية والسياسية والاقتصادية السائدة، ليكون أمام خطرٍ داهمٍ يهددُ وجودهُ في حال انهيار «سد الموصلِ»، بفعلِ تعرض أرضه المكونة من الصخور الجبسيةِ لتآكلٍ، وعوامل حتٍّ، وتعريةٍ، كما يرى خبير السدود الدولي الدكتور المهندس محمد حافظ، في حوار شامل أجرته معه «الشبيبة»، مشيراً إلى أن هذا التهديد «سيكون أهم وأخطر لدولةِ وشعبِ العراق من أي حادث مأساوي مر عليه خلال الــ 50 عاما الفائتة»، إذ قد ينهي السد بانهيارهِ دولة العراق.

السيناريو الأكثر رعبا

وعلاوةً على ذلك؛ فإن «سد الموصل» أمام سيناريو أكثر رُعباً، فيما لو صاحبَ الانهيار، أو سبقهُ زلزالٌ مدمّرٌ، لاسيما وأن تلك المنطقة الواقعة ضمن «الحدود الشمالية العراقية – الإيرانية – التركية ناشطة زلزاليا»، وفق «مركز الزلازل العالمي»، الأمر الذي يجعل من خطر الكارثةِ مضاعفاً، بحسب ما ينبهُ إلى ذلك الخبير محمد حافظ، الذي أكد أن الدراسات والبحوث الحالية، لم تأخذ بعين الاعتبار هذا العامل المرعب، مشيراً إلى أن «أكبر احتمالية لانهيار السدود هي عندما يتزامن وقوع حادثين في آن واحد مثل حادث فيضان مع زلزال بغض النظر عن قوة الفيضان وقوة الزلزال».
يُضافُ إلى العوامل الجيولوجية آنفة الذكر، التي سردها الدكتور حافظ، تعرض السد لعمل تخريبيٍّ من طرفِ جهةٍ خارجيَّةٍ – قصف بالطيران –، أو تعرضه لعمل إرهابي، إذ يبقى هذا السيناريو متداولاً في ضوء الأزمات الأمنية والصراعات القائمة اليوم في العراق، ويمكن الإشارة على سبيل المثال، إلى أن تنظيم داعش حاول اجتياح منطقة السد 14 مرة منذ سيطرته على الموصل، كما تمكن التنظيم من وقف عمليات الصيانة التي كانت تتم سنويًّا للحفاظ على استقرار السد، وبسبب المواجهات هرب الخبراء من المنطقة، فيما سرق داعش التجهيزات الفنية الخاصة بالصيانة.
وتعود أهمية سد الموصل نظراً إلى سعته، وموقعهِ، حيث يعتبرُ أحد أكبر السدود العراقية المقامة على نهر دجلة، والبعض يصنفه ضمن سدود منطقة الشرق الأوسط العملاقة.
يقع السد على بعد 450 كم شمال العاصمة بغداد وقرابة 30 كم من شمال غرب مدينة الموصل، وهو سد ركامي يصل طوله لقرابة 3200 متر وارتفاعه الإنشائي إلى 131 متر وبينما أقصى ارتفاع للماء أمامه يصل لــ113 مترا. ويحجز السد أمامه كمية مياه تصل لـ 11 بليون متر مكعب كأقصى سعة حجمية. وغالبا ما تصل بحيرة خزان السد لأعلى سعة لها بعد منتصف شهر مارس وحتى بداية مايو من كل عام.
ويشير الخبير الدولي في حديثه لـ «الشبيبة» إلى أن سد الموصل يعتبر من السدود متعددة الأغراض حيث «يستخدم لحجز الفيضانات التي كانت تغرق قرى شمال العراق في فصل الربيع بالإضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية حيث تصل طاقته لقرابة 35% من طاقة السد العالي بمصر أي 750 ميجاوات، كما يروي قرابة 7500 كم مربع من الأراضي الزراعية القريبة منه».

ماذا يعني الانهيار؟

السيناريو الأسوأ يبدأُ من لحظةِ الانهيار، و»هو عند ملء بحيرة السد حتى منسوب 330 فوق سطح البحر فإنه يتوقع أن تستغرق أول موجة للفيضان لمدينة الموصل بعد ثلاث ساعات، وكذلك الجزء الوسطي من حوض نهر دجلة سوف يتعرضان للدمار الشامل نتيجة الموجة الفيضانية المنطلقة من سد الموصل في حالة انهياره، وسوف تكون الخسائر بالأرواح بما يزيد على النصف مليون إنسان كتخمين متواضع جداً بسبب غياب الإحصاءات الحديثة. أما الخسائر المادية فسوف تصل إلى تريليونات الدولارات بسبب تدمير الممتلكات والبنى الأساسية بما تشمله من طرق وجسور ومحطات للكهرباء ومشاريع مياه ومجاري ومصانع وغيرها. إن توقيت وقوع الكارثة لا يمكن التكهن به الآن، إلا أن سد الموصل سوف يبقى قنبلة موقوتة» وفق ما يقوله د.محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود وهندسة جيوتكنيك السواحل الطينية بجامعة «يونيتن» الماليزية لـ «الشبيبة».
إذا انهارَ السد، فإن العراق أمام «طوفان» خطير قد «يُغرق مدن تكريت وسامراء جنوب الموصل وأرياف العاصمة بغداد مما سيهدد ملايين العراقيين، ويخلف خسائر على طول ثلاثمئة كيلومتر في اتجاه مجرى النهر (دجلة)، عدا الأضرار التي سيخلفها على مدى أعوام على المستقبل الزراعي والصناعي والبيئي للمنطقة» بحسب ما يتوقع البروفيسور نضير الأنصاري من جامعة لوليو السويدية.
ويقترح الخبير الدولي لتفادي انهيار السد إنشاء سد بديل أكبر، يفترض أن يكون على بعد 30-50 كم من السد الحالي في اتجاه بغداد وأن يكون بسعة تعادل قرابة 15 بليون متر مكعب بحيث يتم استيعاب مخزون سد الموصل به ويزيد عليه بعض الشيء، ثم هدم سد الموصل بعد تفريغ حمولته من الماء، ويؤكد حافظ أن هذه الخطة تحتاج إلى عمل دراسة طبوغرافية وجيولوجية للتأكد من صلاحية الموقع المقترح للسد البديل.

الجذور الأولى

وفي العودةِ إلى الجذور الأولى لمشكلة السد، يذهب محمد حافظ في حديثهِ لـ «الشبيبة» إلى العام 1983م عندما قررت «حكومة العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين إنشاءه بتكلفةٍ بلغت قرابة 1.5 بليون دولار أمريكي، ففي البداية تم اختيار 4 مواقع مختلفة لسد الموصل ولكل موقع ميزاته وعيوبه».
«أصرت الإدارة السياسية حينذاك أن يتم اختيار موقع للسد يكون قادرا على ري مساحة (2500) كيلومتر مربع تشكل أراضي مشروع الجزيرة الشمالي والجنوبي والشرقي بالإضافة لمساحات جديدة للإرواء في محافظات الموصل وبغداد والكوت والعمارة والناصرية والبصرة بحيث أصبحت المساحة الكلية (7500) كيلومتر مربع، وبالتالي فقد تغير موقع السد عدة مرات ليكون الموقع الحالي الذي يحقق الأهداف الزراعية من السد ولكنه لا يحقق شروط الاستقرار الهندسي».

ويستطرد حافظ قائلا: بعد ثلاث سنوات من تاريخ استلامه من الشركة الإيطالية المنفذة بدأ السد يستنزف مئات الملايين من الدولارات لصيانة السد ومنع انهياره. حيث تبين للحكومة العراقية في العام 1986 أن الشركة الإيطالية المنفذة لبناء السد قد اختارت موقعا ذا طبيعة جيولوجية لا تتناسب مع طبيعة عمل السد، فبني بمنطقة قاعها الجيولوجي يتكون من الصخور الجبسية. وهنا لابد أن نذكر أنه لا يجب أن تلام الشركة الإيطالية بشكل تام بشأن اختيار الموقع الجيولوجي غير المناسب. حيث كانت هنالك مساحة تداخل كبيرة بين القرار الهندسي والقرار السياسي خلال حكم الرئيس السابق صدام حسين».

وبتفصيل أكبر، يتابع خبير السدود: مع انتهاء التخزين الأولي لبحيرة سد الموصل العام 1896، بدأ يلاحظ المشرفون على السد ظهور تسريبات (Seepage) بمعدلات كبيرة تحت الأساسات وليس بجسد السد نفسه. ومنذ ذاك الحين وإدارة سد الموصل تقوم بدعم أساسات السد عن طريق حقنها بمواد من الإسمنت والبنتونايت لضمان استمرار مقاومته لضغط المياه لتعويض الإجهادات المفقودة نتيجة هشاشة الطبقة الجبسية الحاملة لوزن الجسد وأيضا لوزن المخزون المائي أمام السد.
لم تكن مشكلة الحت والتعرية وهشاشة طبقة الأساسات فقط ما يجعل من السد غير آمنٍ بل ثمةَ أسباب أخرى جيولوجية، ومنها ما أشار إليه الخبير الدولي قائلا: تبين من المسح الجيوفيزيائي للمنطقة تخليق كهوف بأحجام مختلفة في طبقة الأساسات وما تحتها من طبقات تصل لقرابة 100 متر تحت قاع البحيرة وذلك بعدما تمكنت مياه السد من غسل كل مكونات الكاليسيوم بتلك الطبقات تاركة وراءها كهوفا قابلة للخسف في أي لحظة مما ينتج عنها هبوط أراضي فجائي كبير يؤثر مباشرة على استقرار السد أو تعرضه للانهيار في حالة حدوث قيم هبوط مختلفة في مناطق متعددة بجسد السد مما ينتج عنها شقوق عرضية قد تتفسخ بسرعة كبيرة نتيجة الضغوط المائية للمياه أمام السد.

نفقات الصيانة

وأمام هذه المعضلة؛ لم تتوقف مراكز الأبحاث العربية والأجنبية عن معاينة المشكلة، ودراستها، طوال السنوات الفائتة، وكان آخرها وأخطرها – والحديث لـ «حافظ» – دراسة الهيئة الهندسية الأمريكية والتي اضطرت لإرسال عدد من الغواصين تحت أساسات سد الموصل للتأكد من أحجام فجوات الكهوف الجبسية الموجودة بطبقة الأساسات. فتبين خطورة الوضع وزيادة عدد الفجوات التي تؤدي لمزيد من هشاشة طبقة الأساسات، ولقد أصدرت عدة هيئات علمية ذات شأن عدة توقعات بالخسائر المحتلمة في حال انهيار سد الموصل، حيث تأكد بأن حجم الخسائر والمساحة المتأذية من أضرار الانهيار يتوقف تماما على ارتفاع عمود المياه أمام سد الموصل. فثمة عدة سيناريوهات تبدأ عند ملء خزان السد لمنسوب 290 فوق مستوى البحر ثم 300، 310، 320 وآخر منسوب 330. ومع كل سيناريو تتغير المساحة الغارقة وحجم الخسائر المتوقعة.
منذ الاحتلال الأمريكي للعراق قبل 13 عاما مضت والحكومة العراقية تصرف قرابة 500 مليون دولار سنويا لحقن قرابة 200 طن من البنتونايت والأسمنت تحت أكتاف السد ومقطعه الأوسط، وبحسب الدكتور حافظ فقد وصل إجمالي ما تم حقنه منذ العام 1986 حتى العام 2015 لـ «أكثر من 100000 طن خليط من الأسمنت والبنتونانيت، كما تم تثبيت عدة أنابيب حقن كبيرة بشكل دائم في أجزاء متعددة بجسم السد وتصل لأعماق مختلفة تحته»، مشيراً إلى أن استمرار عملية الحقن ربما تصبح بلا أي فائدة قريبا جدا، وأن لا حل للسد إلا بهدمه بعد إفراغ حمولته المائية في سد بديل.