الشيخ كهلان الخروصي: الإكثار من الصالحات ينجِّي من الفتن

بلادنا الأربعاء ٣١/مايو/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
الشيخ كهلان الخروصي: الإكثار من الصالحات ينجِّي من الفتن

إعداد - أحمد بن سعيد الجرداني - (الحلقة الثالثة)

«نحن في هذه الأيام محتاجون إلى أن نتبين هذه الخصلة -المسارعة في الخيرات- وأن نَعرِف معانيها، وأن نَعرِف دلالاتها ومضامينها في كتاب الله عز وجل، ثم كيف ورد موضوع المسارعة في الخيرات في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي هديه الشريف -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- كيف فهم صحابته -رضوان الله تعالى عليهم- هذه الخصلة النبيلة والخلق الرفيع عنه -عليه أفضل الصلاة والسلام- وكيف طبقوها».

ومن هذا المنطلق أخي القارئ الكريم أختي القارئة الكريمة وعبر هذا المنبر نواصل تقديم موضوع حول المسارعة في فعل الخيرات من خلال برنامج دين الرحمة الذي يذاع عبر إذاعة القرآن الكريم العمانية وهو من إعداد مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي ومن تقديم الشيخ د.سيف بن سالم الهادي.

بادروا بالأعمال

عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بِعَرَضٍ من الدنيا».
وحول معنى هذا الحديث يقول فضيلة الشيخ د.كهلان: هذا الحديث يحمل كلمة المبادرة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بِعَرَضٍ من الدنيا»، -نسأل الله السلامة والعافية- هذا الحديث يدعو المسلمين إلى أن يتهيؤوا بتحصين أنفسهم ضد الفتن التي سوف يواجهونها في حياتهم بالإكثار من المبادرة إلى العمل الصالح «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم».
وهنا بادروا بمعنى واجهوا أو استقبلوا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، فإنه لا منجاة لهذا المسلم من الفتن التي يمكن أن تؤثر على فكره وعلى إيمانه وعلى ضميره إلا بالإكثار من الأعمال الصالحة، التي تستند لا ريب إلى إيمانٍ راسخٍ عميقٍ وإلى فقهٍ وعلمٍ، هي كما لخصناها تدور حول مسألة الحكمة، والنية الصادقة الخالصة، ومراعاة المصالح المعتبرة شرعاً، فإنه بذلك سوف يتمكن بتوفيق الله عز وجل من مجابهة هذه الفتن التي يمكن أن تجعل الحليم حيراناً، والتي يمكن أن تُطَوِّح بهذا المسلم بعيداً عن طريق الصلاح والاستقامة والخير، والحديث يؤكد على هذا المعنى «... يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً...» من شدة ما تُحدِثُهُ هذه الفتن من حيرةٍ في العقول، ومن تضليلٍ للقلوب، ومن إغواءٍ لهذه النفوس «... أو يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً...» وكل ذلك إنما يدور حول بريق هذه الحياة الدنيا وزخارفها وشهواتها، ولذلك يختم الحديث ب»يبيع دينه بِعَرَضٍ من الدنيا».
ولذلك فإن الأعمال الصالحة.. المبادرات التي يبادر إليها هذا المسلم إنما تُحصِّنُ له دينه من أن يبيعه رخيصاً بِعَرَضٍ من عروض هذه الحياة الدنيا، هذا المعنى نجده في جملةٍ من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كقوله: «أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة، وصِلِوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية تؤجَروا وتحمَدوا وترزَقوا»، وهو قريبٌ من الحديث الشهير «اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، -ومنهم من يذكره مرفوعاً ومنهم من يذكره موقوفاً- هذا الحديث.
ومتصلٌ بدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اغتنام نعمتي الصحة والفراغ حينما قال: «نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ»، مما يعني أنه ينبغي للمسلم أن يبادر إلى اغتنام صحته فيكثر من الأعمال الصالحة، وأن يبادر قلة شواغله فيغتنم فراغه الذي هو نعمةٌ من نعم الله عز وجل يغبنه فيها غيره فيكثر من الصالحات، ويكثر من الأعمال والمبادرات التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

المبادرة في الخيرات

لا تقتصر على الآخرة
وحول سؤال يتعلق بأمور الدنيا والمسارعة في الخيرات بأمور الدنيا، هل هي فقط في أمور الآخرة أم أن الدنيا لها نصيب من هذا الموضوع؟

فأجاب الشيخ كهلان: نعم.. المبادرة في الخيرات لا تقتصر على أمور الآخرة أو على الأعمال التعبدية، وإنما تمتد إلى الأعمال الدنيوية، فكل عملٍ يحقق منافع للناس.. فيه مصالح للمجتمع وللأمة من الأمور الدنيوية الصرفة البحتة لكن فيه مصالح للناس هو مما ترد فيه المبادرة، وهو من المبادرة في الخيرات، وعالَم اليوم عالَمٌ يتسابق إلى مثل هذه الأمور من مكتشفاتٍ ومخترعاتٍ ومن وسائل وتقنيات فيها مصالح للناس، ومن أمور الزراعة والإنتاج والنظم والأحوال، فلذلك مع مبدأ المبادرة في الخيرات الذي هو مبدأٌ أصيلٌ وصفةٌ محمودةٌ في هذا الدين، كان ينبغي للمسلمين أن يكونوا أصحاب مبادرات من هذا النوع مما هي من أمور الدنيا في منظور كثير من الناس، أو في تصنيفها مقارنةً بأمور العبادة، ولنأخذ على ذلك -كما قلتُ- مجالات كثيرة من زراعةٍ وتجارةٍ وصناعةٍ وحِرَفٍ ومهنٍّ وأعمالٍ وكسب أرزاقٍ وعلومٍ ونظرياتٍ ومخترعاتٍ، كل هذه هي من الأمور التي ينبغي للمسلمين أن يشتغلوا بالمبادرة إليها، بل ولا يقفوا عند ذلك، فإن عالَم اليوم يحتاج إلى نُظُمٍ وإلى أخلاقٍ وإلى نظرياتٍ قِيَمِيَّةٍ ومبادئ وإلى قوانين.
فحبذا لو بادر المسلمون إلى إخراج ما في هذا الدين من أحكامٍ فيها من الرحمة والتوسعة على الناس، وفيها من مراعاة فطرة هذا الإنسان المكونة من شهواتٍ ومن رغباتٍ ومن عواطفٍ ومن احتياجات ماديةٍ ومعنويةٍ وروحيةٍ.. ينبغي لهم أن يستنبطوا مما هو في دينهم الحنيف، وفي تراثهم الغني ما يمكن أن يقدموه للناس في واقعهم اليوم بمبادراتٍ منهم، حتى يكون في ذلك سعادةٌ للناسٌ جميعاً، ولذلك نتعرض لمثل هذا الموضوع فنحن نقرر أن هذا الدين هو دين رحمةٌ بالإنسانية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فلذلك ينبغي أن يبادر المسلمون إلى صياغة هذه النظم والمبادئ كما يبادروا إلى كل ما يمكنهم أن يقدموه في سائر المجالات التي يحتاج إليها الناس.

الدين جاء لإصلاح

معيشة الإنسان
وفي مداخلة لمقدم البرنامج قائلاً: قبل أن تكمل ألاحظ عليك أنك تقف عند موضوع أمور الدنيا وكأن لديك ملاحظة حولها، هل هي بالفعل أمور دنيا كما يفهمها الناس أم أنها هي أساساً داخلةٌ في موضوع الدين وأنها من الدين، لأن الإنسان دائماً يقصد الأجر ويقصد الثواب فإذا لم يتوفر هذا الشيء في العمل الذي يقوم به يتباطأ.

فأجاب فضيلة الشيخ د.كهلان الخروصي: أحسنتم نعم، لذلك أنا قلتُ مقارنةً لها بأمور العبادات، أمور العبادات التي هي الشعائر التعبدية التي يفهمها الناس على أنها مما يتصل.. مما يعزز ويقوي صلة الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى، أما هذه التي تتعلق بإصلاح المعيشة -كما يقول أهل العلم- هي من إصلاح المعيشة فقد لا يتبادر معنى أنها مما يؤجر عليه هذا الإنسان بحسن نيته فيها لا يتبادر إلى كثير من الناس، ولذلك هي من حيث هذا الباب تُصنَّف على أنها أعمال دنيا وليست بأعمالٍ أخروية.. أعمالٌ دنيويةٌ وليست بأعمالٍ أخروية، لأن فيها إصلاحاً لمعيشة هذا الإنسان، وأما من حيث الاعتبار الذي ذكرتَه فهو لا شك أن هذا الدين إنما جاء لإصلاح معيشة هذا الإنسان، وهذه الأعمال المباحة هي مما يؤجر عليها هذا الإنسان بحسن نيته وبإخلاصه العمل فيها، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة»، فقالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟ -إلى آخر الحديث المشهور.

المبادر للخيرات يكسب

الأجر من حيث لا يدري
مقدم البرنامج: ومثلاً الذي يفتح مصنعاً سيكون أجره -لو أراد أن يدخل في تفاصيل الموضوع- كبيراً جداً، لأن الذي ينفق ريالاً أو ريالين على فقيرٍ سيكون هذا أكثر منه إنفاقاً من خلال ماذا؟ من خلال أنه سيعمل في مصنعه 100 فقير أو 100 شاب يريد أن يؤسس حياته ويكوِّن نفسه، فهو بذلك فتح عمل خيرٍ، وإن كان صحيحاً الذي يظهر للناس أن مردوده له شخصياً، لكن الحقيقة فعله هذا فتح الخير للآخرين، وساعدهم من حيث لا يشعر.

وفي هذا الجانب يقول فضيلة الشيخ د.كهلان: بل سوف يعين على مبادرات أخرى، أي هو حينما يريد أن ينشئ مصنعاً سوف يستعين -في واقع حياتنا اليوم- بشركات استشارية.. سوف يستعين بشركات المقاولات لبناء ذلك المصنع.. سوف يستعين بمراكز علمية لأجل ما يحتاج إليه في خط الإنتاج إن كان مصنعاً إنتاجياً، وكل هؤلاء هناك أفراد من أبناء المجتمع يعملون ويكسبون أرزاقهم من ورائهم، فهو من حيث لا يدري بحسن نيته وبإخلاصه لله سبحانه وتعالى سوف يجلب لنفسه الأجر الكثير، حتى هذه الأعمال -وهذا مما ينبغي أن يعيه الناس اليوم- هي من الأمور التي ينبغي أن تكون لهم فيها مبادراتٌ في الخيرات، لأنها من صميم هذا الذي نتحدث عنه.

حسبنا هذا اليوم وللموضوع بقية بإذن الله تعالى..