الديمقراطية تنتصر على الإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
الديمقراطية تنتصر

على الإرهاب

كريس باتِن

قبل بضعة أيام كنت أتجول عبر شوارع باريس، وكان الهواء دافئاً والسماء زرقاء صافية، وشعرت وكأنني في أفضل مكان في الكون. وكحالها دائماً، بدت باريس أنيقة تنضح بالثقة والبهجة. فقد انتخبت فرنسا للتو رئيساً جديداً ذكياً وشاباً ووسيماً وشجاعاً، والذي بدا منسجماً مع أجواء المدينة. ولولا ذلك القدر الكبير من الأخبار المؤسفة التي أظلمت اليوم، فإن كل الأسباب كانت لتدعوني إلى السير وثباً بخطوات رشيقة.

بطبيعة الحال، كانت الأمور لتختلف كثيراً. فقبل ثمانية عشر شهراً فقط خَلَّف هجوم إرهابي في باريس 130 قتيلاً والمئات من الجرحى. وفي يوليو الفائت في نيس، اندفع مهاجم إرهابي بشاحنته في يوم الباستيل عبر حشد من الناس يحتفلون عند الواجهة البحرية للمدينة، فقتل 86 شخصاً. وبعد فترة وجيزة، ذَبَح مهاجم كاهناً مسناً في كنيسة في نورماندي.
الواقع أن هذه الأفعال الوضيعة، الناجمة عن تفسير مشوه لدين عظيم، لم تمنع الفرنسيين من انتخاب إيمانويل ماكرون، الرجل الذي يعلم أن اليقظة تتطلب احترام كل أعضاء مجتمعنا. ولكي نحارب الشر، يتعيّن علينا أن نرفض الإقصاء والكراهية، ولا ينبغي لنا أبداً أن نلوث سمعة شريحة كبيرة من مجتمعنا.
ذُكِّرت بهذا الدرس عندما كنت أستقل سيارة أجرة من وسط باريس إلى جار دو نورد. وبعد أن اشتكى السائق من المنافسة من أوبر (وهي لازمة مألوفة بين سائقي سيارات الأجرة في لندن أيضاً)، انتقل إلى استنكار العالَم وكل ما فيه. فزعم أن العولمة والهجرة الجماعية تدمران الوظائف، وتربكان الخدمات العامة، وتهددان الهوية الوطنية الفرنسية، وتفرخان الإرهابيين.
غني عن القول إن السائق صوت لصالح مارين لوبان- برغم أن لم يبد وكأنه تنطبق عليه مواصفات ما تسميه الجبهة الوطنية الفرنسي «نقي الدم». وبطبيعة الحال، صوّت أغلب الفرنسيين للجهة الأخرى. ورغم أن تظلمات السائق تظل منتشرة ورائجة، فإنها لا تمثل نهجاً متماسكاً وقائماً على الحقائق في التعامل مع مشاكل اليوم.
وتواجه بريطانيا أيضاً تهديدات إرهابية، كما رأينا مرة أخرى مع الهجوم المروّع في مانشستر، المدينة الواقعة إلى الشمال الغربي حيث كان جدي ناظر مدرسة وكانت جدتي أيضاً ناظرة مدرسة، وحيث ولِد أبي. حتى الآن، بلغ عدد القتلى 22 شخصاً، أغلبهم من الأطفال، الأمر الذي يجعل الهجوم على ساحة مانشستر المواجهة الأسوأ مع الإرهاب منذ تفجيرات مترو أنفاق لندن في يوليو 2005، التي أودت بحياة 52 شخصاً. والحق أن البريطانيين، مثلهم في ذلك كمثل الفرنسيين، لم يستسلموا للذعر ولم تكن استجابتهم انفعالية. فنحن ما زلنا نفضل الحياة في مجتمعات حرة ومفتوحة، ولهذا كانت ردود أفعالنا هادئة وتتحلى بالعزيمة المحسوبة.
وتُعَد هذه العزيمة إحدى نقاط قوة الديمقراطية. فلن نسلم الأجندة السياسية أبداً لأولئك الذين لا يقدمون سوى شعارات تبسيطية، وحجج فظة، وسياسات متطرفة. وسيظل أولئك الذين يريدون تعليق مشاكلهم على «الآخر» -المختلف بالجنس، أو العِرق، أو الدين، أو الجنسية- في عِداد الأقلية دائماً. وهدفهم هو إغلاق القلوب والعقول. وهم لا يبذلون أي جهد لفهم الأسباب وراء العنف، أو تطوير سبل فعّالة لمعالجتها.
يستند الحس السليم في الديمقراطية جزئياً على فهم حقيقة مفادها أن الدولة أهم من الحزب. وفي الأنظمة الديمقراطية تستند عملية صنع السياسات على الحلول الوسط والعقلانية. ولن نسمح نحن الذين نعيش في ظل أنظمة ديمقراطية للإرهاب بحملنا على نبذ شعورنا بالتوازن والاعتدال؛ لأننا ندرك حقيقة عميقة بشأن أغلب المجتمعات: مفادها أن الحياة تنتصر دوماً على الموت.
رغم وجود ما يسمى الخطيئة الأصلية -الشر الخبيث الذي يكمن للناس ويفجرهم ويشوه الأطفال الصِغار وأسرهم وأصدقاءهم- فهناك أيضاً الفضيلة الأصلية، الحاضرة دوماً بعد الفظائع الإرهابية، والتي تتمثل في المارة الذين يتوقفون للمساعدة، والممرضات والأطباء الذين يعتنون بالمصابين، وأولئك الذين يبحثون عن المفقودين، أو يوفرون للأسر أماكن للمبيت، أو يرافقون الناس إلى بيوتهم من مسرح القتل الجماعي.
ربما لا يتعلم الأشخاص الذين يخططون للأعمال الإرهابية وينفذونها أبداً أن قضيتهم خاسرة. ولا شك أن المجتمعات المفتوحة ستتحمل المزيد من الاعتداءات في المستقبل. ولكن إذا كان هناك أي شيء واضح فهو أن الإرهابيين لا يستطيعون هزيمة الديمقراطية. ففي فرنسا، صوّت الناخبون قبل أيام لصالح رئيس جديد انطلاقاً من الأمل وليس اليأس؛ وفي المملكة المتحدة، سنعقد قريباً انتخابات حرة نزيهة في يونيو. وستتحمل الديمقراطية هجمات كتلك في مانشستر؛ وسيستجيب المواطنون الديمقراطيون بشجاعة وسخاء.

آخر حاكم بريطاني لهونج كونج