علي بن راشد المطاعني
في الاجتماع الأخير لرجال الأعمال بمنتجع الميلينيوم بالمصنعة طرح أكثر من رجل أعمال مشكلة الإساءة إلى القطاع الخاص وشخوصه في وسائل الإعلام، والتهكم عليهم ووصفهم بأوصاف غير لائقة، واشتكوا من أنهم دائماً محل الاتهامات والشكوك من المجتمع بسبب اجترار هذه الكتابات المسيئة لهم ولشركاتهم واستثماراتهم.
وهي شكاوى وهموم حقيقية ومهمة، تدفعنا للتفكير جدياً في العمل على تغيير هذه الفلسفة التي تتجنى على القطاع الخاص، وتحسين تلك الصورة التي وصفها بعض المشاركين في الاجتماع، فما طرح يعد موضوعاً شائكاً ومهماً جداً، له العديد من الجوانب التي نناقشها في هذه السطور باعتبارها ترسم رؤية جديدة، تلك التي يجب أن يتبنّاها القطاع الخاص لتوضيح الصورة بكل جلاء أمام الرأي العام من خلال عدة طرق تتبع في هذا الشأن، وإلا سيبقى هذا الاحتقان قائماً في المجتمع في ظل عدم التواصل معه، وعدم القدرة على إبراز ما يقدمه القطاع الخاص في كل المجالات.
فاليوم الأبواب مفتوحة ولا يمكن لأحد أن يخيط الأفواه في ظل التكنولوجيا الحديثة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي وفرت لكل من يتعامل معها فرصة أن يدلي بدلوه ويقوم بتعرية واتهام أي رجل أعمال أو شركة أو قطاع خاص ككل بالقصور.
وهنا تكمن أهمية توضيح الجهود التي يبذلها القطاع الخاص في التنمية في البلاد، وإسهاماته الوطنية والاجتماعية في المجتمع، فهذا خيار استراتيجي مهما اختلفت آراؤنا لمواكبة التطور في كل الجوانب سواء الحريات المطلقة أو التقنيات الحديثة التي يستخدمها البعض بشكل سيئ للأسف
لا يختلف اثنان على أن القطاع الخاص شريك في تنمية اقتصاد البلاد، وله دور محوري كبير في كل الجوانب، وأن لرجال الأعمال إسهامات كبيرة، إلا أن بعضها منظور وبعضها الآخر يتم إنجازه في سرية تامة، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها، وترجع للكثير من الاعتبارات منها ما يتعلق بالشخصية العمانية الخجولة غير الراغبة في إظهار إسهاماتها الوطنية والاجتماعية، وبالتالي تغيب عن المجتمع الكثير من الحقائق حول ما يقوم به القطاع الخاص، وهو ما ينبغي أن يتغيّر لإظهار دور القطاع الخاص وطنياً واجتماعياً من خلال تسليط الضوء على هذه الإسهامات كجزء من محاولة تغيير ذهنية المجتمع السلبية المتراكمة عن القطاع الخاص، لا محالة أن يكون هذا الجانب اليوم ضمن أنشطة الشركات والمؤسسات ويحظى باهتمام من أرباب العمل من خلال تسليط الضوء على هذه الإسهامات كجزء من تغيير ذهنية المجتمع السلبية المتراكمة والصورة النمطية المترسبة وتعزيز دور العلاقات العامة والإعلام في إبراز أنشطة الشركات والمؤسسات سواء بشكل جماعي كقطاع أو كمؤسسات، هذا خيار لا حياد عنه تتبنّاه الكثير من الشركات في العالم، بل هو علم ونشاط معروف دولياً.
وربما يمر القطاع الخاص لدينا بمرحلة انتقالية عبر إدارة دفته من الجيل الأول المؤسس لهذا القطاع الذي قد لا يؤمن بالأنشطة الإعلامية للشركات وتسليط الأضواء على جهودها ودورها، توجساً من أن يعرف الغير بنشاطاتهم وبما لديهم، وهذه حقيقة للأسف مترسخة لدى الكثيرين، وربما أسهم ذلك في رسم تلك الصورة السلبية عن هذا القطاع ودوره، لكننا اليوم مع دخول الجيل الثاني من الأبناء إلى معترك العمل الاقتصادي، هناك من يدرك جيداً أهمية الإعلام في العمل كنوع من التسويق من خلال أنشطة العلاقات العامة التي يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ ضمن هيكل الشركات، لما تمثله من أهمية كبيرة في التعريف بالمؤسسات الفاعلة في المجتمع وتحسين الصورة وترويج العلامات التجارية وهناك مبادرات من بعض الشركات في إظهار دورها في المجتمع، إلا أن ذلك يحتاج إلى وقت وجهود كبيرة.
ولكن في الوقت الذي نطالب القطاع الخاص بجهود إعلامية وعلاقات عامة لتوضيح دوره ومسؤولياته المتعددة، نرى أن المجتمع ووسائل الإعلام مطالبون في المقابل بأن يخففا من وطأة انتقاد القطاع الخاص والابتعاد عن اللهجة الحادة في التعاطي مع موضوعات تهمه وعدم إساءة الظن بما يبذل من جهود كبيرة، واحترام آرائه ومنطلقاته التي قد تكون مختلفة عمّا نؤمن به أو نرغب فيه، فكل منّا له طرقه وأساليبه في إدارة العمل في هذا الوطن، علينا أن نفهم أن هذا التعاطي لا يخدم الأهداف الوطنية ويوسع الفجوة بين الجانبين ويؤدي إلى فقدان الثقة بين الأطراف المعنية، بل ويوجد أجواءً غير صحية وملائمة في المجتمع يعتريها التشنج والتراشق اللفظي غير اللائق الذي لا يناسب مجتمعنا.
بالطبع النقد وحرية الرأي والتعبير مكفولة وفق النظام الأساسي للدولة والقوانين المنظمة لهذا الجانب، إلا أن الالتزام بحدود الحرية المسؤولة أمر ذو أهمية في التعاطي مع الغير، كما أنه يجب أن يسارع القطاع الخاص بالتحرك من أجل إزالة اللبس الذي يكتنف المجتمع إزاء دوره، فهو الذي قد يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة.
نأمل أن ننجح في إظهار دور القطاع الخاص وأن نحسن تصويره بشكل أفضل مما هو عليه كمساهم أساسي في تنمية البلاد، وهو رهان المستقبل والمظلة لأبنائنا، وعلى أرباب العمل عدم إهمال أنفسهم، والاطلاع على تجارب نظرائهم في دول العالم وكيف استطاعوا تحسين صورتهم وإبراز منجزاتهم.